القائد الإسلامي الناصر صلاح الدين الأيوبي ودوره في مقاومة الصليبين وتحرير الأراضي الشامية (11)
“نشأة صلاح الدين والرصيد التربوي والأخلاقي والإيماني”
إن الحديث عن سِير عباد الله المتقين، والقاد والعظماء، ورجال والإصلاح والجهاد والنصر والمقاومة في تاريخنا؛ لمن أجلّ السير والأحاديث، ومن أطيب الذكريات؛ لأنهم شموس الهـدى في سمـاء الإنسانية، والمنـارات المتلألئة في دياجير الظلام، وما صلاح الدين الأيوبي (رحمه الله) إلا أحـد هـؤلاء العظمـاء الأبطـال الـذين جمعـوا النـاس علـى المنهج الحق، ورفعوا في سماء راية التحرير والتوحيد والجهاد. وإن سـيرة صـلاح الـدين مرتبطة بهذا الفتح المبين لهذه الأمة العظيمة، وفي تحرير الأرض المقدسة في فلسطين من بـراثن الصـليبية الحاقـدة، والاسـتعمار البغـيض.
أولاً: الناصر صلاح الدين الأيوبي (رحمه الله): نسبه وولادته ونشأته
- نسب صلاح الدين
ينتمي صلاح الدين إلى عائلة كردية، كريمة الأصل، وعظيمة الشرف، وتنتسب هذه العائلة إلى قبيلة كردية، تعدُّ من أشراف الأكراد نسباً، وعشيرة، وهذه العشيرة تعرف بالرَّوادية، وهي تنحدر من بلدة دوين، الواقعة عند آخر حدود أذربيجان، بالقرب من مدينة تفليس في أرمينية، وينتسب الأيوبيون إلى أيوب بن شادي، ويعتبرهم ابن الأثير أشرف الأكراد؛ لأنهم لم يجر على أحدٍ منهم رقٌّ أبداً، كما أنَّ والد صلاح الدين ، نجم الدين أيوب ، وعمُّه أسد الدين شيركوه عندما قدما إلى العراق ، و بلاد الشام لم يكونا من الرُّعاة ، وإنما كانا على درجة عالية من الخبرة في الشؤون السياسية ، والإدارية، غير أن بعض الأيوبيين حاول أن ينكر أصلهم الكردي، والالتصاق بالدم العربي عامة، وبنسل بني أمية خاصة، ومهما كان أصل البيت الأيوبي؛ فإنَّ ظهورهم على مسرح الأحداث في المشرق الإسلامي وضحَ منذ القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي حين تولى شادي “جدُّهم الأكبر” بعض الوظائف الإدارية في قلعة تكريت؛ التي كانت إقطاعاً لبهروز الخادم لأحد أمراء السلطان السلجوقي محمد بن ملكشاه.( التاريخ الباهر في الدولة الزنكية الأتابكية، ابن الأثير، ص119).
- مولد صلاح الدين الأيوبي
ولد صلاح الدين الأيوبي عام 532هـ/1137م في قلعة تكريت، وهي بلدة قديمة أقرب إلى بغداد منها إلى الموصل، وقد قامت في طرفها الأعلى قلعةٌ حصينةٌ راكبة على دجلة، بناها ملوك الفرس منذ القدم على حجرٍ عظيم، وجعلوها مخازن للذخيرة، ومرصداً لمراقبة العدو، ثم افتتحها المسلمون في السنة السادسة عشرة من الهجرة أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ومن عجائب القدر: أنَّ ولادة صلاح الدين كانت في اليوم الذي أمر فيه «مجاهد الدين بهروز» والي بغداد نجم الدين أيوب ، وأخاه شيركوه بمغادرة مدينة تكريت، بسبب قتل عم صلاح الدين أحد قواد القلعة، وذلك من أجل امرأة أذاها القائد في شرفها.
ويذكر صاحب وفيات الأعيان: أنَّ أيوب قد تشاءم بمولوده الجديد صلاح الدين ، وقد همَّ أيوب بقتل ولده عندما كان يصيح؛ وهو طفل؛ وهم خارجون من المدينة، ولكن أحد أتباعه حذَّره من هذا العمل قائلاً: يا مولاي! قد رأيتُ ما حدث عندك من الطِّيرة، والتشاؤم بهذا الصبي، وأيُّ شيءٍ له من الذنب؟ وبم استحقَّ ذلك منك، وهو لا ينفع، ولا يضرُّ، ولا يغني شيئاً، وهذا الذي جرى عليك قضاءٌ من الله سبحانه، وقدر، ثم ما يدريك أن يكون هذا الطفل ملكاً عظيم الصِّيت، جليل المقدار، ولعلَّ الله جاعل له شأناً، فاستبقه ولا يعرف ما أنت فيه من الكدر، والغمّ، ولقد أثرت هذه الكلمات في نفس أيوب، وسرعان ما رجع إلى الحقِّ، وثاب إلى الرُّشد، واتَّبع طريق الإسلام الصحيح (كتاب الروضتين في أخبار الدولتين، شهاب الدين المقدسي أبي شامة، (م2/ص257).
- نشأة صلاح الدين الأيوبي
هاجر القائد نجم الدين أيوب، وأخيه أسد الدين شيركوه من بغداد إلى الموصل، حيث نزلا عند (عماد الدين زنكي)، والذي رحَّب بهما ترحيباً عظيماً، وأجرى عليهما المنح والعطايا، وما هذا الترحيب والإكرام إلا مكافأة على موقفهما المخلص من إنقاذهما له من القتل أو الأسر، ذلك؛ لأن عماد الدين زنكي صاحب الموصل قد حارب السَّلجوقية عند «تكريت» أيام كان «بهروز» والياً على بغداد من قبل السَّلجوقيين، وكان من نتيجة حرب عماد الدين للسَّلجوقيين، أن انهزم جيشه أما جيش السُّلطان السلجوقي، وفي أثناء انسحابه، ورجوعه إلى الموصل مرَّ بتكريت، وأصبحت حياته هو وجيشه في يد نجم الدين أيوب والي تكريت يومئذٍ، إن شاء ابقاهم أحياءً، وإن شاء قتلهم، ففضل نجم الدين الإحسان على الإساءة، فقام هو، وأخوه شيركوه بمساعدة عماد الدين، وسهَّلا له أمر النجاة والسَّلامة؛ حتى وصل إلى الموصل، وفي رحاب عماد الدِّين تطورَّت الأسرة الأيوبية، فقد أصبح نجم الدين، وأخوه شيركوه من خيرة القادة، وقتل عماد الدين بعد ذلك، وأصبح نور الدين صاحب اليد الطولى، وكان ذلك بمساعدة الأيوبيين، واستطاع أن يضمَّ دمشق لملكه، وفي دمشق ترعرع صلاح الدين، وتلَّقى علومه الإسلامية، ومارس فنون الفروسية، والصيد، والرَّمي بالسهام، وغيرهما من ضرورات البطولة، وعندما فتح نور الدين محمود زنكي بعلبك سنة 534هـ ولَّى عليها نجم الدين أيوب؛ وصار من كبار أمرائها، وهكذا عاش صلاح الدين طفولته الأولى في بعلبك سنة (534هـ/1140م) وكان يشاهد، ويسمع بين حينٍ، وآخر اعتداء الصليبيين على البلاد الإسلامية، ولما قام الصليبيون بالهجوم على سهل البقاع المجاور لبعلبك سنة 546هـ تصدَّى لهم نجم الدين ، وأسد الدين شيركوه، وهزمهما، وأخذ منهم أسارى، وفي السنة نفسها التحق صلاح الدين في خدمة عمه أسد الدين شيركوه، وكان أسد الدين مرافقاً لنور الدين؛ الذي تولَّى قيادة الزنكيين بعد مقتل والده، ويبدو أنَّ نور الدين كان قد أدرك قدرات صلاح الدين العسكرية، والإدارية.
وقد ذكر أبو شامة: أنَّ صلاح الدين تقدَّم بين يدي نور الدين فقبَّله، وأقطعه إقطاعاً حسناً، وعوَّل عليه، ونظر إليه، وقرَّبه، وخصَّصه، ولم يزل يتقدَّم تقدُّما تبدو منه أسباب تقضي تقديمه إلى ما هو أعلى، وكان نور الدين يكلِّفه بالذهاب إلى عمِّه، لاستشارته في قضايا تخصُّ الدولة، والمكوس، والضَّمانات، فقد كان نور الدين يهتمُّ بمشاورة كبار قواده، وتسمى هذه الوظيفة لصلاح الدين في العصر الحديث: كاتم الأسرار وضابط الرُّكن الشخصي لنور الدين (موسوعة التاريخ الإسلامي، أحمد شلبي (ج5/187ص).
وكان لا بدَّ أن يتأثَّر بهذه الأحداث؛ وإن لم يشارك فيها، ولا بدَّ أيضاً أن ينمو لديه شعور يحتمَّ عليه أن يعدَّ نفسه للمستقبل، ولا سيما للمناصب المتقدِّمة في الدولة، ويمكن القول: إنَّ صلاح الدين نشأ، وتربَّى بين أحضان أسرته، وأخذ عن أبيه نجم الدين براعته في السياسة، واكتسب من عمِّه شيركوه شجاعته في الحروب، فنشأ متشبعاً بالدَّهاء السياسي، والروح الحربية، كما تعلَّم علوم عصره، فحفظ القران، ودرس الفقه، والحديث، وتتلمذ على أيدي كبار العلماء، واساتذة منطقة الشام، والجزيرة، منهم: الشيخ قطب الدين النيسابوري، وقد تأثر صلاح الدين بالسُّلطان نور الدين محمود؛ الذي قدَّم النموذج الرائع للإخلاص المتفاني، والشعور الحادّ بالمسؤولية الدينية، وتعلَّم منه الإخلاص، والفداء، وورث عنه قيادة المشروع الإسلامي، وتعلَّم منه كيفية التصدِّي للمدِّ الشيعي الرافضي، وفي المدَّة التي قضاها في دمشق ،بعد استيلاء نور الدين بن عماد الدين زنكي عليها؛ ظهرت شخصية صلاح الدين الفذَّة، فكان محلَّ احترام، وتقدير، بل كان له من الاعتبار، والمكانة ما لابن حاكم دمشق نفسه، وقد ظهر أمام المجتمع بمظهر الشاب الهادئ المهذب المتدين ، المتقد غيرةً على الإسلام، والمسلمين بما طبع في نفسه من أخلاق نور الدين؛ الذي أنزله لديه منزلةً خاصةً، ومن المناصب التي أسندت إليه في دمشق، في عهد نور الدين، منصب رئاسة الشرطة ، وقد قام بهذا المنصب أحسن قيام ، واستطاع أن يطهِّر دمشق من عبث اللصوص، ومن شرور المفسدين، فأعاد الأمن، والاستقرار في ربوع الشام، وبات الناس يأمنون على أنفسهم، وأموالهم، وينعمون بنعمة الحياة الهادئة المطمئنة الكريمة وأما المدة التي قضاها صلاح الدين في مصر؛ فتعدُّ من أعظم الأيام التي أظهرت بطولته الفائقة، وحنكته الحربية النادرة، فقد لازم عمَّه أسد الدين شيركوه في حملاته الثلاثة على مصر، وكان من ضمن رجاله الأفذاذ، فقد أظهر البراعة العظيمة، والعبقرية الفذَّة في فنون الحرب، والقتال، فبتدبيره، وذكائه، وحسن تصرفه مع عمِّه أسد الدين استطاع أن يضمَّ مصر إلى الدولة النورية بعد تخليص الشعب المصري العظيم من براثن الدَّولة الفاطمية الشِّيعية الرافضية (صلاح الدين بطل حطين، عبد الله علوان ص23).
ثانياً: الرصيد الخُلقي والإيماني للناصر صلاح الدين الأيوبي (رحمه الله)
تميزت شخصية السلطان صلاح الدين الأيوبي برصيدٍ أخلاقيٍّ كبير ، ساعده على تحقيق أهدافه العظيمة ، والتي من أهمِّها: الشجاعة ، والكرم ، والوفاء ، والتسامح ، والحلم ، والعدل ، والعفو ، والمروءة ، وشدَّة لجوئه إلى الله ، ومحبته للجهاد ، وصبره ، واحتسابه ، وحرصه على العلم ، والتواضع.
- صلاح الدين: عقيدته وتقواه
كان رحمه الله ـ حسن العقيدة ، كثير الذِّكر لله تعالى ، قد أخذ عقيدته عن الدليل بواسطة البحث مع مشايخ أهل العلم ، وأكابر الفقهاء ، فتحصَّل من ذلك سلامة عقيدته عن كدر التَّشبيه ، مرضية عند أكابر العلماء، وكان قد جمع له الشيخ الإمام قطب الدِّين النَّيسابوري ـ رحمه الله ـ عقيدةً تجمع جميع ما يحتاج إليه في هذا الباب، وعن صلاته فقد كان شديد المواظبة عليها بالجماعة ، حتى إنه ذكر يوماً أنَّ له سنين ما صلَّى إلا جماعة ، وكان إذا مرض يستدعي الإمام وحدَه ويكلِّف نفسه القيام ، ويصلِّي جماعة ، وكان يواظب على السُّنَن الرَّواتب ، وكان له ركعات يصلِّيها إذا استيقظ بوقت في الليل، وكان يصلِّي في مرضه الذي مات فيه قائماً ، وما ترك الصلاة إلا في الأيام الثلاثة التي تغيَّب فيها ذهنُه ، وأما الزكاة ، فإنه مات ـ رحمه الله تعالى ـ ولم يحفظ ما وجبت به عليه من الزكاة ، فإنَّه مَلَك ما ملك ، ومات ولم يخلِّف في خزانته من الذَّهب ، والفضة إلا سبعة وأربعين درهماً ناصريَّةً ، وجُرماً واحداً ذهباً صُورياً ، ولم يخلِّف مُلكاً ، ولا داراً ، ولا عقاراً ، ولا بستاناً، ولا قريةً ، ولا مزرعةً ، ولا شيئاً من أنواع الأملاك ،كما أنه واظب على الصَّوم مقداراً زائداً على شهر، فإنَّه كان عليه فوائت رمضانين ، شغلته الأمراض ، ومُلازمة الجهاد عن قضائها ، وكان الصَّوم لا يوافق مزاجه ، فألهمه الله تعالى الصَّوم بقضاء الفوائت، فكان يصوم ، والطبيب يلومه ، وهو لا يسمع ، فكأنه كان مُلهماً ببراءة ذمته، ولم يزل حتى قضى ما كان عليه، وأما عن القرىن والحديث، فقد كان يحبُّ سماع القرآن العظيم ، حتى إنَّه كان يستخير إمامه ، ويشترط أن يكون عالماً بعلوم القرآن العظيم ، متقناً لحفظه ، وكان يستقرىء من يحضره في الليل، وكان رقيق القلب ، غزير الدمعة إذا اسمع القران؛ يخشع قلبُه ، وتدمع عينه،كما أنه كان شديد الرغبة في سماع الحديث الشريف، وكان يأمر الناس بالجلوس للسماع، ويتردد إلى علماء الحديث لأخذه، وكان يحب أن يقرأ الحديث بنفسه، ويستحضره في خلوته، وكان كثير التعظيم لشعائر الدِّين ، قائلاً ببعث الأجسام ، ونشورها ، ومجازاة المحسن بالجنَّة، والمسيء بالنار ، ومصدِّقاً بجميع ما وردت به الشرائع ، منشرحاً بذلك صدره ، مبغضاً للفلاسفة ، والمعطِّلة ، والدَّهرية ، ومن يعاند الشَّريعة، فهو يحسن الظن بربه وهو شديد الإنابة إليه، معتمدا عليه في أوقاته كلها، مسلما أمره، متكلاً وحافظاً (سيرة السلطان الناصر صلاح الدين، بهاء الدين بن شداد،ص61).
- صلاح الدين: شمائلة وجهاده
وأما عن عدله رحمه الله فقد كانت صفة العدل من أبرز صفات صلاح الدين الأيوبي القيادية ، وكان يؤمن بأنَّ العدل أحد نواميس الله في كونه ، وكان يقينه بأنَّ العدل ثمرةٌ من ثمرات الإيمان، وكان عادلا ناصراً للضعيف على القويٌّ ، وكان يجلس للعدل في كل يوم إثنين ، وخميس في مجلسٍ عام ، يحضره الفقهاء ، والقضاة ، والعلماء ، ويفتح الباب للمتحاكمين؛ حتى يصل إليه كلُّ أحد من كبيرٍ ، وصغير ، وعجوز هرمة ، وشيخ كبير ، وكان يفعل ذلك سفراً ، وحضراً، حتى أنه لم يرد قاصدا، وممَّا يدل على عدله: أنه كان يقف بجانب خصمه أمام القضاء دون أن يرى في ذلك جرحاً ، أو غضاضة؛ لأن الحق في نظره أحقُّ أن يتَّبع، وفي الشجاعة فهو من عظماء الشُّجعان، قويَّ النفس ، شديد البأس ، عظيم الثبات ، لا يهوله أمر، راسخ القدم ومقداما، وفي الحديث عن كرمه، فقد كان كرم السلطان صلاح الدين الأيوبي أظهر من أن يُسطَّر ، وأشهر من أن يُذكر، فكان يُعطي في وقت الشدَّة كما يُعطي في وقت السَّعة. وقال مَرَّةً وهو يُعبِّر عن كرمه: والله لو وهَبْتُ الدنيا للقاصد الأمل؛ لما كنت استكثرها له، ولو استفرغتُ له جميع ما في خزانتي؛ لما كان عوضاً ممَّا أراقه من حُرِّ ماء وجهه في استمناحه إيايَّ، وكان من شدَّة كرمه: أنَّه إذا علم أنَّ في خزائنه مالاً؛ لا يستطيب تلك الليلة؛ حتى يُفَرِّقَ هذا المال جوداً ، وإذا منح إنساناً مالاً ، ثم قيل له: إن هذا القدر لا يكفيه؛ زاده الضعف، ولا يرى شيخاً إلا ويرق له ، ويعطيه ، ويحسن إليه، وما أُحضر بين يديه يتيمٌ إلا وترحَّم على والديه ، وجبر قلبه ، ومصابه ، وأعطاه ، وإن كان له من أهله كبير يعتمد عليه؛ سلَّمه إليه ، وإلا أبقى له من الخير ما يكفي حاجته ، وسلَّمَه إلى من يعتني بتربيته ، ويكفلها، وكان قدس الله روحه، متواضعا وفياً صبورا حليما محتسبا محافظا على المروءة، وأما عن اهتمامه بالجهاد فكان شديد المواظبة على الجهاد، عظيم الاهتمام به، ولو حلفَ حالفٌ: أنه ما أنفق بعد به خروجه إلى الجهاد ديناراً ، ولا درهماً إلا في الجهاد، أو في الإرفاد؛ لصدق، وبرَّ في يمينه ، ولقد كان الجهاد ، وحبُّه ، والشَّغف به قد استولى على قلبه، وسائر جوانحه استيلاءً عظيماً، بحيث ما كان له حديثٌ إلا فيه ، ولا نظرٌ إلا في الته ، ولا اهتمامٌ إلا برجاله ، ولا ميلٌ إلا على من يذكره، ويحثُّ عليه ، ولقد هجر في محبة الجهاد في سبيل الله أهلَه ، وأولاَدَه ، ووطنَه ، وسكنَه ، وسائر ملاذِّه (صلاح الدين الأيوبي، علي الصلابي، ص 208).
ما أحوج أمة الإسلام أن تستلهم مـن سـيرة الناصر صلاح الدين الأيوبي (رحمه الله) القيم الروحية والأخلاقية، وسـبيلها إلى النصـر، وطريقهـا إلى العزة والكرامة، وأن تأخذ من الماضي السنيّ الباهر، مـا يفيـدها في الحاضـر والمستقبل، وأن تسـتمد مـن المقومـات التي مهدت للنصر في حطين ما يُرشدها إلى الطريق الأفضل في الاسترداد والتحرير والفتح.
المراجع:
- التاريخ الباهر في الدولة الزنكية الأتابكية، ابن الأثير، حققه عبد الفتاح أحمد طليمات، ط1، دار الكتب الحديثة، القاهرة، 1962م.
- سيرة صلاح الدين الأيوبي، بهاء الدين بن شداد، ط2، مؤسسة هنداوي للنشر، القاهرة، مصر، 2012م.
- صلاح الدين الايوبي، علي الصلابي، ط1، دار ابن كثير، دمشق، سورية، 2009م.
- صلاح الدين بطل حطين، عبد الله علوان، ط1، دار السلام للنشر، القاهرة، مصر، 2009م.
- كتاب الروضتين في أخبار الدولتين، شهاب الدين المقدسي أبي شامة، مجلد 2، ط1، حققه إبراهيم الزيبق، مؤسسة الرسالة للنشر، بيروت، لبنان، 1997م.
- موسوعة التاريخ الإسلامي، أحمد شلبي، ط1، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة،1986 م.