الخميس

1446-06-25

|

2024-12-26

الإيمان باليوم الآخر:
(الحور العين)
الحلقة: الثامنة والخمسون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
صفر 1442 ه/ سبتمبر 2020


1 ـ جمال وحسن الحور العين:
شبه الله تعالى الحور العين بثلاث تشبيهات :
1 ـ قال تعالى: ﴿وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ *كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ *﴾ [الصافات: 48 ـ 49] قيل إنّه بَيْضُ النعام المكنون في الرمل، وهو عند العرب أحسنُ ألوانِ البياض، وقيل: المراد بها اللؤلؤ قبل أن يبرز من صدفه .
2 ـ وقال تعالى: ﴿وَحُورٌ عِينٌ *كَأَمْثَالِ اللَّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ *﴾ [الواقعة: 22¬ 23] المكنون: أي المخبأ، الذي لم يغيّر صفاءَ لونه ضوءُ الشمس ولا عبثُ الأيدي، ولم تؤثّر على لونه، فاللؤلؤ المكنون هو اللؤلؤ المصون الذي لم يخرج من صَدَفه، وهو في هـذه الحال في غاية ما يكونُ من الحسن والجمال، فشبّه اللهُ تعالى الحورَ العين باللؤلؤ المكنون لحسنهنّ وبهائهنّ، ونظافتهنّ، وحُسْن منظرهنّ، وملبسهنّ، وبياض الحور العين غايةٌ في البياضِ، حتّى إنَّ إحداهنَّ لو خرجتْ إلى الدُّنيا لملأَ نورُها أرجاءَ المعمورة، قال رسول الله(ﷺ): « ولو أنَّ امرأةً مِنْ أهلِ الجنّةِ اطّلعتْ على أهلِ الأرضِ لأضاءتْ ما بينَهُما، ولملأته ريحاً، وَلَنَصِيْفُها على رأسِهَا خيرٌ من الدُّنيا وما فيها. والنَّصِيْفُ هو الخِمَارُ، فإذا كان الخمارُ خيراً من الدنيا وما فيها فما بالُكَ بالتي تَلْبَسُ الخَمَارَ » .
3 ـ وقال تعالى: ﴿كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ *﴾ [الرحمـن: 58] الياقوتُ والمرجانُ حجرانِ كريمانِ جميلانِ، ولهما منظرٌ حسنٌ بديعٌ، فشبههنّ في صفاءِ الياقوتِ وبياضِ المَرْجَانِ .
2 ـ صفاتهن الخُلُقية:
قاصرات الطرف: قال تعالى: ﴿فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ *﴾ [الرحمـن: 56] وقال تعالى: ﴿وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ *كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ *﴾ [الصافات: 48 ـ 49]، وقال تعالى: ﴿وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ *﴾ [ص: 52] والمفسّرون كلُّهم على أنَّ المعنى قَصَرْنَ طرْفهنَّ على أزواجهنّ، فلا يطمحنَ إلى غيرِهم، قال مجاهد: قَصَرْنَ أبصارهنَّ وقلوبهنّ وأنفسهنّ على أزواجهنّ فلا يردن غيرهم . وقيل: قَصَرْنَ طرفَ أزواجهنّ عليهنَّ، فلا يدعهم حسنهنّ وجمالهنّ أن ينظروا إلى غيرهن .
متحببات: قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً *فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا *عُرُبًا أَتْرَابًا*﴾ [الواقعة: 35 ـ 37] عُرُب: جمع عَروبة أو عَرِبة أو عروب، وهي المرأةُ الحسناءُ المتوددة المتحببة لزوجها، العاشقة له.
جميعُ الأخلاق الحسنة الطاهرة: قال تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ *﴾ [البقرة: 25] طهّر باطنَها من الأخلاق السيئة والصفات المذمومة، وطهّرَ لسانها من الفُحْشِ والبَذَاءِ، وطهر طرفها من أن تطمع لغير زوجها، وطهرت أثوابها من أن يعرضَ لها دنس أو وسخ.
3 ـ صفاتهن الخلْقِيَّة:
أ ـ مطهرات من الأنجاس:
قال تعالى: ﴿وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ *﴾ [البقرة: 25] أي مِنَ الحيض، والنفاس، والبول، والغائط، والبصاق، والمخاط، والنخامة، والمني، والمذي، والحدث، وكل قذر وأذى يكون في نساء الدنيا، بل حتّى إذا وطئها زوجُها رجعتْ بعد نزعه طاهرةً مطهرةً، وقال رسول الله (ﷺ) أنه سئل: أنطأُ في الجنّةِ ؟ قال: « نعم والذي نفسِي بيدِه دحماً دحماً، فإذا قامَ عنها رجعتْ مطهّرةً بكراً » .
ب ـ حور عين:
قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ *﴾ [الدخان: 54] . الحُوْرُ جمع حوراء، وهي المرأةُ الشابّةُ الحسنةُ الجميلةُ، نقية اللون والجلد لبياضها. وهـذا اللفظُ مشتقٌّ من الحَور، والحور أن يشتدَّ بياضُ العين، ويشتدَّ سوادُ سوادِها، وتستديرُ حدقتُها، وترقُّ جفونها مع شدّة بياضِ الجسدِ، ولا تكونُ السمراءُ حَوْراء، قال الأزهريُّ: لا تسمَّى حوراءَ حتى تكونَ مع حَوَرِ عينيها بيضاء لون الجسد، وقيل: إنّ لفظَ الحَوْراء مشتقُّ من الحيرة، لأنَّ الناظرَ إليها يحارُ من شدّة جمالها، قال مجاهد: الحور التي يحارُ الطرفُ فيها، وقال تعالى: ﴿وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ *﴾ [الصافات: 48] وعِيْنٌ: جمع عيناء، وهي الواسعةُ العَيْنِ، وجمعت أعيُنهنَّ مع السعة صفاتِ الحسن والملاحة.
ج ـ أتراب في السن:
قال تعالى: ﴿وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ *﴾ [ص: 52] وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً *فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا *عُرُبًا أَتْرَابًا *﴾ [الواقعة: 35 ـ 37] أترابٌ: أي أقران، أسنانهن واحدة، مستويات على سن واحدة، وميلاد واحد من الشباب والحسن، والمعنى من الإخبار باستواء أسنانهنَّ أنهنّ ليس فيهن عجائز قد فات حسنهنّ، ولا ولائد لا يطقنَ الوطء .
د ـ أبكار: كما قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً *فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا *﴾ [الواقعة: 35 ـ 36] والبكر أفضل من الثيب، فالأرضُ التي لم يُرعَ فيها خيرٌ من أرضٍ قد رُعِيَ فيها، وهـذه البكارةُ تعودُ كلّما قام عنها زوجُها، عن أبي هريرة عن رسول الله (ﷺ) أنه سئل: أنطأ في الجنة ؟ قال: « نعم والذي نفسِي بيدِه دحماً دحماً، فإذا قامَ عنها رجعتْ مطهّرةً بكراً » .
هـ كواعب: قال تعالى: ﴿وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا *﴾ [النبأ: 33] كواعبُ: جمع كاعب، الكاعِبُ هي المرأة التي تكعّب ثديها، أي نَهَدَ واستدارَ[(911)]، والمراد أنَّ ثُديهنَّ نواهِدُ كالرمان، ليست متدليةً إلى أسفل، ويسمينَ: نواهدَ وكواعبَ.
وحسبك شهادةً لجمالهنَّ الباهرَ، وأنّه بلغَ الغايةَ في الحسن، والمنتهى في الجمال ؛ إنّ الله تعالى شهد بهـذا فقال: ﴿فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ *﴾ [الرحمـن: 70] وحِسَانٌ جمع حسناء.
4 ـ غيرة الحور العين:
قال رسول الله (ﷺ): «لا تُؤْذِي امرأةٌ زوجَها في الدنيا، إلاّ قالتْ زوجتُه مِنَ الحُوْرِ العِيْنِ: لا تؤذيه قاتَلَكِ اللهُ، فإنَّما هُوَ دخيلٌ عندَكِ، يوشِكُ أنْ يفارِقَكِ إلينا».
5 ـ يُعْطَى المؤمن في الجنة قوة مائة رجل:
عن زيد بن أرقم قال: أتى النبيَّ (ﷺ) رجلٌ من اليهود فقال: يا أبا القاسم ؛ ألستَ تزعمُ أنَّ أهلَ الجنةِ يأكلونَ فها ويشربونَ ـ وقال لأصحابه: إنْ أقرّ لي بهـذه خصمته ـ قال: فقال رسول الله (ﷺ): « بلى والذي نفسِي بيدِهِ إنَّ أحدَهُم ليُعْطَى قوةَ مئةِ رَجُلٍ في المَطْعَمِ والمَشْرَبِ والشَّهْوَةِ والجِمَاعِ » .
وقال: فقال له: اليهودي: فإنّ الذي يأكلُ ويشربُ تكونُ له الحاجةُ .
قال: فقال رسولُ اللهِ (ﷺ): « حاجةُ أحدِهم عَرَقٌ يفيْضُ مِنْ جلودِهِم مثل ريْحِ المسكِ فإذا البطنُ قد ضَمَر » .
والتمتع بالحور العين يكونُ بالملامسة، والحديثُ معهنَّ وسماعُ غنائهن، والتلذذ بجمالهن، والتمتع بشم رائحتهن الزكية .
فالملامسة: وما يصاحبها من مقدماتٍ وضمٍّ وتقبيلٍ، وهـذا لازمُ الملامسةِ قال تعالى: ﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ *هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ *﴾ [يـس: 55 ـ 56]، قال ابنُ مسعود وابنُ عباس وقتادةُ ومجاهدُ وغيرهم: شُغْلُهم افتضاضُ الأبكارِ .
الحديث معهن: ومن معاني قوله تعالى: أي مشغولٌ ﴿فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ *﴾، وكلامها، ومسامرتها، وممازحتها، ومذهول من طيب كلامها ، ومشغول بها عن الالتفاتِ لغيرها، قال القرطبي: قوله: ﴿فَاكِهُونَ*﴾: الفاكهةُ المزاحُ والكلامُ الطيب، والمتفكه: المتنعم.
سماع غنائهن: قال تعالى: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ *﴾ [الزخرف: 70] الحبرة اللذة وسماع الغناء.
التلذذ بجمالهن: إنّ من صفاتِ الحور العين أنهنّ ﴿قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ *﴾ [الصافات: 48] ومن معانيه أنهنّ قُصِرَتْ أعينُ أزواجهنَّ عليهنَّ مِنْ شدّةِ جمالهن، فلا يطمعُ بغيرِها، ولا يلتفتُ عنها، ولا يبتغي سواها، قد شغفتْهُ حُبّاً، وامتلأ قلبه من حبِّها، واكتنزَ وفاضَ حتى غمر جوارحَه، فلا ينظر لسواها، وهـذا من النعيم الكامل، واللّذة التامة، حتى العين لها نصيبٌ وافر من النعيم واللذة، وهـذا مصداق قوله تعالى: ﴿يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ*﴾ [الزخرف: 71] .
التمتع بشم رائحتهن الزكية: لاشكَّ أنَّ الرائحةَ الطيبةَ في المرأة يزيدُها حباً لزوجها، وهو من كمالِ اللذّة، والاستمتاع بهنّ، والحورُ العينُ لهنّ من ذلك أوفرُ نصيبٍ، حيثُ إنَّ عبقَ طِيْبها لو خرجَ إلى الأرض لملأها مِسْكاً، قال رسول الله (ﷺ): « لروحةٌ في سبيلِ اللهِ أو غدوةٌ خيرٌ من الدنيا وما فيها، ولقابُ قوسِ أحدِكم من الجنّةِ أو موضع قيد ـ يعني سوطه ـ خيرٌ من الدنيا وما فيها، ولو أنَّ امرأةً من أهلِ الجنّةِ اطّلعتْ إلى أهلِ الأرضِ لأضاءتْ ما بينها ولملأته ريحاً، ولنَصِيْفُها على رأسِهَا خيرٌ من الدُّنيا وما فيها» .
إذن يكونُ التمتّعُ بهنّ بالحواسّ الخمس جميعاً، وهـذا من أعظم النعيم، حيث يفيضُ التمتّع على جميع أجزاءِ جسدِه، ويغمر كلَّ ذرّةٍ في جسمه.

يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب:
الإيمان باليوم الآخر
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/Book173.pdf

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022