الجمعة

1446-06-26

|

2024-12-27

إضاءة في كتاب

"نوح (عليه السلام) والطوفان العظيم: ميلاد الحضارة الإنسانية الثّانية"

بقلم: د. علي محمد الصّلابيّ

 

هذا الكتاب هو جزء من موسوعة "أولوا العزم من الرُّسل" و"نشأة الحضارة الإنسانية وقادتها العِظام" التي أكرمني المولى تبارك وتعالى في إتمامها من عام تقريباً. وإن البشرية في أشد الحاجة لمعرفة سير الأنبياء والمرسلين من خلال كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وشرح تراجمهم وأخلاقهم وأصول دعوتهم من أحاديث الرسول ﷺ الصحيحة، وأقوال العلماء الراسخين بأسلوب عصري يلائم المرحلة التي تمرُّ بها الإنسانية الباحثة عن إجابات شافية لتساؤلها عن الله والكون والحياة، والجنة والنار، والقضاء والقدر، والرسالات والنبوات والحضارات الإنسانية القديمة، ومتى نشأت؟ وما مصيرها؟ وسنن الله في خلقه، وإدارة الصراع بين الحق والباطل والهدى والضلال والخير والشر والكفر والإيمان...إلخ.

ويتحدث هذا الكتاب عن النبيِّ نوح عليه السلام، وقد سميته {نوح عليه السلام والطوفان العظيم وميلاد الحضارة الإنسانية الثانية}، وتبلغ عدد صفحاته نحو 450 صفحة، وقد قسمته إلى مجموعة من المباحث، وهي:

في الأول: تحدثت فيه عن فترة ما قبل نوح عليه السلام، وبيَّنت أنه ليس بين آدم ونوح رسول، وبأنَّ التوحيد هو أصل دعوة الرسل، وإليه دعوا أقوامهم، قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ﴾ [الشورى: 13] .

وإنَّ نوحاً عليه السلام جاء في نهاية الحضارة الإنسانية الأولى، والتي بدأت من آدم عليه السلام، ثم انحرفت عن التوحيد، وإفراد العبادة للخالق العظيم، وتطورت الحياة الإنسانية على وجه الأرض في قضاياها المادية، وأخطأت السبيل في قيمها الروحية، ومعرفتها بخالقها العظيم، فأرسل الله عز وجل نوحاً عليه السلام إلى قومه، فأقام عليهم الحجة، ومضت سنة الله في زوالهم واستئصالهم، وآمن معه القليل الذين أنشأ بهم حضارة السلام والبركات بعد الطوفان العظيم.

وفي المبحث الثاني: كان الحديث فيه عن دعوة نوح عليه السلام، والحكمة من بعث الرسل والأمور التي تفرد بها الأنبياء، كالوحي وعدم التوريث وأعينهم تنام وقلوبهم لا تنام، والأرض لا تأكل أجسادهم وعصمتهم وأهمية الإيمان بالرسل والأنبياء والمرسلين، وكون نوح من أولي العزم، وكونه أول الرسل إلى أهل الأرض، والأب الثاني للبشرية.

وفي المبحث الثالث: وضحت فيه مواقف قوم نوح من دعوته من سورة هود، وفي سور الأعراف والمؤمنون والشعراء، وكيف كان رد نوح على شبهاتهم بالفعل والمنطق والحجة والبرهان، كقوله لقومه: ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ﴾ [هود:28].

وذكرت معوقات قبول دعوة نوح عليه السلام من قومه، والتي منها: الكبر والعناد والتقليد الأعمى والوثنية والمكر والترف.

وفي المبحث الرابع: تناولت فيه بيان نوح (عليه السلام) لربه تجاه قومه، وشكواه من معصيتهم له، ودعاؤه عليهم في سورة نوح، حيث فسرت الآيات التي جاءت في سورة نوح بأسلوب سهل مع استفادة من علماء التفسير الكبار.

وفي المبحث الخامس: كان الحديث فيه عن سفينة نوح عليه السلام والطوفان العظيم، وتفسير الآيات المتعلقة بهذه الأمور كما في قوله تعالى: ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ[هود:37].

وكيف تم إغراق الأرض بالماء؟ وكيف حدث الطوفان؟ وبيَّنت ذلك الحدث الكوني العظيم من خلال الآيات الكريمة التي ذكرها الله في سورة القمر.

وتحدثت عن الحوار الذي ذكره الله بين الأب المؤمن بالله الحريص على سلامة ابنه في دينه ودنياه، وبين الابن العاق البعيد عن هداية الإيمان المنغمس في سجن الكفر والضلال، وكما وقفت مع سؤال نوح عليه السلام ربه في شأن ابنه، وطلبه المغفرة والرحمة من عند الله متأملاً ومتدبراً ومسترشداً بأقوال علماء أهل التخصص من أئمة التفسير في قوله تعالى: ﴿وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ[هود:45-46].

وذكرت زوجة نوح الكافرة، وماذا قال الله فيها، مستخرجاً الدروس والعبر والفوائد من الآيات الكريمة من قوله تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ[التحريم:10].

وفي المبحث السادس: كان الحديث فيه عن ميلاد الحضارة الإنسانية الثانية، وذكرت أقوال العلماء وأهل التفسير في قول الله تعالى: ﴿ قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَٰذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [هود: 48- 49].

وذكرت في هذا المبحث صفات نوح عليه السلام وأخلاقه التي تجسدت في شخصه الكريم، فقد كان من أولي العزم من الرسل الذين حققوا التوحيد، وإفراد الله بالعبادة، ومن صفاته: الإخلاص، والصبر، والتقوى، والاستغفار، والدعاء، والعبودية، وكثرة السجود، والذِكر، واليقين والإحسان، والعلم والعفة والأمانة والثبات، وبرّ الوالدين، وغير ذلك مما غرسه نوح (عليه السلام) في أتباعه مما ساهم في نهضة حضارة السلام والبركات...

ووضحت خصائص الحضارة الإنسانية الثانية، حيث قامت على أساس الوحدانية المطلقة لله عز وجل، ومن خصائصها أنها إنسانية وأخلاقية، وتؤمن بالعلم، وقامت على حرية الاعتقاد وحرية الاختيار العقلي والفطري والمنطقي والوجداني، قال تعالى: ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ [هود:28].

وقد حققت دعوة نوح (عليه السلام) الأهداف الأساسية للحياة الإنسانية من أبرزها:

- العبادة لله: قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [ الذاريات56].

- خلافة الله في الأرض: قال تعالى: ﴿ فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ [يونس73].

- عمارة الأرض: ﴿ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ [هود:61]، طلب عمارتكم لها.

لقد استطاع نوح عليه السلام أن يؤسس للحضارة الإنسانية الثانية بين الروائع المادية المقيدة بالفترة الزمانية التي عاش فيها، وبين المعاني الإيمانية والروحية والأخلاقية التي كانت هي الدوافع الحقيقية من وراء الإبداع الحضاري في مسيرة البشرية في روعة الإيمان والأخلاق والربانية.

هذا وقد انتهيت من هذا الكتاب يوم السبت في 17 ذو القعدة 1440ه/ الموافق لــــ 20 يوليو 2019م في الساعة الثانية وعشرة دقائق ظهراً في مدينة استانبول، والفضل لله من قبل ومن بعد، وأسأله سبحانه وتعالى أن يتقبل هذا العمل قبولاً حسناً، وأن يكرمنا برفقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.

والحمد لله رب العالمين

 

نوح (عليه السلام) والطوفان العظيم: ميلاد الحضارة الإنسانية الثانية، رابط الكتاب:

http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/624


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022