(وجوب قضاء تارك الصلاة عمدًا)
اقتباسات من كتاب " فقه الصلاة" للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله)
الحلقة: الحادية عشر
ربيع الآخر 1444ه/ أكتوبر 2022م
وإذا كانت الصلاة التي فاتت بسبب عذر كالنوم والنسيان تُقضى، فلا جرم أن يكون القضاء في حق العامد أولى، وقد سمَّى الله تعالى "العبادات" دَيْنًا، وقال لمن قالت له: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ فقال: "لو كان على أمك دَيْن، أكنتِ قاضيتَهُ عنها؟" قالت: نعم. قال: "فدين الله أحق أن يُقضى".
وهذا فيمن يؤدي الصلوات باستمرار، ولكنه غفل عن بعض الفرائض في بعض الأيام، فعليه أن يقضيها. ولكن المشكلة فيمن مضت عليه سنون طويلة تاركًا للصلاة، ما حكمه؟
ما عليه جمهور العلماء من أن قضاء الفوائت واجب، سواء أتركها لعُذر، أم تركها تقصيرًا بغير عُذر، فالمتعمِّد الذي تهاون في الصلاة، وتعمَّد إخراج الصَّلاة عن وقتها- وإن أثِم بفعله- يجب عليه القضاء، وهذا مذهب الأئمة الأربعة، وجمهور أهل العلم.
وذهب الظاهرية وبعض أصحاب الشافعي إلى أن قضاء الفوائت إنَّما يختص بالأوقات التي تفوت بسبب النوم أو النسيان فقط، أمَّا التي تفوت عمدًا بغير عذر، فلا ينبغي أن تُقضى أبدًا؛ لأن وقتها قد فات، وهي لا يكفِّرها إلَّا التوبة.
قال الإمام ابن حزم: «ولا يحل لأحد أن يؤخِّر صلاة عن وقتها الذي ذكرنا؛ ولا يجزئه إن فعل ذلك».
وذهب الإمام ابن تيمية رحمه الله إلى أنها لا تصحّ، بل ولا يُشرع له قضاؤها. فقال رحمه الله: «وتارك الصلاة عمدًا لا يشرع له قضاؤها، ولا تصحُّ منه، بل يكثر من التطوع، وهو قول طائفة من السلف».
وما ذهب إليه ابن تيمية يؤيده ما رواه الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلَّم أنه قال: "إن أول ما يُحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء، قال الرب عز وجل: انظروا: هل لعبدي من تطوع؟ فيكمل بها ما انتُقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك".
قال العراقي في شرح الترمذي: يحتمل أن يراد به، ما انتقصه من السنن والهيئات المشروعة فيها، من الخشوع والأذكار والأدعية، وأنه يحصل له ثواب ذلك في الفريضة، وإن لم يفعله فيها، وإنما فعله في التطوع، ويحتمل أن يراد به، ما انتقص أيضا من فروضها وشروطها، ويحتمل أن يراد ما ترك من الفرائض رأسًا، فلم يصلِّه، فيعوض عنه من التطوع، والله سبحانه وتعالى يقبل من التطوعات الصحيحة عوضًا عن الصلوات المفروضة.
وقال ابن العربي: يحتمل أن يكون يكمل له ما نقص من فرض الصلاة وأعدادها بفضل التطوع، ويحتمل ما نقصه من الخشوع، والأول عندي أظهر؛ لقوله: "ثم الزكاة كذلك وسائر الأعمال، وليس في الزكاة إلا فرض أو فضل، فكما يكمل فرض الزكاة بفضلها، كذلك الصلاة، وفضل الله أوسع، ووعده أنفذ وعزمه أعم.
والذي نراه أن من تكاسل عن بعض الصلوات مدة يسيرة، لا يشقُّ عليه قضاؤها، فعليه أن يقضيها، أما من تركها مددا متطاولة، بحيث يقع في المشقة بقضائها، فعليه أن يتوب إلى الله من هذه الكبيرة العظيمة، وعليه أن يحافظ على الصلوات في أوقاتها، وأن يكثر من نوافل الصلوات.
هذه الحلقة مقتبسة من كتاب فقه الصلاة للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله) صص 34-32