الجمعة

1446-06-26

|

2024-12-27

عبادة الملائكة

الحلقة: الثانية عشر

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

شوال 1441 ه/ يونيو 2020

أولا:ً ولاءُ الملائكةِ للمؤمنين.
1 ـ فمن ذلك استغفارُ الملائكةِ ودعاؤهم للمؤمنين قال تعالى {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ *رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَّهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ *} غافر: 7-9.
2 ـ وتقوم بتبشير المؤمنينَ بالجنّةِ في الدنيا عند موتهم والسلام عليهم في الاخرة عند دخولهم الجنة.
فأمّا في الدنيا فكما قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ *} فصلت: 30.فيخبر الله تعالى بأنّ الملائكة تنزلُ على المؤمنين الصادقين عند الموت تقول لا تخافوا مما تُقدموا عليه من أمرِ الاخرة ولا تحزنوا على ما خلّفتموه من أمر الدنيا من ولدٍ وأهلٍ ومالٍ أو دَيْنٍ فإنا نخلفكم فيه كما يبشِّرونهم بالجنة التي وعدوا بها.
وأما في الاخرة فكما قال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ *} الزمر: 73.
3 ـ ومن مظاهر ولاء الملائكة لأهل طاعة الله تعالى نصرتُهم وتأييدُهم للمؤمنين في القتال وقد حدثَ ذلك في بعضِ غزوات النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلاَئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ *} الانفال: 12.
ثانيا: براءةُ الملائكةِ من أهلِ الكبائرِ والمعاصي وبغضهمُ لأئمةِ الكفر:
وأمّا عن براءتهم من أهل الكبائر والمعاصي فيظهرُ ذلك كثيراً في آيات القران الكريم والأحاديث الشريفة وأوّل هؤلاء هم أهل الكفر والشرك لأنّه أكبر الكبائر قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ *} البقرة: 161. ففرعون عليه لعنة الله لمّا تجرَّأ على مقام الألوهية واستكبر على مقام العبودية وقال أنا ربكم الأعلى كان جبريلُ عليه السلام يسارِعُ في إهلاكه وهو يغرقُ حتّى لا تدركه رحمة الله تعالى حيث قال امنتُ بالذي امنتْ به بنو إسرائيل فظنَّ جبريل عليه السلام أنّ هذا سينفعُه فكان يسارعُ في إدخال حمأ البحر إلى فم فرعونَ ليعجّل بهلاكه وذلك لأنّ فرعونَ قد تجّرأَ على الله ففي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه أنّ جبريلَ عليه السلام قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم «لو رأيتَني وأنا اخذُ مِنْ حمأَ البحرِ فأدسُّه في فرعون مخافةَ أَنْ تدرِكَه الرحمةُ».
وكذا موقفهم عليهم السلام مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم لمّا أرادَ أبو جهل أن يقتربَ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم كي يقتلَه فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال أبو جهلٍ هل يغفّرُ محمَّدٌ وجهه بين أظهركم؟ فقيل نعم، فقال واللاتِ والعُزّى لئن رأيتُه يفعلُ ذلك لأطأنَّ على رقبته، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلّي زعمَ ليطأ على رقبته فما فاجأهم مِنْهُ إلا وهو يركضُ على عقبيه، ويتّقي بيديه، وقيل له مالك؟ فقال إنّ بيني وبينه لخندقاً من نارٍ، وهولاً وأجنحةً، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو دنا مني لاختطفته الملائكةُ عضواً عضواً».
ثالثا:ً الملائكة يقومون بامتهان الكفار وذلك بضرب وجوههم وأدبارهم عند موتهم:
قال تعالى {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ *} الانفال: 50.
رابعا: الملائكة يتحدّثون إلى عصاة المسلمين وإلى الكفار:
قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ} النساء: 97.
وقال تعالى {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ *} الزمر: 71.
وقال تعالى {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ *} الملك: 8-9.
خامساً: خوفهم من الله له وخشيتهم له:
وعن وجلهم وخوفهم من الله تعالى يقول عز وجل عنهم: {ولله يسجُدُ ما في السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَآبَّةٍ وَالْمَلاَئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ *} النحل: 49-50.
وفي «معجم الطبراني الأوسط» بإسنادٍ حسنٍ عن جابرٍ رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «مررتُ ليلةَ أسريَ بي بالملأ الأعلى وجبريلُ كالحِلْسِ البالي مِنْ خشيةِ الله تعالى».
سادسا: حضورهم مجالس الذكر وخطبة يوم الجمعة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن للهِ تبارك وتعالى ملائكةٌ سيارةٌ يتبعون مجالسَ الذكر فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكرٌ قعدوا معهم وحَفَّ بعضُهم بعضاً بأجنحتهم حتى يملأوا ما بينهم وبين السماء الدنيا فإذا تفّرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء قال فيسألهم الله عزّ وجلّ وهو أعلمُ بهم من أين جئتم؟ فيقولون جئنا من عندِ عبادٍ لك في الأرضِ يسبّحونك ويكبّرونك ويهللونك ويَحْمدونك ويسألونك قال وماذا يسألونني؟ قالوا يسألونك جنّتكَ قال وهل رأَوْا جنّتي قالوا لا ياربِّ فقال فكيفَ لو رأَوْا جنّتي؟ قالوا يستجيرونك؟ قال ومِمَّ يستجيرونني؟ قالوا مِنْ نارِكَ يا ربِّ قال وهل رأوا ناري؟ قالوا لا قال فكيفَ لو رأَوْا ناري؟ قالوا يستغفرونك قال فيقول قد غفرتُ لهم فأعطيتُهم ما سألوا وأجرتهم مما استجاروا قال فيقولون ربِّ فيهم فلانٌ عبدٌ خطّاءٌ إنّما مرَّ فجلسَ معهم قال فيقول وَلَهُ غفرتُ همُ القومُ لا يشقى بهم جليسُهم».
وقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «إذا كانَ يومُ الجمعةِ كان على كلِّ بابٍ من أبوابِ المسجدِ ملائكةٌ يكتبون الأوّلَ فالأوّلَ فإذا جلسَ الإمامُ طووا الصحفَ وجاءوا يستمعون الذكر».
سابعا: حضورهم الصلوات في المساجد وقولُهم ما يقولُ المأموم:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يتعاقبونَ فيكم ملائكةٌ بالليلِ وملائكةٌ بالنهارِ ويجتمعون في صلاةِ الفجرِ وصلاةِ العصرِ، ثم يعرجُ الذين باتوا فيكم، فيسألُهم ربُّهم ـ وهو أعلمُ بهم ـ كيف تركتُم عبادي؟ فيقولون تركناهم وَهُمْ يصلّون، وأتيناهم وهم يصلون».
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أمَّن الإمامُ فأَمِّنوا فإنّه مَنْ وافقَ تأمينُه تأمينَ الملائكةِ غُفِرَ له ما تقدّم من ذنبه» قال ابنُ شهابٍ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «امين».
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قالَ الإمامُ سمعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه فقولوا اللهمَّ ربّنا لكَ الحمدُ فإنَّه مَنْ وافقَ قولُه قولَ الملائكةِ غُفِرَ له ما تقدّم من ذنبه».
ثامنا: صلاة الملائكة:
الصلاةُ من الملائكةِ منها ما هي متعلّقةٌ بالأذكار وهي بمعنى الدعاءِ كصلاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا *} الأحزاب: 56. وكصلاتهم علينا بمعنى الدعاء للناس والاستغفار لهم.
ومنها صلاةٌ خاصّةُ بهم عند البيت المعمور كما ورد ذلك في حديثِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حيثُ قال «فَرُفعَ ليَ البيتُ المعمورُ فسألتُ جبريلَ فقال هذا البيتُ المعمورُ يصلِّي فيه كلَّ يومٍ سبعون ألفَ مَلَكٍ إذا خرجوا لم يعودوا اخر ما عليهم».وعباداتُ الملائكةِ كثيرةٌ لعلّنا لم نعرفْ منها إلا القليل وقد وردَ في النصوصِ
أنَّ للملائكة عباداتٌ تشبه بعض أجزاء صلاتنا المشروعة لنا ومن هيئاتِ هذه العبادات.
1 ـ القيام والاصطفاف:
قال تعالى {ومَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ *وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّآفُّونَ *} الصافات: 164 ـ 165.
وعن حُذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فُضِّلْنا على الناسِ بثلاثٍ جُعِلَتْ صفوفنا كصفوفِ الملائكةِ وجُعِلَتْ لنا الأرضُ مسجداً وطهوراً وجُعِلَتْ تربتُنا لنا طهوراً إذا لم نجدْ الماءَ» وذكر خصلةً أخرى.
2 ـ الركوع والسجود:
قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ *} الأعراف: 206.
وقد جاء في السنة كذلك وصفُ الملائكةِ بالركوع والسجود فمن ذلك حديثُ أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أَطَّتِ السماءُ وحُقَّ لها أَنْ تَئِطَّ ما فيها موضعُ أربعِ أصابعَ إلاّ ومَلَكٌ واضعٌ جبهته ساجداً لله واللهِ لو تعلمونَ ما أعلمُ لضحكتُم قليلاً ولبكيتُم كثيراً».
تاسعا: سلام الملائكة:
دّلتِ النصوصُ على تسليمِ الملائكةِ على بني ادم ومن ذلك تسليمُهم على المؤمنينَ في سكراتِ الموتِ كما قال تعالى {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلاَمٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ *} النحل: 32. أخبر تعالى عن حال المؤمنين عند الاحتضارِ أنّهم طيبون أي مُخْلَصُون من الشركِ والدنسِ وكلِّ سوءٍ وأنَّ الملائكةَ تسلِّم عليهم وتبشّرُهم بالجنة.
والملائكة كذلك تسلِّم على أهلِ الجنةِ بعد فتح أبوابها.
قال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ} {أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ *} [الزمر: 73[.
والملائكةُ تدخلُ على أهلِ الجنّةِ من كلِّ بابٍ وتسلِّمُ عليهم قال تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ *سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبى الدَّارِ *} الرعد: 23 ـ 24.

يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب :
الإيمان بالملائكة
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/BookC170.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022