من أعظم نعم الله على عباده أنْ فتح لهم باب التوبة والإنابة، وجعل لهم فيه ملاذاً يلجأ إليه كل مذنب ليطرق باب التوبة ويطلب العفو والغفران وهذا الشهر الكريم شهر رحمةٍ مهداة من رب العالمين لعباده، فهو شهر إقالة العثرات ومغفرة الزلاّت والتوبة عن الخطيئات والسيئات، فما أرحمه سبحانه وأحلمه، هيّأ لعباده كل ما يقربهم منه ويردهم إليه، فأمر عباده المؤمنين بالتوبة النصوح في كل حين، ليكفّر سيئاتهم ويقيل عثراتهم ويرفع درجاتهم، قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [التحريم: 8]. وروى مسلم في صحيحه أن رسول الله ﷺ قال: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ)) (رواه مسلم). فالواجب على المسلم أن يدرك أهمية التوبة وشدّة احتياجه إليها، وأن يدرك كذلك خطر الذنوب وشدّة ضررها على أهلها في الدنيا والآخرة، فهي سبب لنزول البلاء والمصائب والكوارث، وإن كثيراً من الناس غلبته الشواغل والشهوات حتى أصبحت عائقاً وحجر عثرة له عن التوبة والرجوع إلى الله، فيصبح ويمسي وهو في ترفٍ وبذخ، وإسرافٍ وتبذير، ونومٍ وكسل، وظلمٍ وفجورٍ وطغيان، ولذلك يجب على المسلم أن يغتنم مواسم التوبة والمغفرة التي منّ الله بها على المؤمنين، فشهر رمضان فرصة لهؤلاء الغافلين للتوبة النصوح والإقبال على الله. وإن من أعظم ما ميّز الله به شهرَ رمضانَ المبارك؛ تصفيد الشياطين فيه، وترك الفرصة مواتية لمن أسرف على نفسه بالذنوب أن يتوب ويكثر من صالح الأعمال، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله ﷺ: ((إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة، وغُلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين)) (متفق عليه). ورمضان من أعظم مواسم التوبة والمغفرة، ففي الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)). فالفائز في رمضان من استغل هذا الشهر الفضيل بالإكثار من العبادات والقربات، والمحروم في رمضان هو الذي يهدر الوقت نهاراً أو ليلاً دون طاعة وعبادة واستغفار، فيقتصر عمله على الصيام دون غيره، ومن أهمل رمضان ولم يحصن نفسه بالاستزادة من الطاعات والعبادات ربما فتح على نفسه باب الوقوع في المعاصي في هذا الشهر الكريم، فلا بدّ أن يستثمر المسلم ليله ونهاره في العمل الصالح، وخصوصاً قراءة القرآن الكريم، فتلاوة القرآن أفضل العبادات في شهر القرآن، وعلى العبد أن يقف بين يدي خالقه في صلواته يناجيه، ويتقرّب إليه ليغفر له، حتى لا يقع في الغفلة والفراغ، ومن شأن المسلم أن يشغل لسانه وقلبه بذِكر الله (عزّ وجلّ)، لأنه شهر تسكب فيه العبرات، وتقال فيه العثرات، وتعتق فيه الرقاب من النار، ومن لم يتب في رمضان فمتى يتوب !؟ فحري بنا ونحن في هذا الشهر الكريم أن نخفف من الأوزار، ونقلع عن المعاصي والموبقات، ونتوب إلى الله توبة صادقة، وأن نجعل من رمضان موسماً لتقييم أعمالنا وتصحيح مسيرتنا، ومحاسبة نفوسنا، فإن وجدنا خيراً حمدنا الله وازددنا منه، وإن وجدنا غير ذلك تبنا إلى الله واستغفرنا منه، وأكثرنا من عمل الصالحات.