إضاءات قرآنية؛ سورة يونس..
(تسميتها، ونزولها، وفضلها)
د. علي محمد الصلابي
هي السورة العاشرة بترتيب المصحف، وهي سورة مكيّة كلّها، وقيل مكية إلا الآيات (40، 94، 95، 96)، والقول الأول هو ما عليه الإجماع، وعدد آياتها مئة وتسع آيات، وقد كان وقت نزول سورة يونس بعد نزول سورة الإسراء وقبل نزول سورة هود، ويدور موضوعها الرئيسي حول إثبات أصول التوحيد وهدم الشرك وأركانه، وإثبات الرسالة الخالدة المؤيدة من الله -تعالى- وأحداث اليوم الآخر من البعث والجزاء وما يتعلق بذلك من غايات الدين وقيمه وأسسه. وهي من السّور التي سُمّيت بأسماء الأنبياء، إذ سميت باسم نبي الله يونُس (عليه السلام)، وسبب تسميتها بذلك؛ هو ورود قول الله -تعالى- فيها: ﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةً وَآمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانٌهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا ءَامَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَفْتَهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [يونس: 98] (محمد الحجازي، التفسير الواضح، صفحة 36).
- سبب نزول سورة يونس:
- الآية الثانية:
إنّ أُولى آيات سورة يونُس، التي ورد فيها سبب نزول؛ هي الآية الثانية من السورة، وهي قوله -تعالى-: (أَكانَ لِلنّاسِ عَجَبًا أَن أَوحَينا إِلى رَجُلٍ مِنهُم أَن أَنذِرِ النّاسَ وَبَشِّرِ الَّذينَ آمَنوا أَنَّ لَهُم قَدَمَ صِدقٍ عِندَ رَبِّهِم قالَ الكافِرونَ إِنَّ هـذا لَساحِرٌ مُبينٌ).[يونس: 2]
سبب نزول هذه الآية، هو تعجّب كفار مكة، من أن يكون رسول الله ﷺ بشراً، وذلك حين بعث الله -تعالى- سيدنا محمداً ﷺ رسولاً لهم، فقالوا متعجبين من ذلك: "الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً"، يريدون بذلك أن يكون رسولُ الله ملكاً.
وقد ذكر السّيوطي (رحمه الله) في كتابه لباب النقول في أسباب النزول: حديثاً رُوي بسندٍ منقطعٍ عن ابن عباس (رضي الله عنه)، أنّه قال: (لما بعث الله محمداً رسولاً، أنكرت العرب ذلك -أو من أنكر ذلك منهم-؛ فقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً؛ فأنزل الله: (أكان للناس عجباً)). [السيوطي، أسباب النزول، ص115]
- الآية الخامسة عشرة:
قال الله -تعالى-: ﴿وَإِذا تُتلى عَلَيهِم آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذينَ لا يَرجونَ لِقاءَنَا ائتِ بِقُرآنٍ غَيرِ هـذا أَو بَدِّلهُ قُل ما يَكونُ لي أَن أُبَدِّلَهُ مِن تِلقاءِ نَفسي إِن أَتَّبِعُ إِلّا ما يوحى إِلَيَّ إِنّي أَخافُ إِن عَصَيتُ رَبّي عَذابَ يَومٍ عَظيمٍ﴾ [يونس: 15]. سبب نزول هذه الآية، هو طلب الكافرين، المستهزئين بالنبيّ ﷺ، أن يأتيهم بقرآن غير القرآن الذي أنزله الله -تعالى-، ذلك أنّهم يريدون قرآناً على هواهم، لا يُلزِمهم التوحيد، ولا يأمرهم بترك عبادة ما كانوا يعبدون من آلهة كاللات والعزى.[على الواحدي، أسباب النزول، ص264] وقد ذكر الإمام الواحدي (رحمه الله) في كتابه أسباب النزول، أنّ الآية نزلت في مشركي مكة، وهم خمسة نفر: عبد الله بن أبي أميّة المخزومي، والوليد بن المغيرة، ومكرز بن حفص، وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري، والعاص بن عامر؛ ذلك أنهم قالوا للنبيّ محمد ﷺ: إئت بقرآن ليس فيه ترك عبادة اللات والعزى. [على الواحدي، المرجع السابق نفسه، ص264]
- مما جاء في فضل سورة يونس:
1- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو قَالَ : أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ : أَقْرِئْنِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ : (اقْرَأَ ثَلَاثًا مِنْ ذَوَاتِ ﴿الر﴾). قَالَ الرَّجُلُ: كَبِرَتْ سِنِّي، وَاشْتَدَّ قَلْبِي ، وَغَلظَ لِسَانِي؟ قَالَ : ((اقْرَأَ ثلَاثاً مِنْ ذَوَاتِ ﴿حَمَ﴾). قَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ الأُولَى، فَقَالَ : ((اقْرَأْ ثَلاثًا مِنَ الْمُسَبْحَاتِ)). فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ الأُولَى، قَالَ: لَكِنْ أَقْرِئْنِي سُورَةٌ جَامِعَةً، فَأَقْرَأَهُ ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا﴾ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، قَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَيْهَا أَبَدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ، أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ )). [رواه النسائي في السنن الكبرى (١٠٤٨٤) والحاكم (٣٩٦٤) وصححه ووافقه الذهبي]. و(سورة يونس) من ذوات ﴿الر﴾ أي تبدأ بهذه الحروف الهجائية.
عَنْ وَائِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ : ((أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَمَكَانَ الزَّبُورِ الْمِنِينَ، وَمَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفَضَّلْتُ بِالْمُفَضَّل )). [رواه البيهقي في شعب الإيمان (۲۱۹۲)، وحسن إسناده الألباني في السلسة (١٤٨٠)]. و(سورة يونس) من المنين، التي أوتيها النبي ﷺ مكان الزبور.
وفضل السبع الطوال ما جاء في رواية أمّ المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) عن النبيّ ﷺ أنّه قال: (مَن أخَذَ السَّبعَ الأُوَلَ منَ القُرآنِ؛ فهو حَبْرٌ) [رواه شعيب الأرناؤوط برقم: 24531]، وقد رُوي عن سعيد بن جبير: أنّ يونس إحدى هذه الطّول.
- موضوعات سورة يونس:
لسورة يونس (عليه السلام) مقاصد عديدةٌ، آتيًا ذكرها: بيان أصول عقيدة الإسلام التي أنكرها مشركو العرب؛ من توحيد الله تعالى في ربوبيّته، وألوهيّته، وأسمائه وصفاته، وتدبيره لأمور خلقه ورحمته بهم، وتنزيهه عمّا لا يليق به من صفاتٍ.
- في الآيات بيانٌ لقصة سيدنا يونس (عليه السلام) مع قومه، وبيانٌ لإيمانهم جميعًا بدعوة سيدنا يونس بعد دعوتهم وتهديدهم بعذاب الله تعالى.
- ضرب المثل للدنيا وبيان زوالها وفنائها.
- بيان عقيدة البعث والجزاء، وأنّها حقٌّ، وإثبات رجوع الناس جميعًا إلى ربّهم، وجزاء المؤمنين منهم والكافرين.
- في الآيات دعوةٌ لأخذ العبرة والعظة من أحوال الرسل مع أقوامهم.
- فيها تأكيدٌ وإثباتٌ للوحي؛ وهو القرآن الكريم والتحدّي به، وبيان كونه مُنَزَّلًا من عند الله تعالى؛ لهداية خلقه، وبيان إعجازه، وصدق وعده ووعيده؛ ودليل ذلك إيمان قوم يونس جميعًا لما كشف الله عنهم العذاب. (في ظلال القرآن، سيد قطب، ج3 ص1746، بتصرف)
المراجع:
1- التفسير الواضح، محمد محمود الحجازي، دار الجيل الجديد – بيروت، (الطبعة العاشرة – 1413هـ ).
2- الباب النقول في أسباب النزول، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي، مؤسسة الكتب الثقافية – بيروت، الطبعة الأولى، 1422هـ - 2002م.
3- أسباب نزول القرآن، أبي الحسن بن علي الواحدي، دار الميمان – الرياض، الطبعة الأولى، 1426هـ - 2005م.
4- في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق – القاهرة، الطبعة الشرعية الثانية، 1423هـ - 2003م، بتصرف