أرأيت الذي ينهى..! (2)
الحلقة التاسعة والتسعون من كتاب
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
رجب 1443 هــ / فبراير 2022
العبودية صلاة:
يقول سبحانه:﴿عَبْدًا إِذَا صَلَّى﴾ [العلق: 10] . وصف الله تعالى رسوله بلفظ العبودية في إشارة إلى أنها من أرقى المعاني والصفات، فإن أجمل ما يوصف به الإنسان أن يكون عبدًا لربه سبحانه الذي خلقه فسواه فعدله، ولهذا كان الفضيل بن عياض رحمه الله يقول:
ومِـمَّـا زَادَنِــي شَرَفًــا وتِيـهًا *** وَكِدْتُ بِأخْمُصِي أطَأُ الثُّرَيَّا
دُخُولِي تَحْتَ قَوْلِكَ يَا عِبادِي *** وَأنْ صَيَّـرْتَ أَحْمَـدَ لِي نَبِيَّا
فهنا يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿عَبْدًا إِذَا صَلَّى﴾. يعني: كيف ينهى عبدًا أن يصلِّي لله سبحانه وتعالى؟! مع أن المقام يستدعي أن يعطى الإنسان حقه وحريته في أن يعبد ربه عز وجل، فهو لم يخطئ، وإنما عبد ربه سبحانه وتعالى، ولهذا يقول الله: ﴿أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى﴾ [العلق: 11]. وهذا أيضًا أسلوب بليغ ورفيع وعظيم في الحوار والحجة، ما قال سبحانه مثلًا: إنه كان على الهدى، ولكن قال: ﴿إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى﴾ يعني: افترض أنه كان على الهدى.
فإذا وضع هذا الاحتمال عندك؛ هل يليق أن تقوم بمثل هذا العمل؟ أو أن تواجهه بمثل هذه الطريقة؟ أو أن تحرمه حقه؟ ثم قال بعد ذلك: ﴿أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى﴾ [العلق: 12]. إن كان ما يأمر به صلى الله عليه وسلم من التقوى وطاعة الله سبحانه وتعالى.
﴿أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ [العلق: 13]. يعني: ذلك الرجل الآخر أصر وعاند.
﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾ [العلق: 14]. لقد علم ربنا سبحانه وتعالى أن أبا جهل يموت على الكفر والضلال، ويقتل شر قتلة في معركة بدر، فقد خرج محادًّا لله ورسوله، رياءً وفخرًا، وسمعة وعجبًا، فأذن الله عز وجل أن يعقر في مكانه وأن يقتل، بل ورد أنه قال لابن مسعود رضي الله عنه وهو يحز رأسه: «لقد ارتقيت يا رُوَيْعي الغنم مرتقًى صعبًا».
علم الله عز وجل أن هذا الرجل يموت على هذا الحال، ومع ذلك تجد لغة القرآن، اللغة المربية الراقية: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى﴾ [العلق: 9- 10]. فلم يسمه الله عز وجل إشارة إلى أن الإسلام ليس دينًا لصناعة المعارك مع الأشخاص، وإنما الإسلام دين للرقي بالإنسان ولصناعة الأخلاق والقيم وصناعة الروابط الاجتماعية بين الناس.
رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
http://alsallabi.com/books/view/506
كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي