الأحد

1446-10-08

|

2025-4-6

كتب الشيخ الدكتور علي محمّد الصلّابي مُعزياً بوفاة الداعية الإسلامي الشيخ عصام العطار (رحمه الله):

تعزية للشعب السوري والأمة الإسلامية بوفاة الداعية الإسلامي والمفكر والأديب الكبير الشيخ عصام العطّار (رحمه الله تعالى)

قال تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (الأحزاب: 23)

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين، وبعد:

أُعزي أهل شيخنا الجليل الشيخ عصام العطّار (رحمه الله)، وأسرته وأبنائه، وأحبابه، وتلامذته، وأهل العلم والدّعوة، والعاملين في خدمة الإسلام، وأمتنا الإسلاميّة جمعاء بهذا المصاب، وأتضرع إلى المولى (عز وجل) أن يَتقبّله بقبول حسن، وأن يرزقه الفردوس الأعلى رفقة النبيين والصديقين والشهداء والصّالحين، وأن يربط على قلوب أهله وأحبابه، وأن يعوّض المسلمين بفقده خيراً، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

رحل الداعية الإسلامي والمفكر والمربَّ، وفقيه العصر، وأحد رموز الحركة الإسلامية والتيار الإسلامي الوسطي في عصرنا، بعد قرابة ثمانية عقود حافلة بخدمة الدين الإسلامي، ونشر العلم الصحيح، وجمع كلمة المسلمين، مُلبياً نداء الباري جل في علاه في مكان إقامته في مدينة آخن الألمانية في فجر اليوم الجمعة الموافق لــ 24 شوال 1445ه/ 03 مايو 2024م، بعد أن ناهز الــ 97 عاماً، وقف جُلها على نشر العلم والدّعوة إلى الله تعالى، وتربية الأجيال، ونصرة قضايا الأمة من مشرقها إلى مغربها، ومقارعة الظلم والظالمين، والوقوف في طريق الخير وإعانة المستضعفين بقلمه وعمله.

رحمه الله تعالى، وأسكنه الفردوس الأعلى، وغفر لنا وله.

ترجمة لحياة الشيخ عصام العطّار، وشيء من سيرته (رحمه الله)

- السيرة الذاتية

ولد الشيخ عصام العطّار (رحمه الله) في دمشق في عام 1345هـ/ 1927م في أعقاب الثورة السورية الكبرى ضد الفرنسيين، وينتسب إلى أسرة علمية عريقة (أسرة العطار)، وهم من أهل العلم والفقه والمحدثين، وقد لُقِّبَ بالعطار لعلمه الفقهي واللغوي، وأسلوب محاضراته الجميل في المسجد الأموي، تمرس عصام العطار على فن الخطابة منذ طفولته، وبدأ بالتعرف إلى الأدباء والكتاب مع نشأته من خلال مجلة الرسالة التي كان يصدرها أحمد حسن الزيات في القاهرة عام 1933، وعاش سنوات بين القبائل العربية في حوران في جبل العرب جبل الدروز. ولقد نشط العطار في شبابه مع الجمعيات الفكرية الإسلامية التي كان لها نشاط واسع في سورية خلال الانتداب الفرنسي، والتي تمخض عنها تأسيس جماعة الإخوان المسلمين بقيادة الشيخ مصطفى السباعي (رحمه الله) عام 1945. وكان يحفظ سيرة ابن هشام وكثير من كتب الفقه والحديث.

- صفاته وأخلاقه

يعتبر الأستاذ عصام العطار نموذج الخطيب المسلم من ناحية التأثير والعرض وإظهار حقيقة الإسلام، فخطاباته الرائعة، والحقائق التي يقدمها دامغة، وروحانية مؤثرة، وعرض للأفكار مؤثر، وهو مجاهد صادق، وداعية مخلص يُحلق بالمستمعين في أجواء الطهر والإشراق، وعظيم جاذبيته ونصاعة حجته، وبراعة خطبه، وجمال عباراته، وإشراق أسلوبه، وحماسه وتدفقه في الخطابة أطلق عليه الأستاذ علي الطنطاوي في مذكراته: نابغة الخطباء.

- الشيخ العطّار وجوانب من ثقافته ومعارفه

أما ثقافته، فكان للقرآن الكريم نصيب من تربية عصام العطار، وقد حفظ بعض المتون مثل ألفية ابن مالك في النحو والصرف، وحفظ متن الزبد حيث كان أجداده من أئمة الشافعية في بلاد الشام. وقد تعلم في دمشق، وقد حاز العديد من الجوائز في المدرسة الابتدائية. وكما تلقى دروساً في حلقات العلم على أيدي شيوخ الشام الأفذاذ، حيث درس على الألباني علوم الحديث، وحضر في المعهد العربي الإسلامي بدمشق، ثم أكملها بمطالعاته الخاصة الواسعة.

- الشيخ العطّار والعمل السياسي والانفتاح على ألوان الطيف الاجتماعي والسياسي

تميز العطار منذ بداياته، بأنه شخصية استثنائية حتى داخل الحركة الإسلامية السورية، فقد انفتح على جميع التيارات والجماعات التي تتفق أو تختلف مع أفكار الإخوان المسلمين محاولة لمّ الشمل السوري تحت مطالب أساسية تهدف البلد الذي كان يشكّل مع رحيل المستعمر الفرنسي. ومن خلال علاقته المباشرة مع مصطفى السباعي المراقب العام الأول للإخوان المسلمين في سورية، بنى علاقة وطيدة، وساهم في تشكيل رؤيته للعمل السياسي وتأثيره المباشر على العمل السياسي لجماعته.

فقد وقف العطار ضد جميع الانقلابات العسكرية السورية مجتمعة، بدءاً من انقلاب حسني الزعيم عام 1949، وانقلاب سامي الحناوي في العام نفسه، حتى انقلاب أديب الشيشكلي عام 1951، والمنظومة العسكرية التي أخذت الحكم في الستينات من القرن العشرين في سورية، حيث هاجم العطار الحكم الاستبدادي للشيشكلي هجوماً شديداً، فصدر أمر اعتقاله، فخرج إلى مصر.

- الشيخ العطّار وإقامته في مصر

في مصر انفتح العطار على شكل جديد، فقابل التيارات الفكرية المصرية المتنوعة بدءاً من الإخوان المسلمين والتيارات الأخرى، وقابل في مصر قيادات جماعة الإخوان المسلمين، ومن أبرزهم سيد قطب، كما التقى علماء لغة أثروا في مسيرته الأدبية، ومنهم محمود محمد شاكر، وعبد الوهاب عزام أديب.

أشرف العطار على مجلة المنار التي كانت يصدرها الإخوان المسلمون في سورية، ثم انتخب عضواً في المكتب التنفيذي في جماعة الإخوان المسلمين عام 1954.

- الشيخ العطّار، وعودته إلى سورية

إن مرض والد الشيخ العطار الشديد دفعه للعودة إلى دمشق عام 1952. وبعد عودته إلى دمشق، واصل العطار خطبه في مسجد جامعة دمشق في البرامكة والحلبوني، وكان المسجد يمتلئ بالألوف من الطلاب وأساتذة.

وفي عام 1955 عُقد المؤتمر الإسلامي في دمشق بحضور عدد كبير من العلماء والمفكرين الإسلاميين حيث اختير العطار أميناً عاماً للمؤتمر.

وفي العام الذي يليه تسلم قيادة الإخوان المسلمين بالإنابة حينما أوفدت الجامعة السورية مصطفى السباعي إلى أوروبا للاطلاع على مناهج الدراسات، فكانت هذه المرحلة من المراحل الصعبة بالنسبة للعطار، حيث كانت الخلافات السياسية تعم سورية.

- الشيخ عصام العطّار والوحدة بين مصر وسورية

ساند العطار وحدة سورية مع مصر، رغم موقفه من جمال عبد الناصر، مطالباً أن تكون الوحدة على أساس ديمقراطي برلماني، تبدأ الوحدة على الصعيد العسكري، والخارجي، وتعطى فترة حتى تهيأ الأسباب لما هو أكبر.

في المقابل كان جمال عبد الناصر يريد حل جميع الأحزاب والجماعات في مقابل قبوله بالوحدة، وبالفعل حل مصطفى السباعي جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن العطار استمر في دعمه للوحدة وانتقاده لأسلوب الحكم الاستبدادي، وانتقاص حقوق الإنسان من خلال خطبه في مسجد جامعة دمشق.

في عام 1961 حصل الانفصال بين سورية ومصر إثر انقلاب عسكري جديد، حيث رفض العطار الانفصال، وتمسك بالوحدة مع التعديل في أساسها، ورفض التوقيع على وثيقة الانفصال، ورفض معه الإخوان.

- الشيخ عصام العطّار ومحطات من حياته

الأربعينيات:

ـ- نشط العطار في شبابه مع الجمعيات الإسلامية، التي كان لها نشاط واسع في سورية خلال الانتداب الفرنسي.

- من خلال تلك النشاطات تعرف إلى الأديب السوري الشهير الشيخ علي الطنطاوي.

- التقى عصام العطار بالسباعي، وصار ملازما له، صديقا وتلميذا مقرّبا، وصار عضوا في جماعة الإخوان المسلمين السورية.

الخمسينيات:

- 1951م هاجم عصام العطار الحكم العسكري للشيشكلي عام 1951 هجوما شديدًا، فصدر أمر اعتقاله، وخرج إلى مصر

- 1954م عاد إلى سورية، رافق العطار، أول أمين عام لجماعة الإخوان المسلمين السورية مصطفى السباعي في جولاته ورحلاته.

- 1955م ين عصام العطار أمينا عاما لهيئة المؤتمر الإسلامي، الذي ضم كل شيوخ سورية الكبار وكل السياسيين السوريين الإسلاميين.

- 1956م عقد المكتب التنفيذي للإخوان المسلمين السوريين مؤتمره في حلب، واختير عصام العطار ممثلا ومتحدثا باسم الإخوان المسلمين.

الستينيات:

- 1961م رشح الأستاذ عصام العطار في الانتخابات البرلمانية،

- ثم صار أميناً عاماً للكتلة التعاونية الإسلامية في مجلس النواب السوري.

- رفض الأستاذ عصام العطار الانقلاب البعثي سنة 1963م، ورأى فيه الوجه الطائفي، وأعلن ذلك في مسجد الجامعة، وبقي يمارس العمل الإسلامي،

- تعرض لمحاولة اغتيال في سورية عام 1963 م، وكان في بيت علي الطنطاوي، ولكن المحاولة باءت بالفشل.

- 1968م أصيب بالشلل عندما كان في بروكسيل عام 1968، وصحبته زوجته الصبورة حتى عافاه الله ثم عرج وجهه شطر ألمانيا.

- عقب وفاة الدكتور مصطفى السباعي اختير الأستاذ عصام العطار مراقبا للإخوان في سورية، فاستمر مراقبا للإخوان في سورية حتى 1973م.

الثمانينيات، وما بعدها:

- حاول النظام السوري اغتياله وفشل، إلا أنه نجح في اغتيال صديقة عمره ورفيقه دربه زوجته بنان علي الطنطاوي، فاقتحم مسلحون المنزل، وأمطروها بالرصاص (رحمها الله).

- أيد الحراك الشعبي في تونس، وأصدر بياناً يؤيد فيه الثورة المصرية، ووجه عدة نداءات يدعو فيها الشعب السوري الثائر إلى سلمية الثورة، والبُعد عن الطائفية، وعدم الاستقواء بالأجنبي، والثبات في طريق الحرية وبناء دولة المؤسسات والمواطنة العادلة.

- وشارك في مؤتمر المعارضة السورية الذي عقد في استانبول، وألقى فيه كلمة.

- الشيخ العطَّار ومؤلفاته:

1. بلادنا الإسلامية وصراع النفوذ.

2. أزمة روحية.

3. رأي الإسلام في التحالف مع الغرب.

4. الإيمان وأثره في تربية الفرد والمجتمع.

5. كلمات، جزأين.

6. ثورة الحق.

7. من بقايا الأيام، جزأين.

8. رحيل (ديوان شعر).

رحمه الله وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. وإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ علي محمد محمد الصلابي

24 شوال 1445ه/ 03 مايو 2024م

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022