السبت

1446-11-05

|

2025-5-3

من كتاب إشراقات قرآنية بعنوان: 

سورة قريش
الحلقة 160
بقلم: د. سلمان بن فهد العودة
ذو الحجة 1442 هــ / يوليو 2021


* {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْت }:
لم يأمرهم سبحانه أن يتركوا الرحلة إلى اليمن والشام ليفرغوا للعبادة، فلهم أن يألفوا هذه الرحلة ويستمروا عليها، ليعبدوا ربهم تبارك وتعالى.
ومن العبادة: أن يوظِّفوا ما رزقهم الله تعالى في مصلحة عباده، والعبادة هنا شكر لما أنعم الله به عليهم، كما في قوله سبحانه: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا } [سبأ: 13].
وكلمة {رَبَّ } تشعر بالرعاية والحفظ، وما قصة أصحاب الفيل عنا ببعيد، ومقتضى هذا الأمر أن يجتنبوا عبادة الأوثان، وذكَّرهم أن لهذا البيت الذي يعتزون به ربًّا يحميه، فهو المستحق وحده للعبادة، ولذا أضاف ذاته العلية واسمه الشريف إلى البيت؛ إشارة إلى أن هذا بيت الله سبحانه، وشرفه بهذا، وليس بشيء آخر، وفي قوله تعالى: {طَهِّرَا بَيْتِيَ } [البقرة: 125]. نسب البيت إلى ذاته العلية، فصار بيت الله عز وجل، والمقام هنا مقام امتنان بالنعم، فيناسبه ذكر صفة الربوبية دون غيرها.
وقوله: {هَذَا } إشارة إلى البيت، والعادة أن الإشارة تكون لشيء حاضر، كما تقول: هذا الكتاب، وهذا القلم، فالإشارة كانت لأمر موجود عند السامعين، يُشار إليه، كما أشار عمر رضي الله عنه في صلاته، حيث صلَّى عند البيت، فقرأ
{لإِيلاَفِ قُرَيْش }، فجعل يومئ إلى البيت، ويقول: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْت * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْف }.
وفيه معنى عظيم، وهو أن الله سبحانه يقرِّر أن هذا البيت باقٍ مرفوع شامخ أبيٌّ، يتعالى على كل محاولات الهدم والتخريب، ولذلك يُشار إليه؛ لأنه موجود، وهذا قبل أن تنقل شاشات التلفاز والقنوات الفضائية الصور الحية من البيت الحرام، فهو اليوم يُشاهد من كل مكان في الأرض.
وإنك تتعجب أَلَّا تجد اليوم حول هذا البيت الحركة والنشاط العلمي والنشاط الإيماني الذي يتناسب مع مكانته، في حين أن أمم الأرض كلها اليوم تفتخر بمعالمها ومتاحفها ورسومها وآثارها ورموزها، ويفتخرون بأبنية حديثة من المعابد والكنائس، والمسلمون في أمصار الإسلام يفخرون برمز من رموز العلم فيها، فالرمز العلمي والإيماني في مصر هو: الأزهر، وفي تونس: الزيتونة، وفي المغرب: القرويين، وهذا البيت عريق، والله تعالى فضَّله يوم خلق السماوات والأرض، وجعل الأنبياء يحجُّون إليه ويطوفون به، وجعل له هذه القدسية وهذا البقاء وهذا الخلود، وهذا يستوجب أن يكون حول البيت العمل الكثير، والحركة العلمية النشيطة، والتأثير الكبير بما يتناسب مع جلالة البيت ومكانته ومنزلته.

سلسلة كتب:
إشراقات قرآنية (4 أجزاء)
للدكتور سلمان العودة
متوفرة الآن على موقع الدكتور علي محمَّد الصَّلابي: 
http://alsallabi.com/books/7


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022