الأحد

1446-06-21

|

2024-12-22

أولاً: اسمه، ونسبه، وكنيته:

هو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرَّة بن كعب بن لؤي ابن غالب القرشيُّ التيميُّ، ويلتقي مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في النَّسب في الجدِّ السَّادس مرَّة بن كعب، ويكنى بأبي بكر، وهي من البكر، وهو الفَتيُّ من الإِبل، والجمع بكارة، وأبكر، وقد سمَّتِ العرب بكراً، وهو أبو قبيلة عظيمة، ولُقِّب أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ بألقابٍ عديدة، كلُّها تدلُّ على سموِّ المكانة، وعلوِّ المنزلةِ وشرف الحسبِ، منها:

 

ثانياً: لماذا لقب بالصديق؟

لقَّبه به النَّبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ففي حديث أنسٍ ـ رضي الله عنه ـ أنَّه قال: إنَّ النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ صعد أحداً، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم، فقال: «اثبت أحد، فإنَّما عليك نبيٌّ، وصدِّيقٌ، وشهيدان».

وقد لُقِّب بالصِّدِّيق لكثرة تصديقه للنبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وفي هذا تروي أُمُّ المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ فتقول: لمّا أُسري بالنبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المسجد الأقصى، أصبح يتحدَّثُ النَّاسُ بذلك، فارتدَّ ناسٌ، كانوا آمنوا به، وصدَّقوه، وسعى رجالٌ إلى أبي بكرٍ، فقالوا: هل لك إلى صاحبك؟ يزعم أن أُسري به اللَّيلة إلى بيت المقدس! قال: وقد قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن قال ذلك؛ فقد صدق. قالوا: أو تصدِّقه: أنَّه ذهب الليلة إلى بيت المقدس، وجاء قبل أن يصبح؟! قال: نعم، إنِّي لأصدِّقه فيما هو أبعد من ذلك، أُصدِّقه بخبر السَّماء في غدوة، أو روحة، فلذلك سمِّي أبا بكرٍ: الصِّدِّيق.

 

ثالثاً: مولده:

لم يختلف العلماء في أنَّه ولد بعد عام الفيل، وإنَّما اختلفوا في المدَّة التي كانت بعد عام الفيل، فبعضهم قال: بثلاث سنين، وبعضهم ذكر بأنَّه ولد بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر، وآخرون قالوا: بسنتين وأشهر، ولم يحدِّدوا عدد الأشهر، وقد نشأ نشأةً كريمةً طيِّبةً في حضن أبوين لهما الكرامة، والعزُّ في قومهما، ممّا جعل أبا بكر ينشأ كريمَ النَّفْس، عزيز المكانة في قومه.

 

رابعاً: أسرته:

أمَّا والده، فهو عثمان بن عامر بن عمرو، يكنى أبا قحافة، أسلم يوم الفتح، وأقبل به الصِّدِّيق على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقال: «يا أبا بكر! هلاَّ تركته؛ حتى نأتيه». فقال أبو بكر: هو أولى أن يأتيك يا رسول الله! فأسلم أبو قحافة وبايع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ويروى: أنَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هنَّأ أبا بكرٍ بإسلام أبيه، وقال لأبي بكرٍ: «غيِّروا هذا من شعره». فقد كان رأس أبي قحافة مثل الثَّغامة.

وفي هذا الخبر منهجٌ نبويٌّ كريمٌ سَنَّهُ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ في توقير كبار السِّنِّ، واحترامهم، ويؤكِّد ذلك قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «ليس منّا من لم يوقِّر كبيرنا ويرحمْ صغيرنا».

وأمَّا والدة الصدِّيق، فهي سلمى بنت صخر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم، وكنيتها أمُّ الخير أسلمت مبكِّراً، وسيأتي تفصيل ذلك في واقعة إلحاح أبي بكر على النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الظُّهور بمكَّة.

وأمَّا زوجاته؛ فقد تزوَّج ـ رضي الله عنه ـ من أربع نسوةٍ، أنجبن له ثلاثة ذكورٍ، وثلاث إناثٍ، وهنَّ على التَّوالي:

1ـ قتيلة بنت عبد العُزَّى بن أسعد بن جابر بن مالك.

2ـ أم رومان بنت عامر بن عومر.

3ـ أسماء بنت عُمَيْس بن معبد بن الحارث.

4ـ حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير.

 

وأمّا أولاد أبي بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ فهم:

1ـ عبد الرحمن بن أبي بكر.

2ـ عبد الله بن أبي بكر.

3ـ محمَّد بن أبي بكر.

4ـ أسماء بنت أبي بكر.

5ـ عائشة أمُّ المؤمنين رضي الله عنها.

6ـ أم كلثوم بنت أبي بكرٍ.

وليس من الصَّحابة من أسلم أبوه، وأُمُّه وأولاده، وأدركوا النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وأدركه أيضاً بنو أولاده: إلاّ أبو بكرٍ من جهة الرِّجال والنِّساء ـ وقد بينت ذلك ـ فكلهم آمنوا بالنبيِّ، وصحبوه، فهذا بيت الصِّدِّيق، فأهله أهل إيمان، ليس فيهم منافقٌ، ولا يعرف في الصَّحابة مثل هذا لغير بيت أبي بكرٍ رضي الله عنهم.

وكان يقال: للإيمان بيوتٌ، وللنِّفاق بيوت، فبيت أبي بكر من بيوت الإيمان من المهاجرين، وبيت بني النَّجار من بيوت الإيمان من الأنصار.

خامساً: إسلامه:

كان إسلام أبي بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ وليد رحلةٍ إيمانيَّةٍ طويلةٍ في البحث عن الدِّين الحقِّ؛ الذي ينسجم مع الفطر السليمة، ويلبي رغباتها، ويتفق مع العقول الراجحة، والبصائر النَّافذة، فقد كان بحكم عمله التِّجاري كثير الأسفار، قطعَ الفيافي، والصحارى، والمدن، والقرى في الجزيرة العربيَّة، وتنقَّل من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، واتَّصل اتصالاً وثيقاً بأصحاب الدِّيانات المختلفة وبخاصة النَّصرانية، وكان كثير الإنصات لكلمات النَّفر الذين حملوا راية التَّوحيد، راية البحث عن الدِّين القويم، فقد حدَّث عن نفسه، فقال: كنتُ جالساً بفناء الكعبة، وكان زيد بن عمرو بن نُفيل قاعداً، فمرَّ ابن أبي الصَّلْتِ، فقال: كيف أصبحتَ يا باغي الخير؟ قال: بخير، قال: وهل وجدتَ ؟ قال: لا، فقال:

 

كلُّ دينٍ يوم القيامةِ إلا         ما مضى في الحنفية بُورُ

أما إنَّ هذا النبيَّ الذي ينتظر منّا، أو منكم، قال: ولم أكن سمعتُ قبل ذلك بنبيٍّ يُنتظر، ويُبعث، قال: فخرجتُ أريد ورقة بن نوفل ـ وكان كثيرَ النَّظَر إلى السَّماء، كثير همهمة الصَّدر ـ فاستوقفته، ثمَّ قصصتُ عليه الحديث، فقال: نعم يأبن أخي! إنّا أهل الكتب والعلوم، ألا إنَّ هذا النبيَّ الذي يُنتظر من أوسط العرب نسباً ـ ولي علمٌ بالنَّسب. ـ وقومك أوسط العرب نسباً. قلتُ: يا عمّ! وما يقول النبيُّ؟ قال: يقول ما قيل له، إلا أنَّه لا يظلم، ولا يُظلم، ولا يُظالم، فلمّا بُعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ آمنت به، وصدَّقته.

لقد عايش أبو بكر هذه الفترة ببصيرةٍ نافذة، وعقلٍ نيِّرٍ، وفكرٍ متألِّقٍ، وذهنٍ وقّادٍ، وذكاءٍ حادٍّ، وتأمُّلٍ رزينٍ ملأ عليه أقطار نفسه، ولذلك حفظ الكثير من هذه الأشعار، ومن تلك الأخبار، فعندما سأل الرَّسولُ الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصحابه يوماً ـ وفيهم أبو بكر الصِّدِّيق ـ قائلاً: «من منكم يحفظ كلام ـ قسِّ بن ساعدة ـ في سوق عكاظ؟». فسكت الصحابة، ونطق الصِّدِّيق قائلاً: إنِّي أحفظها يراسل الله!

كنت حاضراً يومها في سوق عكاظ، ومن فوق جَمَلِه الأَوْرَق وقف قسٌّ يقول: أيُّها الناس! اسمعوا، وَعُوا، وإذا وعيتم، فانتفعوا، إنَّ مَنْ عاشَ مات، ومَنْ ماتَ فات، وكلُّ ما هو آتٍ آت، إنَّ في السماء لخبراً، وإنَّ في الأرض لعبراً، مهادٌ موضوعٌ، وسقفٌ مرفوعٌ، ونجومٌ تمور، وبحارٌ لن تغور، ليلٌ داجٍ، وسماءٌ ذات أبراج!!

يُقسم قسٌّ أنَّ لله ديناً هو أحبُّ إليه من دينكم الذي أنتم عليه. ما لي أرى النَّاس يذهبون، ولا يرجعون، أرضوا بالمقام فأقاموا، أم تركوا فناموا.

لقد كان إسلام الصِّدِّيق بعد بحثٍ، وتنقيبٍ، وانتظارٍ، وقد ساعده على تلبية دعوة الإسلام معرفته العميقة، وصلته القويَّة بالنَّبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الجاهلية، فعندما نزل الوحي على النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وأخذ يدعو الأفراد إلى الله، وقع أوَّل اختياره على الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ فهو صاحبه الذي يعرفه قبل البعثة بدماثة خلقه، وكريم سجاياه، كما يعرف أبو بكرٍ النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بصدقه، وأمانته، وأخلاقه، التي تمنعه من الكذب على الناس، فكيف يكذب على الله؟!

فعندما فاتحه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بدعوة الله وقال له: «.. إني رسول الله ونبيه، بعثني لأبلغ رسالته، وأدعوك إلى الله بالحقِّ، فو الله إنه للحقُّ، أدعوك يا أبا بكر إلى الله وحده لا شريك له، ولا تعبد غيره، والموالاة على طاعته».

فأسلم الصِّدِّيق، ولم يتلعثم، وتقدَّم، ولم يتأخَّر، وعاهد رسول الله على نصرته، فقام بما تعهَّد، ولهذا قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حقِّه: «إن الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه، وماله، فهل أنتم تاركون لي صاحبي؟» مرَّتين، وبذلك كان الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ أوَّل من أسلم من الرِّجال الأحرار.

 

المصادر والمراجع:

1-    أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود - على محمد معوض، دار الكتب العلمية – بيروت،1995، (4/145، 144)، (8/466).

2-    أبو بكرٍ رجل الدَّولة، مجدي حمدي، دار طيبة الرِّياض، الطبعة الأولى 1415هـ.، ص (27-29)

3-       علي الطنطاوي، أبو بكر الصديق، دار المنارة - جدة;، 1986، ص (46).

4-    البخاري، كتاب فضائل أصحاب النبيِّ، باب فضل أبي بكر (5/11).

5-    جلال الدِّين السُّيوطي، تاريخ الخلفاء، تحقيق: إِبراهيم صالح، دار صادر، بيروت، الطَّبعة الأولى 1417هـ 1997م.ص (56).

6-    مهدي رزق الله أحمد، السِّيرة النَّبويَّة في ضوء المصادر الأصليَّة، الطَّبعة الأولى 1412هـ، مركز الملك فيصل للبحوث والدِّراسات الإِسلاميَّة، الرِّياض. ص (577).

7-         الترمذي، كتاب البرِّ، باب (15).

8-    أبو الفداء الحافظ بن كثير الدِّمشقي، البداية والنِّهاية، دار الرَّيَّان، القاهرة، الطَّبعة الأولى 1408هـ 1988م. (6/346).

9-    نسب قريش، أبو عبد الله مصعب بن عبد الله بن مصعب الزُّبيري، دار المعارف القاهرة.، ص (277-278).

10-   سير أعلام النبلاء، محمد بن أحمد بن عثمان الذَّهبي، مؤسسة الرِّسالة، الطَّبعة السَّابعة 1410هـ 1990م. (2/287). 2/139، 145).

11-   محمد رشيد رضا، أبو بكرٍ الصِّدِّيق أول الخلفاء الرَّاشدين، دار الكتب العلميَّة بيروت 1403 ـ 1983م، ص (7).

 

  المصدر : هيئة علماء المسلمين في العراق


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022