الثلاثاء

1447-02-25

|

2025-8-19

(العقيد عميروش وتأمين مؤتمر الصومام)

من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):

الحلقة: 285

بقلم: د.علي محمد الصلابي

شوال 1443 ه/ مايو 2022م

بعد عدة اتصالات ومشاورات بين قادة المناطق والمسؤولين في العاصمة ؛ تم الاتفاق على اختيار منطقة وادي الصومام لعقد هذا اللقاء نظراً لموقعها الاستراتيجي الذي يجعل منها حصناً منيعاً للمجاهدين، بالإضافة إلى كون المواطنين في هذه المنطقة قد احتضنوا الثورة، بحيث أصبح التنظيم الثوري فيها محكماً شاملاً وفعالاً، مما جعل كل الظروف مساعدة لاجتماع قادة المناطق في جو الأمن والأمان والاطمئنان.

ولقد أشرف على توفير هذه الظروف المثالية قبل وأثناء المؤتمر السيد عميروش ايت حمودة قائد الناحية، حيث شرع فيها منذ مطلع عام 1956م، بعد أن أعطيت له الأوامر من قيادة المنطقة بخصوص الشروع في التحضيرات المتعلقة باستقبال المشاركين، وتهيئة مكان انعقاد المؤتمر وذلك تحت مسؤوليته المباشرة.

وكان المكان الأول المحدد والمتفق عليه من طرف القيادة هو قلعة بن عباس، ولكن لظروف أمنية وتحركات عسكرية للجيش الفرنسي تقرر تغيير المكان المقرر لعقد المؤتمر، وقد جاءت فكرة تغيير المكان المقرر للمؤتمر بعد اتصالات بين كريم بلقاسم قائد المنطقة ونائبه على ناحية الصومام عميروش، الذي اقترح منطقة أخرى أوزلاقين على الضفة الغربية لوادي الصومام، ببلدية إغزر أمقران بدائرة أقبو لحصانتها وموقعها الاستراتيجي المطل على حوض الصومام، ولكونها مفتوحة مباشرة على جبال جرجرة المغطاة بغابات كثيفة، مما يسهل مراقبة حركات العدو لمسافات كبيرة، كما يفسح المجال الواسع للانسحاب نحو جبال جرجرة الحصينة بكل سهولة وبسرعة أكبر من سرعة العدو. هذا إلى جانب تجنيد سكانها الكلي مع الثورة لقوة التنظيم الثوري بها، والذي سهر لعدة أشهر على إرسائه في كل الناحية، لذلك لم يتردد في اقتراح المكان الحصين القوي لانعقاد مثل هذا الحدث الخطير الهام.

وقد كلف قائد المنطقة السيد كريم بلقاسم رسمياً عميروش بالتحضير للمؤتمر من جميع النواحي سواء الجانب البشري أو المادي أو الأمني، وحتى التنظيمي، بحكم أن هذا الأخير كان أكثر دراية واطلاعاً بالناحية، كما كان يحظى باحترام وحب سكان المنطقة الذين كانوا يكنون للثورة ولعميروش ولاءً كبيراً.(1)

ويعود اختيار منطقة وادي الصومام إلى اعتبارها مظهراً من مظاهر السيطرة العسكرية لجيش التحرير، لأن هذا المكان بالذات الذي اختير للمؤتمر كان الفرنسيون يزعمون ويدعون أنهم سيطروا عليه، لذلك أراد قادة جيش التحرير أن يكون المؤتمر قوياً في بدايته، وأن يتحدَّوا العدو ويظهروا للرأي العام الفرنسي والعالمي مدى قوة وسيطرة جيش التحرير الوطني في حربه هذا على الاستعمار، وأن المكان الذي أعلن القادة المستعمرون أنهم سيطروا عليه وتمت تصفيته من الثوار ؛ استطاع قادة الثورة أن يعقدوا فيه أول مؤتمر لهم.(2)

ومن أجل إنجاح تنظيم المؤتمر أنشأ عميروش لجنة للتحضير المادي والعملي والأمني تتكون من: قاسي حماي نائب سياسي في حوض الصومام، وأحمد فضال «سي حميمي» وعبد الرحمن أوميرة، الأول مكلف بتكثيف العمليات والكمائن بناحية بوقاعة لاستدراج العدو وشغله، والثاني مكلف بتأمين الطريق، كما سخر حوالي 500 جندي لحماية المؤتمر، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من المسبلين لمراقبة تحركات العدو في المنطقة، وكلف السيد حسين صالح بتوفير التموين والإشراف عليه، وإحضاره من أماكن بعيدة لكي لا يختل الاستهلاك المحلي فيتفطن العدو لأي تغيير أو أمر غير عادي، وكلف السيد نايت كعباش بالاستعلامات ومراقبة سكان المنطقة أيام المؤتمر والحفاظ على السرية التامة لأشغاله، فسهر ومن معه على توجيه السكان، وكلف أيضاً السيد عبد الحفيظ أمقران وسي الطاهر عميروش بمتابعة محاضر المؤتمر.(3)

ومن خلال هذه التحضيرات أظهر عميروش كفاءة عالية في التنظيم والإعداد، كان قد اكتسبها خلال نشاطه السياسي في باريس قبل الثورة، أما عن الجانب الأمني فقد أشرف شخصياً على تأمين المكان بزرع رجاله في مختلف أرجاء الناحية، بحيث أصبحت كلها تحت سيطرة جيش التحرير، كما أرسل أعوانه ومساعديه لاستقبال ومرافقة الوفود القادمة للاجتماع، وفي هذا الإطار أرسل مساعده السيد قاسي حماي مع مرشدين لاستقبال وفد المنطقة الثانية، حيث يقول السيد علي كافي بهذا الخصوص، وتم اللقاء بين ممثلي المنطقة الثالثة المنظمة للمؤتمر وبين المشاركين من بقية المناطق على مشارف حدودها مع مرشدين، وبالنسبة للمنطقة الثانية التي كنت من ضمن وفدها كان في استقبالها المسؤول قاسي على حدود المنطقة، والذي أصبح فيما بعد رائداً، وبالنسبة للرابعة ذهب عميروش لاستقبالهم.(4)

وعموماً أرسل عميروش دوريات لاستقبال وفود المناطق الحربية بهدف ايصالها إلى مقر المؤتمر، وتجنُّب العدو الذي كان يقوم بعملية مسح للمنطقة، ولكن برغم ذلك فإن وفد المنطقة الثانية احتك بقوات العدو خلال الاشتباك معها في عدة مواقع جعلته يتأخر قليلاً بسبب انقسامه نتيجة دخوله في مواجهة مع بعض تلك القوات التي كانت منتشرة بكثرة في المنطقة.(5)

والمتتبع للأمور يجد أن مصير قادة الثورة كان في يد عميروش، الذي برهن من جديد على عبقريته وحنكته العسكرية، التي جعلت من كريم بلقاسم يثق به وبإجراءاته وتدابيره التي كانت تقريباً في كل الأحوال ناجحة، لأن الرجل كان عارفاً بالناحية وسكانها، كما أنه اكتسب الأسلوب الأمثل للتعامل مع القوات الفرنسية كراً وفراً وتأميناً لجنوده وضيوفه وقادة الثورة المباركة في الداخل، فقد نجح في تأمين المكان لعقد المؤتمر. وقد استطاع عميروش ـ بفضل الله ثم تنظيمه المحكم وسهره الدائم ليل نهار ـ أن يوفر الجو الأمثل لانعقاد المؤتمر الذي دام لعدة أيام، حيث أن الوفود لم تصل في وقت واحد، وتحتم على المؤتمرين الانتظار ترقباً لوصول وفود أخرى، وهذا ما جعل مهمة عميروش ورجاله تطول وحرصه يزيد.(6)

وقد سهر على أمر المؤتمر وخدمته حوالي 800 جندي، بالإضافة إلى حوالي 600،1 مسبل وهو عدد ضخم.

وأما خلال أيام المؤتمر، فإن الأمور سارت على أحسن مايرام سواء من حيث التنظيم أو التموين أو الحراسة والتمويه، الذي كان يتم بشن الهجومات ونصب الكمائن ضد العدو في مناطق بعيدة نوعاً ما عن مقر المؤتمر، قصد شغله واستدراجه إلى مناطق يريد جيش التحرير أن يجذبه لها، وهي نفس المهمة التي أسندت إلى السيد أحمد فضال «السي حميمي» من طرف عميروش الذي سخر كل جهده ووقته وذكائه وخبرته للقيام بالمهمة التي أسندت إليه على أكمل وجه.(7)

وعموماً فإن عميروش ساهم في نجاح مؤتمر الصومام بما وفره هو ورجاله من أجواء مناسبة لانعقاده فوق أرض الوطن.(8

مراجع الحلقة الخامسة والثمانون بعد المائتين:

)) شوقي عبد الكريم، دور العقيد عميروش في الثورة الجزائرية، ص 107، 108، 109.

2)) المصدر نفسه ص 109.

3)) المصدر نفسه ص 110.

4)) المصدر نفسه ص 111.

5)) المصدر نفسه ص 111.

6)) المصدر نفسه ص 113.

7)) المصدر نفسه ص 114.

8)) المصدر نفسه ص 115.

يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي

الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى

alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF

الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf

الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf

كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:

http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022