من أسباب هلاك قوم هود عليه السلام .. التكذيب بالبعث والنشور
بقلم: د. علي محمد الصلابي
عدم الإيمان بالبعث والنشور من أسباب هلاك الأمم، وزوالها، ونزول عقاب الله بها، لأنّ ذلك يجعلهم يرتكبون المعاصي والذنوب، والفواحش، والكبائر، ويقعون في العناد والظلم والجحود، والاستكبار.
فالإيمان بالبعث بعد الموت، وما يعقبه من الحساب بعد من مسائل الأصول التي نازع فيها المكذّبون رسلهم، فقد استبعدوا وأحالوا أن يُحيي الله الأموات بعد تحلّلها ومصيرها تراباً وعظاماً، وترتّب على استبعادهم للبعث والنشور إنكارهم لما بعده من الحساب والجزاء، والنعيم والعذاب.
والإيمان بهذه الأمور من أعظم البواعث على امتثال أوامر الله سبحانه وتعالى، واجتناب نواهيه، ولهذا نجد هود (عليه السلام) بعدما استهلّ دعوته بالتوحيد وإفراد العبادة لله (عزّ وجلّ)، ونهى عن الشرك، خوّفه قومه من عذاب يوم عظيم، قال تعالى: ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الشعراء: 135].
وقال تعالى: ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الأحقاف: 21].
واليوم المذكور في الآيات السابقة يحتمل أن يكون يوم نزول العذاب المستأصل في الدنيا، ويحتمل أن يكون القيامة، ولا مانع من حمله على الاثنين ليكون التخويف من عذاب الدنيا بالهلاك، ومن عذاب الآخرة بالنار، والله أعلم (1).
وقد ورد في القرآن الكريم تذكير بعض الرسل قومهم بالبعث والنشور ليوم الحساب بأسلوب لا احتمال فيه، ومن ذلك ما ورد على لسان نوح (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ١٧ ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا ١٨﴾ [نوح: 17-18].
- ومنه قوله تعالى: ﴿وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [العنكبوت: 36].
وقد ورد تكذيب قوم عاد بالبعث في موضع ذُكروا فيه مع ثمود وهو قوله: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ﴾ [الحاقة: 4].
والقارعة: اسم من أسماء يوم القيامة (1).
وفي قوله تعالى: ﴿قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ ١٣٦ إِنْ هَٰذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ ١٣٧ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ١٣٨﴾ [الشعراء: 136-138]؛ أي: هذا الذي نحن عليه هو عادة الأوّلين قبلنا ودأبهم، وكانوا يموتون ولا يُبعثون ولا يحاسبون (2).
وفي سورة المؤمنون جاء تكذيب قوم عاد للبعث في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ٣١ فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ أَفَلَا تَتَّقُونَ ٣٢ وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ٣٣ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ ٣٤ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ ٣٥ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ ٣٦ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ٣٧ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ ٣٨﴾ [المؤمنون: 31-38].
والآيات الكريمة تتحدّث عن عاد قوم هود لأنّهم الذين أتوا بعد قوم نوح (عليه السلام)، ويدلّ على ذلك قوله لقومه: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ﴾ [الأعراف: 69].
وكذلك ورود قصّتهم عقب قصّة قوم نوح في سورة الأعراف، وهود، والشعراء، والقمر (3).
وهذا الموضع في سورة المؤمنون أكثر تفصيلاً من غيره فيما يتعلّق بذكر مجادلة المكذّبين بالبعث من الأمم الهالكة (4).
إنّ عدم الإيمان بالبعث والحساب والجزاء كان دافعاً للمستكبرين، والظالمين، والمجرمين، للوقوع في أنواع المعاصي والذنوب ممّا ساهم في نزول غضب الله وسخطه على قوم عاد.
المصادر والمراجع:
1. أسباب هلاك الأمم السالفة، سعيد سيلا، ص 301-304.
2. المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ابن عطية الاندلسي، (4/239)، تفسير السمرقندي، (2/479).
3. أسباب هلاك الأمم السالفة، سعيد سيلا، ص305-306.
4. المصدر السابق، ص306.
5. هود عليه السلام وأسباب زوال حضارة قوم عاد، علي محمد الصلابي، دار ابن كثير.