تكوين الأسرة الصالحة من أهم مقاصد القرآن الكريم
الحلقة: التاسعة عشر
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
٣٠ رمضان 1441 ه/ ٢٣ مايو 2020
من المقاصد التي هدف إليها القرآن الكريم: تكوينُ الأسرة الصالحة، التي هي ركيزةُ المجتمعِ الصالحِ، ونواةُ الأمة الصالحة.ولا ريب أنّ أساسَ تكوين الأسرة هو الزواجُ الذي يربط بين الرجل والمرأة رباطاً شرعياً وثيقَ العُرا، مكين البيان، مؤسساً على تقوى من الله ورضوان، وقد اعتبر القرآن هذا الزواج ايةً من آيات الله، مثل خلق السماوات والأرض، وخلق الإنسان من تراب، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21].
فأشار إلى الدعائم الثلاثة التي تقوم عليها الحياة الزوجية، كما يرشدُ إليها القرآن، وهي: السكون، والمودة، والرحمة، ويعني بالسكون: سكون النفس من اضطرابها وثورانها توقاً إلى الجنس الآخر، بالإشباع المشروع في ظلّ مرضاة الله، فلا يعرفُ الإسلامُ الأسرةَ إلا بين رجل وامرأة، منذ الأسرة البشرية الأولى من ادم وزوجه ﴿اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ [البقرة: 35].
لا يعرف ما يدعو إليه المتحللون من الغربيين اليوم من الأسرة الوحيدة الجنس، بحيث يتزوج الرجل الرجل، والمرأة المرأة، وهذا أمرٌ ضدّ الفطرة، وضدّ الأخلاق، وضدّ الشرائع، وهو للأسف ما حاول مؤتمر السكان في القاهرة «1994م» ومؤتمر المرأة في بكين أن يفرضاه على العالم.
وبهذا يقاوم القرآن الكريم نزعتين منحرفتين:
أولهما: نزعة الرهبانية المنافية للفطرة، التي تحرّم الزواجَ، وتنظر إلى الغريزة الجنسية وكأنها رجسٌ من عمل الشيطان، وتنفر من ظل المرأة، ولو كانت أختاً أو أماً، لأنّها أُحبولةُ الشيطان.
وثانيها: نزعة الإباحية التي تطلق العنانَ للغريزة، بلا ضابط ولا رابط، وتنادي بحرية الاستمتاع الجنسي بين الرجل والمرأة، دون ارتباط بمسؤولية شرعية، تتكون من خلالها حياة زوجية ذات هدف، تنشأ منها أسرة مترابطة، تقوم على أمومة حانية، وأبوة راعية، وبنوة بارّة، وأخوة عاطفة، وتتربى في ظلها مشاعرُ المحبة، وعواطف الإيثار والتعاون.
وقد استهدف الشارع عِدّةَ مقاصد من تكوين الأسرة، منها:
1 ـ حفظُ النسل:
وتحقيقاً لهذا المقَصد قصرَ الإسلامُ الزواجَ المشروع على ما يكون بين ذكر وأنثى، وحرّم كلَّ صور اللقاء خارجَ الزواج المشروع، كما حرّم العلاقات الشاذة التي لا تؤدي إلى الإنجاب، وفي هذا تعميرٌ للأرض، وتواصلٌ للأجيال، قال الله جل شأنه: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: 61].
وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ [النحل: 72].
وكان من دعاء عباد الرحمن: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74].
وقال الخليل إبراهيم: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ ﴾ [الصافات: 100 ـ 101].
وقال زكريا عليه السلام: ﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴾ [مريم: 5 ـ 6].
فجاء الجواب الإلهي: ﴿يَازَكَريَا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا﴾ [مريم: 7].
2 ـ تحقيق السكن والمودة والرحمة:
وشرع الله أحكاماً واداباً للمعاشرة بالمعروف بين الزوجين، حتى لا تنحصرَ العلاقة بين الزوجين في صورة جسدية بحتة، قال الله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 19].
والمعروف هنا: ما يقره العرف السليم، واعتاده أهل الاعتدال والاستقامة من الناس، قال تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾ [البقرة 187]، وإنما عبر عن هذه العلاقة باللباس، لما توحي به هذه الكلمةُ من الزينة والستر واللصوق والدفء، قال تعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ [آل عمران: 195]. ومعنى : أنّ المرأة من ﴿بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾، والرجل من المرأة، فلا خصومةَ ولا تناقضَ، بل تكاملٌ وتناسقٌ وتعاونٌ.
3 ـ حفظ النسب:
ولهذا المقصد أبطل الله تعالى نظامَ التبني، وأمرنا بإرجاع نسب الأولاد بالتبني إلى أنسابهم الحقيقية، قال الله جل شأنه: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لآِبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 4 ـ 5].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيّما رجلٍ دعا إلى غير والديه، أو تولّى غير مواليه الذين أعتقوه، فإنّ عليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين إلى يوم القيامة، لا يُقْبَلُ منه صرف ولا عدلٌ».
ولأجل حفظ النسب حرَّم الإسلام أيضاً الزنى، وشرعت الأحكام الخاصة بالعدة، وعدم كتم ما في الأرحام، وإثبات النسب وجحده، وهي أحكامٌ لها تفصيلها في مظانّها من المراجع الفقهية.
4 ـ الإحصان:
يوفّر الزواجُ الشرعيُّ صونَ العفاف، ويحقِّقُ الإحصان، ويحفظ الأعراض، ويسدُّ ذرائع الفساد الجنسي بالقضاء على فوضى الإباحية والانحلال، وقد اختصّ الإسلامُ بمراعاته للفطرة البشرية، وقبولهم بواقعه، ومحاولة تهذيبها، والارتقاء بها، لا كبتها وقمعها، قال الله جل شأنه: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾[ال عمران: 14]، وهي شهواتٌ مستحبّةٌ مستلذَّة، لكنّها يجب أن توضع في مكانها لا تتعداها، ولا تطغى على ما هو أكرم في الحياة وأعلى.
والقرآن الكريم لا يضع أي قيد على الاستمتاع بين المرء وزوجه: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: 223]، ما دام الاستمتاع في موضع الحرث، وفي غير زمن الأذى، قال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيْضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾[البقرة: 222].
5 ـ حفظ التدين في الأسرة:
الأسرةُ هي محضن الأفراد، لا برعاية أجسادهم فقط، بل بغرس القيم الدينية والخلقية في نفوسهم، وتبدأ مسؤولية الأسرة في هذا المجال قبل تكوّن الجنين، بحسن اختيار كلٍّ من الزوجين إلى الآخر، وأولوية المعيار الديني والخلقي في هذا الاختيار. قال تعالى: ﴿وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾[البقرة: 221].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خطبَ إليكم مَنْ ترضونَ دينَه وخُلُقَهُ فزوّجوه، إلاّ تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ عريضٌ».
وتستمر مسؤوليةُ الأسرةِ بتعليم العقيدة والعبادة والأخلاق لأفراد الأسرة، وتدريبهم على ممارستها، ومتابعة ذلك حتى بلوغ الأطفال رشدهم، واستقلالهم بالمسؤولية الدينية عن تصرفاتهم، قال تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه 132].
وقال جل شأنه عن النبي إسماعيل عليه السلام: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾ [مريم: 55].
وقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].
الحلقة: التاسعة عشر
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
٣٠ رمضان 1441 ه/ ٢٣ مايو 2020
من المقاصد التي هدف إليها القرآن الكريم: تكوينُ الأسرة الصالحة، التي هي ركيزةُ المجتمعِ الصالحِ، ونواةُ الأمة الصالحة.ولا ريب أنّ أساسَ تكوين الأسرة هو الزواجُ الذي يربط بين الرجل والمرأة رباطاً شرعياً وثيقَ العُرا، مكين البيان، مؤسساً على تقوى من الله ورضوان، وقد اعتبر القرآن هذا الزواج ايةً من آيات الله، مثل خلق السماوات والأرض، وخلق الإنسان من تراب، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21].
فأشار إلى الدعائم الثلاثة التي تقوم عليها الحياة الزوجية، كما يرشدُ إليها القرآن، وهي: السكون، والمودة، والرحمة، ويعني بالسكون: سكون النفس من اضطرابها وثورانها توقاً إلى الجنس الآخر، بالإشباع المشروع في ظلّ مرضاة الله، فلا يعرفُ الإسلامُ الأسرةَ إلا بين رجل وامرأة، منذ الأسرة البشرية الأولى من ادم وزوجه ﴿اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ [البقرة: 35].
لا يعرف ما يدعو إليه المتحللون من الغربيين اليوم من الأسرة الوحيدة الجنس، بحيث يتزوج الرجل الرجل، والمرأة المرأة، وهذا أمرٌ ضدّ الفطرة، وضدّ الأخلاق، وضدّ الشرائع، وهو للأسف ما حاول مؤتمر السكان في القاهرة «1994م» ومؤتمر المرأة في بكين أن يفرضاه على العالم.
وبهذا يقاوم القرآن الكريم نزعتين منحرفتين:
أولهما: نزعة الرهبانية المنافية للفطرة، التي تحرّم الزواجَ، وتنظر إلى الغريزة الجنسية وكأنها رجسٌ من عمل الشيطان، وتنفر من ظل المرأة، ولو كانت أختاً أو أماً، لأنّها أُحبولةُ الشيطان.
وثانيها: نزعة الإباحية التي تطلق العنانَ للغريزة، بلا ضابط ولا رابط، وتنادي بحرية الاستمتاع الجنسي بين الرجل والمرأة، دون ارتباط بمسؤولية شرعية، تتكون من خلالها حياة زوجية ذات هدف، تنشأ منها أسرة مترابطة، تقوم على أمومة حانية، وأبوة راعية، وبنوة بارّة، وأخوة عاطفة، وتتربى في ظلها مشاعرُ المحبة، وعواطف الإيثار والتعاون.
وقد استهدف الشارع عِدّةَ مقاصد من تكوين الأسرة، منها:
1 ـ حفظُ النسل:
وتحقيقاً لهذا المقَصد قصرَ الإسلامُ الزواجَ المشروع على ما يكون بين ذكر وأنثى، وحرّم كلَّ صور اللقاء خارجَ الزواج المشروع، كما حرّم العلاقات الشاذة التي لا تؤدي إلى الإنجاب، وفي هذا تعميرٌ للأرض، وتواصلٌ للأجيال، قال الله جل شأنه: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: 61].
وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ [النحل: 72].
وكان من دعاء عباد الرحمن: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74].
وقال الخليل إبراهيم: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ ﴾ [الصافات: 100 ـ 101].
وقال زكريا عليه السلام: ﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴾ [مريم: 5 ـ 6].
فجاء الجواب الإلهي: ﴿يَازَكَريَا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا﴾ [مريم: 7].
2 ـ تحقيق السكن والمودة والرحمة:
وشرع الله أحكاماً واداباً للمعاشرة بالمعروف بين الزوجين، حتى لا تنحصرَ العلاقة بين الزوجين في صورة جسدية بحتة، قال الله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 19].
والمعروف هنا: ما يقره العرف السليم، واعتاده أهل الاعتدال والاستقامة من الناس، قال تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾ [البقرة 187]، وإنما عبر عن هذه العلاقة باللباس، لما توحي به هذه الكلمةُ من الزينة والستر واللصوق والدفء، قال تعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ [آل عمران: 195]. ومعنى : أنّ المرأة من ﴿بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾، والرجل من المرأة، فلا خصومةَ ولا تناقضَ، بل تكاملٌ وتناسقٌ وتعاونٌ.
3 ـ حفظ النسب:
ولهذا المقصد أبطل الله تعالى نظامَ التبني، وأمرنا بإرجاع نسب الأولاد بالتبني إلى أنسابهم الحقيقية، قال الله جل شأنه: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لآِبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 4 ـ 5].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيّما رجلٍ دعا إلى غير والديه، أو تولّى غير مواليه الذين أعتقوه، فإنّ عليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين إلى يوم القيامة، لا يُقْبَلُ منه صرف ولا عدلٌ».
ولأجل حفظ النسب حرَّم الإسلام أيضاً الزنى، وشرعت الأحكام الخاصة بالعدة، وعدم كتم ما في الأرحام، وإثبات النسب وجحده، وهي أحكامٌ لها تفصيلها في مظانّها من المراجع الفقهية.
4 ـ الإحصان:
يوفّر الزواجُ الشرعيُّ صونَ العفاف، ويحقِّقُ الإحصان، ويحفظ الأعراض، ويسدُّ ذرائع الفساد الجنسي بالقضاء على فوضى الإباحية والانحلال، وقد اختصّ الإسلامُ بمراعاته للفطرة البشرية، وقبولهم بواقعه، ومحاولة تهذيبها، والارتقاء بها، لا كبتها وقمعها، قال الله جل شأنه: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾[ال عمران: 14]، وهي شهواتٌ مستحبّةٌ مستلذَّة، لكنّها يجب أن توضع في مكانها لا تتعداها، ولا تطغى على ما هو أكرم في الحياة وأعلى.
والقرآن الكريم لا يضع أي قيد على الاستمتاع بين المرء وزوجه: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: 223]، ما دام الاستمتاع في موضع الحرث، وفي غير زمن الأذى، قال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيْضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾[البقرة: 222].
5 ـ حفظ التدين في الأسرة:
الأسرةُ هي محضن الأفراد، لا برعاية أجسادهم فقط، بل بغرس القيم الدينية والخلقية في نفوسهم، وتبدأ مسؤولية الأسرة في هذا المجال قبل تكوّن الجنين، بحسن اختيار كلٍّ من الزوجين إلى الآخر، وأولوية المعيار الديني والخلقي في هذا الاختيار. قال تعالى: ﴿وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾[البقرة: 221].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خطبَ إليكم مَنْ ترضونَ دينَه وخُلُقَهُ فزوّجوه، إلاّ تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ عريضٌ».
وتستمر مسؤوليةُ الأسرةِ بتعليم العقيدة والعبادة والأخلاق لأفراد الأسرة، وتدريبهم على ممارستها، ومتابعة ذلك حتى بلوغ الأطفال رشدهم، واستقلالهم بالمسؤولية الدينية عن تصرفاتهم، قال تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه 132].
وقال جل شأنه عن النبي إسماعيل عليه السلام: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾ [مريم: 55].
وقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].
يمكنكم تحميل سلسلة كتب الإيمان كتاب:
الإيمان بالقرآن الكريم
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book172.pdf
الإيمان بالقرآن الكريم
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book172.pdf