من أعمال الملائكة في الكون (٢)
الحلقة: الرابعة عشر
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
شوال 1441 ه/ يونيو 2020
1 ـ حملة العرش:
قال تعالى {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ *} غافر: 7. وقال تعالى {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ *} الحاقة: 17.
ودلّتِ الاياتُ الكريمة على أنَّ الملائكةَ من جملةِ خلقه يحملون عرشه واخرون يكونون حوله وعلى أنّه يوم القيامة يحمله ثمانية إمّا ثمانية أملاك وإمّا ثمانية أصناف وصفوف.
2 ـ الموكلون بالسحاب والمطر:
قال تعالى: {والصافات صَفًّا *فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا *فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا *} الصافات: 1-3. ورد في تفسير هذه الاياتِ الكريماتِ أنَّ هذه الصفاتِ من صفات الملائكة عليهم السلام وأنّ الله أقسم بالملائكة الصافّات بين يديه سبحانه وتعالى وبالملائكة التي تزجُرُ السحابَ وتسوقه إلى حيث أمرها الله وبالملائكة التي تنزل بالقران والكتب من عند الله سبحانه.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال أقبلتْ يهودٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا أبا القاسم أخبرنا عن الرعد ما هو؟ قال: «مَلَكٌ مِنَ الملائكةِ مُوْكَلٌ بالسحابِ معه مخاريقُ من نارٍ يسوقُ بها السحابَ حيثُ شاءَ الله» فقالوا فما هذا الصوتُ الذي يُسْمَعُ؟ قال «زجرُهُ السحابَ إذا زجرَهُ حيثُ ينتهي إلى حيثُ أُمِرَ» قالوا: صدقت الحديث.
وهذا الحديث إنما يفيدُ أنَّ للسحابِ ملائكةٌ يسوقونه وأنَّ هذا الصوتَ الذي يُسْمَع قد يكونُ صوتَ هذه الملائكة وقد يكونُ اصطكاك السحاب ولا يدلُّ والله أعلم على تسميةِ الملك الموكل بالسحاب باسم الرعد وقد صحَّ أنَّ الملك الموكلَ بالقَطْرِ هو ميكائيل عليه السلام ومعه أعوانٌ يعملون ما يأمرهم به.
قال ابن كثير ميكائيلُ مُوَكَّلٌ بالقطر والنبات اللذين يخلق الله منهما الأرزاق في هذه الدار وله أعوان يفعلون ما يأمرهم به بأمر ربه يصرّفون الرياحَ والسحابَ كما يشاء الربُّ جل وعلا، وحديثُ ميكائيل وأنّه موكلٌ بالسحابِ أقوى من حديث ابن عباس في تسمية الموكل بالسحاب رعداً، فقد احتجَّ ابنُ كثيرٍ على إثبات عمل ميكائيل عليه السلام بحديث ابن عباس رضي الله عنهما وفيه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سأل جبريلَ عليه السلام على أي شيءٍ ميكائيلُ فقال على النباتِ والقطرِ فميكائيلُ عليه السلام هو الموكل بذلك والله أعلم ومعه أعوانٌ من الملائكة ينفّذون أمره.
ومن أعجبِ ما يُروى في ذلك حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال «بينا رجلٌ بفلاةٍ من الأرضِ فسمعَ صوتاً في سحابةٍ اسقِ حديقةَ فلانٍ فتنحّى ذلك السحابُ فأفرغَ ماءَه في حَرّةٍ فإذا شَرْجَةٌ من تلك الشِراجِ قد استوعبت ذلك الماءَ كلَّه فتتبع الماء فإذا رجلٌ في حديقته يحوّلُ الماءَ بمسحاته فقال له يا عبدَ اللهِ ما اسمك؟ قال فلان ـ للاسم الذي سمعَ في السحابة ـ فقال له يا عبدَ اللهِ لِمَ تسألني عن اسمي؟ فقال إنِّي سمعتُ صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه يقول اسقِ حديقةَ فلانٍ لاسمك فما تصنعُ فيها؟ قال أما إذْ قلتَ هذا فإنِّي أنظرُ إلى ما يخرجُ منها فأتصدَّقُ بثلثه واكلُ أنا وعيالي ثلثاً واردُّ فيها ثلثه»
وفي هذا الحديث إثباتُ الملائكة الموكلين بالسحاب وأنّهم يسوقونه ويأمرونه ويكلمونه وربمّا كان الكلامُ الذي سمعه الرجل كلامَ الملائكة بعضهم لبعضٍ ثم ساقه الملك الموكل بهذه السحابة وفيه فضلُ الصدقةِ عن المساكين والمحتاجين حيث عوّضَ الله المتصدِّقَ وأرسلَ ملائكته يسوقون السحاب ليسقيَ أرضه جزاءً على صدقته وإحسانه إلى الفقير وإلى أهل بيته.
3 ـ ملك الجبال:
تقدّم الحديثُ في صفاتِ الملائكةِ أنَّ الله سبحانه وتعالى أرسلَ ملك الجبال ليطبقَ على أهل مكة الأخشبينِ إذا أمره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وفي هذا دليلٌ على أنَّ للجبالِ ملائكةً موكلون بها وفيه كذلك دليلٌ على ضخامةِ خلقِ هؤلاء الملائكة الموكلين بالجبال فكونُ ملكٍ واحدٍ يستطيعُ أن يُطْبِقَ جبلين على أهلِ مكة يعني أنه من الضخامةِ والقوّةِ بحيث أصبحَ إطباقُ الجبلينِ عندَه أمرٌ هيّنٌ ينفّذه فورَ موافقة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ومن فضلِ اللهِ على هذه الأمة أنْ بعثَ لها نبينا صلى الله عليه وسلم وهو الرحمةُ المهداةُ، وقد ذكر الله ذلك في قوله تعالى {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ} {أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ *}[التوبة: 128[.
4 ـ الملائكة الحافون بمكة والمدينة:
عن أنس رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال «ليس من بلدٍ إلاّ سيطؤه الدجّالُ إلا مكة والمدينة ليس له من نقابها نَقْبٌ إلاّ عليه الملائكة صافّين يحرسونها ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاثَ رجفاتٍ فيخرِجُ الله وكل كافرٍ ومنافقٍ»
وفي حديث تميم الداري رضي الله عنه وهو حديثُ الجسّاسة المشهور قال «إنني أنا المسيحُ وأنا أوشِكُ أن يأذنَ لي في الخروج فأخرجُ فأسيرُ في الأرض فلا أدعُ قريةً إلا هبطتها في أربعينَ ليلةً غير مكة وطيبة فهما محرّمتان عليّ كلتاهما كلّما أردتُ أن أدخلَ واحدةً أو واحدةً منها ـ استقبلني مَلَكُ بيده السيفُ صلتاً يصدُّني عنها وإنّ على كُلِّ نقْبٍ منها ملائكةٌ يحرسونها».
5 ـ الملائكة الموكلون بالشام:
الشامُ بلاد مباركة كما قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ *} فإلى مسجدِها الأقصى أُسريَ بالنبي صلى الله عليه وسلم فاجتمعَ بالأنبياء عليهم السلام وأمّهم ومنه عرج مع جبريل إلى السماء وقِصّةُ الإسراء والمعراج معروفة والقصد التنبيه على فضل المكان.
ممّا يدل على فضلها أنّ مسجدَها أحد المساجد الثلاثة التي تُشَدُّ إليها الرحال كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لا تُشَدُّ الرحالُ إلاّ إلى ثلاثةِ مساجدَ المسجدِ الحرام والمسجدِ الأقصى ومسجدي هذا».
وممّا يدل على فضل الشام أنَّ الملائكةَ باسطةٌ أجنحتها عليه كما جاء ذلك في حديثِ زيدِ بنِ ثابتٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «طوبى للشامِ إنَّ ملائكةَ الرحمنِ باسطةٌ أجنحتَها عليه».
يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب :
الإيمان بالملائكة
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/BookC170.pdf