إن من بين صفات خليل الله إبراهيم (عليه السلام) أنه كان يرى الأمور على حقيقتها بالعلم قبل فوات الأوان؛ يرى الشر قبل أن يراه الناس، ويحسب للأمور حسابها، وهذا من باب فراسة المؤمن وفهمه للواقع وفق السنن والقوانين التي علمه الله إياها، فقد وصل منتهى العلم الإنساني في علوم العقائد والتوحيد وأسماء الله وصفاته وأفعاله وقضائه وقدره، وتاريخ الأنبياء والمرسلين الذين سبقوه، وعلوم الأخلاق، وعلم النفس، وأمراض القلوب وعلاجها، وعلم العبادات من حجّ وصلاة وزكاة، وغير ذلك.
عِلم الخليل (عليه السلام)
كان إبراهيم (عليه السلام) كثير الدعاء لله بأن يهديه، وأن يرزقه العلم النافع، والعمل الصالح، مثل قوله تعالى: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85)} [الشعراء:83-85]؛ فهذا الدعاء بهذا الترتيب لم يأت عبثا، طلب من الله أن يعطيه حكما أي علما، والنكرة تفيد العموم والتنوين يفيد الكثرة؛ لأن العلم له فوائد عظيمة جدا، ومن فوائده أنه يجعل صاحبه مؤهلا للانضمام إلى الصالحين، فمن دون علم لا يمكن أن يعمل صالحا؛ لأن من شروط العمل الصالح الأول، الأول: الإخلاص لله، والشرط الثاني: الصواب وموافقة الشرع، وهذا لا يتم إلا بالعلم.
الخليل إبراهيم (عليه السلام) زوده الله بالعلم حتى يتمكن من القيام بواجب الرسالة والدعوة إلى الله، واستحق بعلمه وعمله أن يكون إماما للناس
وإن ترتيب هذا الدعاء فيه إشارة أنه بالعلم يصبح للإنسان ذكرى طيبة بين الناس، فيذكرون العلم من باب الشكر للعلماء؛ لأنهم أفادوهم ولهذا يكون العلم سببا في تخليد ذكرى أصحابه، وكذلك العلم يكرم صاحبه بدخول الجنة، ويكون سببا من أسباب دخول الجنة، وهذا يؤكده حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله به طريقا إلى الجنة، ولهذا حث الله رسوله محمد عليه السلام بأن يدعوه أن يزيده علما فقال: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه:114].
إن الخليل إبراهيم (عليه السلام) زوده الله بالعلم حتى يتمكن من القيام بواجب الرسالة والدعوة إلى الله، واستحق بعلمه وعمله أن يكون إماما للناس، ولهذا عندما دعا والده إلى الإسلام قال لأبيه: {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} [مريم:42]، وكذلك أعطاه الرشد مبكراً، وأراه ملكوت السماوات والأرض حتى يزداد يقينا وعلما، فالعلم قاد إبراهيم (عليه السلام) إلى كثير من القربات والطاعات، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}، ولهذا فإن الأنبياء أكثر الناس معرفة بالله أكثرهم خشية والتزاما، فهم قدوة للناس، وشموس في الدنيا والآخرة.
قصة خليل الله إبراهيم (عليه السلام) مليئة بالدروس والعبر عن التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب، والصبر، والحكمة والعلم، والهجرة في سبيل الله، وتحمل المشقة في سبيل الدعوة إلى الله، وتبيلغ رسالته للناس، والتضحية بالنفس والمال والولد في سبيل الله، وضرب لنا الخليل أروع الأمثلة في كيفية الدعوة إلى الله تعالى
الخليل إبراهيم والدعوة إلى الله
كانت صفة الدعوة إلى الله من أبرز ملامح شخصية إبراهيم (عليه السلام)، حتى أن هذه الصفة هي الغالبة عليه؛ لأن مهمته الأولى كانت إيصال دعوة الله ورسالته إلى الناس، وإقامة الحجة عليهم، واستخدم الأساليب المشروعة جميعها، لتبليغ رسالة الله إلى الناس من الالتزام بالفكرة التي يدعو إليها في شخصه وعائلته وأولاده، والاتصال الشخصي مع المدعوين واستخدام الحوار العقلي والمنطقي والوجداني في إقناع المدعو، وأكثر من الرحلات والهجرات، والدعوات الخاشعات، من أجل هداية الناس إلى ربهم، وتحقيق توحيده، وإفراده بالعبادة، وقد بينا كل المواقف الدعوية العظيمة التي قام بها إبراهيم (عليه السلام) في كتابي خليل الله إبراهيم (عليه السلام) أبو الأنبياء والمرسلين.
قصة خليل الله إبراهيم (عليه السلام) مليئة بالدروس والعبر عن التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب، والصبر، والحكمة والعلم، والهجرة في سبيل الله، وتحمل المشقة في سبيل الدعوة إلى الله، وتبيلغ رسالته للناس، والتضحية بالنفس والمال والولد في سبيل الله، وضرب لنا الخليل أروع الأمثلة في كيفية الدعوة إلى الله تعالى، ونجده بدأ بدعوة أقرب المقربين، وهو أبوه آزر، وخاطبه بأرق عبارة وأبلغ بيان، وهو منهج اتبعه في أمور الدعوة كافة، قال تعالى: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ﴿النحل: 125﴾