موقف عمر رضي الله عنه من خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أزواجه
بقلم: د. علي محمد الصلابي
الحلقة العاشرة
عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: لم أزل حريصاً على أن أسأل عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ عن المرأتين من أزواج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، اللَّتين قال الله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] حتَّى حجَّ عمر، وحججت معه، فلمَّا كنَّا ببعض الطَّريق؛ عدل عمر، وعدلت معه بالإِداوة، فتبرَّز، ثمَّ أتاني، فسكبت على يديه، فتوضَّأ، فقلت: يا أمير المؤمنين! مَن المرأتان من أزواج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّتان قال الله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} ؟ فقال عمر: واعجباً لك يا بن عباس ! ـ قال الزُّهري: كره، والله ما سأله عنه ولم يكتمه عنه ـ قال: هي حفصة، وعائشة. قال: ثمَّ أخذ يسوق الحديث، قال: كنَّا معشر قريشٍ قوماً نغلب النِّساء، فلمَّا قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلَّمن من نسائهم، قال: وكان منزلي في بني أميَّة بن زيد بالعوالي، قال: فتغضَّبت يوماً على امرأتي، فإِذا هي تراجعني، فأنكرتُ أن تراجعني، فقالت: ما تنكر أن أراجعك، فوالله إِنَّ أزواج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ليراجعنه ! وتهجره إِحداهنَّ اليوم إِلى اللَّيل. قال: فانطلقت، فدخلت على حفصة، فقلت: أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: نعم ! قلت: وتهجره إِحداكنَّ اليوم إِلى اللَّيل؟ قالت: نعم. قلت: قد خاب من فعل ذلك منكنَّ، وخسر، أفتأمن إِحداكنَّ أن يغضب الله عليها لغضب رسوله، فِإذا هي قد هلكت ؟ لا تراجعي رسول الله، ولا تسأليه شيئاً، وسليني ما بدا لك، ولا يغرنَّك أن كانت جارتك هي أوسمَ، وأحبَّ إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك ـ يريد عائشة ـ.
قال: وكان لي جار من الأنصار، وكنا نتناوب النُّزول إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فينزل يوماً، وأنزل يوماً، فيأتيني بخبر الوحي، وغيره، واتيه بمثل ذلك، قال: وكنَّا نتحدَّث: أنَّ غسَّان تنعل الخيل لتغزونا، فنزل صاحبي يوماً، ثمَّ أتاني عشاءً، فضرب بابي، ثمَّ ناداني، فخرجت إِليه، فقال: حدث أمرٌ عظيمٌ، فقلت: وماذا، أجاءتْ غسان ؟ قال: لا، بل أعظم من ذلك، وأطول ! طلَّق الرَّسول نساءه. فقلت: قد خابت حفصة، وخسرت، قد كنت أظنُّ هذا كائناً. حتى إِذا صلَّيتُ الصُّبح شددت عليَّ ثيابي، ثمَّ نزلت، فدخلت على حفصة، وهي تبكي، فقلت: أطلقكنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت: لا أدري هو هذا معتزلٌ في هذه المشربة، فأتيت غلاماً له أسود، فقلت: استأذن لعمر. فدخل الغلام، ثمَّ خرج إِليَّ، فقال: قد ذكرتك له فصمت، فانطبقت حتَّى أتيت المنبر، فإِذا عنده رهطٌ جلوسٌ يبكي بعضهم، فجلست قليلاً، ثمَّ غلبني ما أجد، فأتيت الغلام، فقلت: استأذن لعمر. فدخل، ثمَّ خرج إِليَّ، فقال: قد ذكرتك له، فصمت، فخرجت، فجلست إِلى المنبر، ثمَّ غلبني ما أجد، فأتيت الغلام، فقلت: أستأذن لعمر. فدخل ثمَّ خرج إِليَّ، فقال: قد ذكرتك له، فصمت، فوليت مدبراً، فِإذا الغلام يدعوني، فقال: ادخل، فقد أذن لك. فدخلت، فسلَّمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإِذا هو متكأىٌ على رمل حصيرٍ، قد أثَّر في جنبه، فقلت: أطلقت يا رسول الله نساءك ؟! فرفع رأسه إِليَّ، وقال: « لا » فقلت: الله أكبر ! لو رأيتنا يا رسول الله ! وكنا معشر قريش قوماً نغلب النِّساء، فلمَّا قدمنا المدينة، وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلَّمن من نسائهم، فتغضَّبت على امرأتي يوماً فإِذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ما تنكر أن أراجعك ؟ فوالله إِنَّ أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وتهجره إِحداهنَّ اليوم إِلى اللَّيل. فقلت: قد خاب مَنْ فعل ذلك منهنَّ، وخسر، أفتأمن إِحداهنَّ أن يغضب الله عليها لغضب رسوله، فإِذا هي قد هلكت ؟ فتبسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت: يا رسول الله ! فدخلت على حفصة، فقلت: لا يغرَّك أن كانت جارتك هي أوسم، وأحبَّ إِلى رسول الله منك، فتبسَّم أخرى، فقلت: أستأنسُ يا رسول الله ؟! قال: « نعم » فجلست، فرفعت رأسي في البيت، فوالله ما رأيت فيه شيئاً يردُّ البصر إِلا أُهُباً ثلاثة، فقلت: ادع يا رسول الله أن يوسِّع على أمَّتك، فقد وسَّع على فارس، والرُّوم، وهم لا يعبدون الله. فاستوى جالساً، ثمَّ قال: « أفي شك أنت يابن الخطاب ؟! أولئك قومٌ عجِّلت لهم طيباتُهم في الحياة الدُّنيا ». فقلت: استغفر لي يا رسول الله ! وكان أقسم أن لا يدخل عليهن شهراً من شدَّة موجدته عليهنَّ، حتَّى عاتبه الله عزَّ وجلَّ.
هذا ما تيسَّر جمعه، وترتيبه من حياة الفاروق في المجتمع المدنيِّ، ولقد نال عمر ـ رضي الله عنه ـ أوسمةً رفيعةً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بيَّنت فضله، ودينه، وعلمه ـ رضي الله عنه ـ وسنتحدَّث عنها بإِذن الله.
للاطلاع على النسخة الأصلية للكتاب راجع الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي