الأحد

1446-06-21

|

2024-12-22

في ذكرى استشهاد الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)... ماذا عن الأيَّام الأخيرة في حياته؟

حادثة مقتل فاروق الإسلام عمر بن الخطاب (رضي الله عنه وأرضاه)

المقال (2)

بقلم: د. علي محمد الصلّابي

27 ذو الحجة 1444ه/ 15 يوليو 2023م

 

قال عمرو بن ميمون: إِنِّي لقائم (في الصَّفِّ ينتظر صلاة الفجر) ما بيني وبينه إِلا عبد الله بن عبَّاس غداة أصيب، وكان إِذا مرَّ بين الصَّفَّين، قال: استووا؛ تقدَّم، فكبَّر، وربَّما قرأ سورة يوسف، أو النَّحل، أو نحو ذلك في الرَّكعة الأولى، حتَّى يجتمع النَّاس فما هو إِلا أن كبَّر، فسمعته يقول: قتلني - أو أكلني - الكلب، حين طعنه، فطار العلج بسكين ذات طرفين، لا يمرُّ على أحدٍ يميناً، ولا شمالاً إِلا طعنه، حتَّى طعن ثلاثة عشر رجلاً، مات منهم سبعةٌ، فلمَّا رأى ذلك رجلٌ من المسلمين طرح عليه بُرْنساً (نوعٌ من الثِّياب يشبه الجلباب)، فلمَّا ظنَّ العلج: أنَّه مأخوذٌ نحر نفسه، وتناول عمر يد عبد الرَّحمن بن عوف فقدَّمه للصَّلاة بالنَّاس، فَمَنْ يلي عمر فقد رأى الَّذي أرى، وأمَّا نواحي المسجد فإِنَّهم لا يدرُون، غير أنَّهم قد فقدوا صوت عمر، وهم يقولون: سبحان الله، فصلَّى بهم عبد الرَّحمن صلاةً خفيفةً، فلمَّا انصرفوا؛ قال عمر: يا بن عبَّاس ! انظر من قتلني. فجال ساعةً، ثمَّ جاء، فقال: غلام المغيرة، قال: الصَّنَع (يشير إِلى غلام المغيرة بن شعبة، أبو لؤلؤة، فيروز)؟ قال: نعم. قال: قاتله الله ! لقد أمرت به معروفاً، الحمد لله الَّذي لم يجعل منيَّتي بيد رجلٍ يدَّعي الإِسلام، قد كنت أنت، وأبوك - يريد العبَّاس، وابنه عبد الله - تحبَّان أن تكثر العلوج بالمدينة، وكان العبَّاس أكثرهم رقيقاً، فقال عبد الله: إِن شئت فعلت، أي: إِن شئت قَتَلنا. قال: كذبت - أي: أخطأت - بعدما تكلَّموا بلسانكم، وصلَّوا قبلتكم، وحجُّوا حجَّكم. فاحتُمل إِلى بيته، فانطلقنا معه، وكأنَّ النَّاس لم تصبهم مصيبةٌ قبل يومئذٍ، فأتي بنبيذٍ (تمر نبذ في ماء، أي: نقع فيه، كانوا يفعلون ذلك، لاستعذاب الماء)، فشربه، فخرج من جوفه، ثُمَّ أُتي بلبنٍ، فشربه فخرج من جُرْحه، فعلموا: أنَّه ميِّتٌ، فدخلنا عليه، وجاء النَّاس، فجعلوا يثنون عليه.. وقال: يا عبد الله بن عمر ! انظر ما عليَّ من الدَّين، فحسبوه؛ فوجدوه ستَّة وثمانين ألفاً، أو نحوه، قال: إِنْ وفَّى له مال ال عمر؛ فأدِّه من أموالهم، وإِلا فسل في بني عدي بن كعب، فإِنْ لم تفِ أموالهم، فسل في قريش، ولا تعدهم إِلى غيرهم، فأدِّ عنِّي هذا المال، وانطلق إِلى عائشة أمِّ المؤمنين فقل: يقرأ عليك عمر السَّلام، ولا تقل أمير المؤمنين، فإِنِّي لستُ اليوم للمؤمنين أميراً، وقل: يستأذن عمر بن الخطَّاب أن يبقى مع صاحبيه.. فسلَّم عبد الله بن عمر، واستأذن ثمَّ دخل عليها، فوجدها قاعدةً تبكي، فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطَّاب السَّلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه، فقالت: كنت أريده لنفسي، ولأوثرنَّه به اليوم على نفسي ! فلمَّا أقبل، قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء، قال: ارفعوني، فأسنده رجلٌ إِليه، فقال: ما لديك ؟ قال: الَّذي تحبُّ يا أمير المؤمنين ! أذنت، قال: الحمد لله، ما كان من شيءٍ أهمَّ إِليَّ من ذلك.. فإِذا أنا قضيت فاحملني، ثمَّ سلِّم، فقل: يستأذن عمر بن الخطَّاب، فإِنْ أذنت لي، فأدخلوني، وإِن ردَّتني؛ ردُّوني إِلى مقابر المسلمين، قال: فلمَّا قبض؛ خرجنا به، فانطلقنا نمشي، فسلَّم عبد الله بن عمر، قال: يستأذن عمر بن الخطَّاب، قالت عائشة: أدخلوه، فأُدخل، فوُضع هنالك مع صاحبيه (البخاريُّ، كتاب المناقب، رقم 3700).

وجاءت رواياتٌ أخرى فصَّلت بعض الأحداث الَّتي لم تذكرها رواية عمرو بن ميمون. قال ابن عباس رضي الله عنهما: إِنَّ عمر - رضي الله عنه - طعن في السَّحر، طعنه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، وكان مجوسيَّاً (صحيح التَّوثيق في سيرة، وحياة الفاروق، ص 369).

وقال أبو رافع - رضي الله عنه -: كان أبو لؤلؤة عبداً للمغيرة بن شعبة، وكان يصنع الأرحاء (جمع رحا، وهي التَّي يطحن بها)، وكان المغيرة يستغلُّه كلَّ يومٍ أربعة دراهم، فلقي أبو لؤلؤة عمر، فقال: يا أمير المؤمنين! إِنَّ المغيرة قد أثقل عليَّ غلَّتي، فكلِّمْه أن يخفِّف عنِّي ! فقال عمر: اتَّقِ الله، وأحسنْ إِلى مولاك، ومن نيَّة عمر أن يلقى المغيرة، فيكلِّمه يخفِّف عنه، فغضب العبد، وقال: وسع كلَّهم عدلُه غيري!؟ فأضمر على قتله، فاصطنع خنجراً له رأسان، وشحذه، وسمَّه، ثمَّ أتى به الهرمزان، فقال: كيف ترى هذا ؟ قال: أرى أنَّك لا تضرب به أحداً إِلا قتلته. قال: فتحيَّن أبو لؤلؤة عمر، فجاءه في صلاة الغداة حتَّى قام وراء عمر، وكان عمر إِذا أقيمت الصَّلاة يتكلَّم يقول: أقيموا صفوفكم، فقال كما كان يقول: فلمَّا كبَّر؛ وجأه (ضربه) أبو لؤلؤة وجأةً في كتفه، ووجأةً في خاصرته، فسقط عمر (صحيح التَّوثيق في سيرة وحياة الفاروق، ص 370)، وقال عمرو بن ميمون (رحمه الله): سمعته لمَّا طُعن يقول: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾ [الأحزاب: 38].

 

المرجع الأساسي:

فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، الدكتور علي محمد الصلابي، دار ابن كثير، بيروت، انظر الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي:

http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/630

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022