الإثنين

1446-03-13

|

2024-9-16

﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ﴾:

أرأيت أنه لم يقل: جفّفي ماءك، مثلاً، مع أنه هو التعبير المتّفِق مع طبيعة الأرض وشأنها، وإنما قال: ابلعي ماءك؛ ليصور لك بأن الأرض لما اتجهت إليها إرادة العزيز الخبير انقلبت مسامها وشقوقها إلى أفواه فاغرة تبتلع بها المياه ابتلاعاً، فهي لم تنفذ الأمر بالطبيعة المألوفة لها، وإنما بالانقياد لأمر خالقها جل جلاله .
وجاء نداء الأرض قبل سابقاً لنداء السماء، لأن المطلوب منها وظيفتان: توقف عيونها عن الإمداد بتدفق الماء، وابتلاع مياهها التي كانت قد فاضت بها، ليتناقص الماء وتستوي الفلك على اليابسة. وأما المطلوب من السماء فوظيفة واحدة: هي الإقلاع عن هطول الأمطار. وأغنى فعل "ابلعي" عن الأمر بالتوقف؛ لأنه لا يكون هذا البلع إلا بعد التوقف. ولما جاء الأمر "يا أرض ابلعي ماءك" فتوقفت فوراً عن التفجّر، وأخذت تبلع ماءها الذي كانت قد تفجرت به إلى سطحها .
وفي هذا النصِّ القرآني الكريم نُسب الماء إلى الأرض، وأرضنا هي أغنى الكواكب المعروفة لنا بالماء، ولذلك سمّيت الأرض باسم الكوكب المائي، أو الكوكب الأزرق، وقد احتار العلماء منذ القدم في تفسير مصدر هذه الكمية الهائلة من الماء، والتي من دونها لم يكن ممكناً للحياة التي نعرفها أن توجد على الأرض، وقد وُضعت فروض ونظريات عديدة من أجل تفسير أصل ماء الأرض، ومن ذلك كانت فرضية اصطدام المذنبات بالأرض والتي ظلت سائدة فترة طويلة ثم انهارت كما انهار غيرها من الفروض والنظريات، وكان ذلك باكتشاف علماء البراكين أن أكثر من 70% مما يتصاعد من فوّهات بعض البراكين على سطح الأرض، ومعدّل ثورة كل منها ومتوسط ما يتصاعد من بخار الماء في كل ثورة.
وصل العلماء إلى نفس كمية الماء المتجمعة على سطح الأرض، وفي صخور ورسوبيات قشرتها، وفي الغلاف الغازي المحيط بها، وبذلك ثبت أن كل ماء الأرض قد أخرجه ربنا تبارك وتعالى أصلاً من داخل الأرض، وفي ذلك قال عزّ من قائل: ﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا* أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا﴾ (النازعات: 30- 31).
وتحدث القرآن الكريم عن دورة الماء حول الأرض في آيات أخرى عديدة منها نسبة الماء إلى الأرض في الآية الرابعة والأربعين من سورة هود«، و"قيل يا أرض ابلعي ماءك"؛ هو سبق قرآني واضح، حيث لم تتوصل العلوم المكتسبة إلى معرفة ذلك إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين.
وفي هذا النصِّ القرآني إشارة إلى اشتراك عيون الأرض المتفجرة في إحداث طوفان نوح عليه السلام وه ما أكده القرآن الكريم ﴿وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ (القمر: 12).

المصادر:
"نوح عليه السلام والطوفان العظيم"؛ ميلاد الحضارة الإنسانية الثانية، د. علي محمد الصلابي.
من روائع القرآن، د. محمد سعيد رمضان البوطي، ص 274.
نوح عليه السلام وقومه في القرآن المجيد، الميداني، ص 124.

يمكنكم تحميل كتاب نوح عليه السلام والطوفان العظيم (ميلاد الحضارة الإنسانية الثانية) من الموقع الرسمي للدكتور علي الصلابي:
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Noh.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022