الجمعة

1446-06-26

|

2024-12-27

معنى استطاعة العبد التي جعلها الله تعالى مناط التكليف ...

مختارات من كتاب "الإيمان بالقدر"

لمؤلفه الشيخ الدكتور علي محمد الصلّابي

الحلقة التاسعة والأربعون

 

هذه المسألة من أهم المسائل في باب القدر، لأنها تتعلق بقدرة العبد واستطاعته التي جعلها الله مناط التكليف، ويتعلق بها أمران مهمان:

أحدهما: هل للعبد قدرة يفعل أولاً ؟.

والثاني: هل استطاعته قبل الفعل فقط أو معه فقط، أو هي قبل الفعل وبعده؟

وتحدث العلماء في هذه المسألة بالتفصيل فقالوا:

أ ـ فهناك استطاعة للعبد بمعنى الصحة والوسع، والتمكن وسلامة الألآت، وهي التي تكون مناط الأمر والنهي، وهي المصححة للفعل، فهذه لا يجب أن تقارن الفعل، بل قد تكون قبله متقدمة عليه، وهذه الاستطاعة المتقدمة صالحة للضدين، ومثال هذه الاستطاعة قوله تعالى:"وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً" (آل عمران: 97) ، فهذه الاستطاعة قبل الفعل، ولو لم تكن إلا مع الفعل لما وجب الحج إلا على من حج، ولا عصى أحد بترك الحج، ولا كان الحج واجباً على أحد قبل الإحرام، بل قبل فراغه، ومن أمثلتها قوله تعالى:"فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ" (التغابن: 16) (1). فأمر بالتقوى بمقدار الاستطاعة، ولو أراد الاستطاعة المقارنة لما وجب على أحد من التقوى إلا ما فعل فقط، إذ هو الذي قارنته تلك الاستطاعة، وهذه الاستطاعة هي مناط الأمر والنهي، والثواب والعقاب، وعليها يتكلم الفقهاء، وهي الغالبة في عرف الناس (2).

ب ـ وهناك الاستطاعة التي يجب معها وجود الفعل، وهذه هي الاستطاعة المقارنة للفعل الموجبة له، ومن أمثلتها قوله تعالى:"مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ" (هود: 20) . وقوله:"وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا * الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا" (الكهف: 100 ـ 101) .

فالمراد بعدم الاستطاعة مشقة ذلك عليهم، وصعوبته على نفوسهم فنفوسهم لا تستطيع إرادته، وإن كانوا قادرين على فعله لو أرادوا، وهذه حال من صده هواه أو رأيه الفاسد عن استماع كتب الله المنزلة، واتباعها، وقد أخبر أنه لا يستطيع ذلك، وهذه الاستطاعة هي المقارنة الموجبة له (3). وهذه الاستطاعة هي الاستطاعة الكونية التي هي مناط القضاء والقدر، وبها يتحقق وجود الفعل (4).

وبذلك نثبت نوعي الاستطاعة، سواء التي هي مناط التكليف، وهذه تكون قبل الفعل، وبها يتعلق الشرع حيث لا يكلف غير المستطيع، والأخرى التي تكون مع الفعل، فهذه يتحقق الفعل بها وتكون بقدرة العبد وفعله، لكنها لا تقع إلا موافقه للقضاء والقدر (5).

---------------------------------------------

مراجع الحلقة التاسعة والأربعون:

(1) القدر، ابن تيمية ص 372.

(2) القضاء والقدر، المحمود ص 269.

(3) درء تعارض العقل والنقل، لابن تيمية (1/ 61) .

(4) القضاء والقدر ص 270.

(5) المصدر نفسه ص 272.

 

لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:

كتاب الإيمان بالقدر في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي:

http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/648


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022