الثلاثاء

1446-11-01

|

2025-4-29

(اتخاذ المنابر في المساجد)

اقتباسات من كتاب "فقه الصلاة" للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله)

الحلقة: التاسعة والخمسون

جمادى الآخرة 1444ه/ يناير 2023م

 

المنبر هو الموضع الذي يقوم فيه الإمام لخطبة الجمعة التي هي الموعظة الأسبوعية المفروضة، وهي شرط لصحة صلاة الجمعة، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في أول أمره في مسجده الشريف على جذع نخلة، فلما كثر الناس قالت امرأة من الأنصار: يا رسول الله، ألا أجعل لك شيئًا تقعد عليه، فإن لي غلاما نجارا؟ قال: "إن شئتِ". فعملت المنبر. وفي رواية: ألا أجعل لك منبرا؟.

وعن أبي حازم قال: سألوا سهل بن سعد من أي شيء المنبر؟ فقال: ما بقي بالناس أعلم مني، هو من أثْل الغابة، عمله فلان مولى فلانة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صعد عليه استقبل القبلة، فكبر، ثم قرأ، ثم ركع، ثم نزل القهقرى فسجد، ثم صعد، ثم قرأ، ثم ركع، ثم نزل القهقرى، ثم سجد.

ولفعله صلى الله عليه وسلم أجمع الفقهاء على استحباب اتخاذ المنبر في المسجد الجامع.

وقد وردت أحاديث تدل على أن هذا المنبر كان يتكون من ثلاث درجات أو عتبات، منها حديث جابر ابن عبد الله، قال: لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر جعل له ثلاث عتبات.

وحديث سهل بن سعد قال: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى امرأة - قال أبو حازم: إنه ليسميها يومئذ -: "انظري غلامك النجار، يعمل لي أعوادًا أكلم الناس عليها"، فعمل هذه الثلاث درجات.

ولذلك ذهب بعض المسلمين في عصرنا إلى وجوب الالتزام بذلك، واعتبروا كل منبر يزيد على ثلاث درجات بدعة، وكل بدعة ضلالة، حتى قام بعض الغلاة من الشباب في الجزائر بتحطيم منبر أثري في بعض المساجد القديمة، وأحدثوا فتنة مع أهل الحي.

والحق أن هذه سنة فعلية، لا تدل على أكثر من المشروعية، ولم يأتِ دليل يبيِّن أن هذه الدرجات الثلاث كانت مقصودة، بحيث لا يجوز الزيادة عليها، ويبدو أن هذا كان من صنع النجار الذي صنع المنبر، ولم تصح رواية بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره أن يكون من ثلاث درجات، وحتى لو ثبت ذلك، فهذا بقدر الحاجة في ذلك الوقت، والحاجة تتطور بتطور الإنسان، وتغير الظروف، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الجذع أولًا، فاقتضت الحاجة إلى المنبر، فصُنِع بهذه الكيفية، ولو اقتضت الحاجة تعلية المنبر، فلا مانع من فعلها.

والمسلمون على مر العصور زادوا على الدرجات الثلاث في المنبر، بحسب اتساع مساجدهم، وحاجتهم إلى ارتفاع موضع الخطيب، حتى يراه الناس، ولم ينكر العلماء على الأمراء، وقد كان منبر صلاح الدين الأيوبي في المسجد الأقصى أكثر من ثلاث درجات، وقد صنعه وجمله بما يناسب المسجد الذي تشد الرحال إليه. وكان حوله أفاضل العلماء ولم ينكروا عليه.

ومن عيوب المنبر الكبير: أنه يقطع الصفوف، ولهذا أفضل في عصرنا طريقة أهل الخليج في بناء المنبر في المحراب، فيدخل الخطيب من المحراب ويصعد على المنبر، ويشرف على الناس، دون أن يحتاج إلى قطع الصفوف.

ويسن أن يوضع المنبر على يسار المحراب تلقاء يمين المصلي إذا استقبله، قال النووي وابن قدامة: يُسن أن يوضع المنبر على يمين المحراب كمنبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يكون بين المنبر وجدار القبلة مقدار ممر شاة، وقد قُدِّر بذراع أو ذراعين، فعن يزيد عن سلمة: أنه كان يتحرى موضع المصحف، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى ذلك المكان، وكان بين المنبر والقبلة ممر شاة.

 

هذه الحلقة مقتبسة من كتاب فقه الصلاة للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله) صص130-132


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022