الأحد

1446-03-05

|

2024-9-8

رمضان شهر الاعتكاف

د. علي محمد الصلابي

إن من أجلِّ الغايات التي ينشدها المسلم في حياته هي محبة الله والقرب منه والخلوة به، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، وفي شهر رمضان المبارك يجد المسلم نفسه مع عبادة الاعتكاف التي تحقق له ما يريد، بعيداً عن الدنيا ومشاغلها ومتاعبها. والمعتكف قد وهب كلَّ وقته لله سبحانه وتعالى، وجعل كلَّ همِّه وشغله الشاغل هو مرضاة الله عز وجل، وهذا هو تحقيق معنى العبودية.

ولقد كان من هدي النبي أنه يخص العشر الأواخر من رمضان بمزيد من الطاعة والعبادة، ومن بين هذه الطاعات التي كان يحرص عليه الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان. والاعتكاف هو: لزوم المسلم المسجد ليتفرغ لطاعة الله عز وجل وأداء العبادات من الصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن والتفكر والتأمل ومحاسبة النفس.

والغاية من الاعتكاف هو الانقطاع عن الاشتغال بالخلق وتفريغ القلب من أمور الدنيا، والاشتغال به وحده سبحانه، بحيث يصير ذكره وحبه والإقبال عليه في محل هموم القلب وخطراته، فيستولي عليه بدلاً عنها، ويصير الهم كله به، والخطرات كلها بذكره، والتفكر في تحصيل مراضيه وما يقرِّبُ منه، فإن العبد يحتاج إلى الخلوة بربه، والانقطاع عن الدنيا لذكر الله تعالى وشكره وحسن عبادته، وإن في هذا الانقطاع أثرٌ كبير في حياة المسلم من إصلاح للقلوب وتزكية للنفوس، وإعانة لها على طاعة الله تعالى، والاجتهاد فيما يرضيه عز وجل.

فبالاعتكاف يخلو القلب إلا من الله تعالى، ويتفرغ العبد من كل المشاغل والشواغل إلا ما كان في عبادة الله (عز وجل)، والاعتكاف فرصة ثمينة لأن يتفكر المسلم في عظمة الله تعالى وبديع صنعه وعظيم قدرته، ومحاسبة النفس على ضياع ما مضى من العمر في غير طاعة الله تعالى، واستدراك ما فات، فيأخذ زاداً يعينه على تعظيم الله وخشيته في قلبه، يدفعه للطاعة والعبادة بعد رمضان. لذا كانت الخلوة بالله -عز وجل- أنيس الصالحين من عباده، والانقطاع للعبادة سنة أتباع المرسلين من صفوته.

تقول أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها): «كان النبي يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده». [رواه البخاري (2026)]. وقد روى البخاري أن النبي اعتكف في العام الذي قبض فيه عشرين يوماً. والسنة لمن أراد أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان كلها مقتديًا بهدي النبي ، أن يدخل معتكفه قبل غروب الشمس من اليوم العشرين، -أي ليلة الحادي والعشرين- لكيلا يفوته شيء من فضله، وهذا قول جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة، ويخرج بانتهاء العشر ليلة العيد. ولا يخرج المعتكف من المسجد لغير حاجة، لأنه يخالف بهذا مقتضى الاعتكاف الذي عقد العزم عليه. ويحرص المعتكف أن يملئ وقته بالطاعات والقربات من الذكر والدعاء، وتلاوة القرآن، محتسباً الأجر والثواب من الله تعالى، ويجتنب ما لا يعنيه من الأقوال والأفعال، مما ينقص ثوابه عمله أو يذهبه.

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022