الثلاثاء

1446-11-01

|

2025-4-29

تأملات في الآية الكريمة {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ}

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 278

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

شوال 1444ه/ مايو 2023م


ابتدأ كلامه بالحمد إشعاراً بشكر النعمة وتقديرها، إذ إن هذه الآيات من سورة إبراهيم - عليه السّلام - تحدثت عن آخر حياة إبراهيم بعد فراغه من بناء البيت وإقرار الله عينه برؤية أبنائه وذريته، ودعائه لهم بأن يكونوا ممن يقيم الصلاة، ويسلم من الشرك.(1)


1. {الْحَمْدُ لِلَّهِ}:
فيه معنى القصر، أي أن الحمد لله تعالى وحده، فهو مانح النعم ومُجريها وحده.(2)
وعرّف ابن قيم الجوزية "الحمد" بأنه: إخبار عن محاسن المحمود مع حبّه وإجلاله وتعظيمه،(3) وإنَّ إبراهيم عليه السلام يحمد الله على نعمائه ويحمده كذلك على ما اتّصف به سبحانه من صفات الكمال والعظمة.(4)


2. {الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ}:
والوهب هو عطاء من الله بلا مقابل منك وكل الذرية هبة، ولذا قال الله تعالى: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)} ]الشورى:49-50[، إنه يحمد الله ويشكره على وهبه إسماعيل وإسحاق {عَلَى الْكِبَرِ} مع أنه كبير، وهذا يدلُّ على جلال الشعور بالنعمة، إن ذلك واضح أنه إكرام من الله بخرق الأسباب وإن شكر النعمة بذكر إسماعيل وإسحاق فيه معنى جليل؛ لأنهما ولدا أبي الأنبياء الذين جاؤوا بعد إبراهيم عليه السّلام، فكأن النبوّة انحصرت في ذريته عليه السلام، كما يبدو من قصص القرآن الكريم الصادق في ذاته.(6)
وإنما ذكر {عَلَى الْكِبَرِ}؛ لأن المنّة بهبة الولد في هذا السن أعظم من حيث إن هذا الزمان زمن وقوع اليأس من الولادة، والظفر بالحاجة في وقت اليأس من أعظم النعم، ولأن الولادة في تلك السن العالية كانت آية لإبراهيم عليه السلام.(7)
وفي قوله تعالى: {عَلَى الْكِبَرِ}: تفيد {عَلَى} الاستعلاء، فالكبر ضعف، ولكن إرادة الله أقوى من الضعف فقوله تعالى: {وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ..} جعل قدرة الله في العطاء فوق الشيخوخة.( 8 )
وفي قوله: {إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ}، قدم إسماعيل على إسحاق- عليهما السّلام- يدل على أن إسماعيل هو الأكبر.(9)
ويعلّمنا إبراهيم عليه السلام الاعتراف بفضل الله ونعمائه علينا التي لا تحصى، والواجب أن تقابل بالحمد والشكر، وذلك بتسخيرها في طاعة الله، كما يعلّم البشرية ألا تتوقف عن الدعاء لله وألا تقنط من رحماته تعالى، وذلك بالتأكيد على أن الله سميع الدعاء.(10)


3. {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ}:
فالمراد بالسمع هنا: السمع الخاص، وهو سمع الإجابة والقبول، لا السمع العام؛ لأنه سبحانه سميع لكل مسموع، وإذا كان كذلك فالدعاء هنا يتناول دعاء الثناء ودعاء الطلب، وسمع الربّ تبارك وتعالى له إثباته على الثناء، وإجابته للطلب، فهو سميع لهذا وهذا.(11)

 

وقد أكد إبراهيم عليه السلام أن الله سميع الدعاء:
- أولاً: بالجملة الاسمية.
- ثانياً: بـــ "إن" المؤكدة.
- ثالثاً: باللام في قوله {لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ}.
وعبّر بقوله: {إِنَّ رَبِّي} فيه أيضاً شعور بالشكر الجزيل لربه، لأنه الذي ربّاه وكونه وقام على شئونه واستجاب دعاءه.
لقد كان إبراهيم عليه السلام صورة سامية للفطرة الإنسانية، وأوضح هذه الفطرة حبّ الذرية والحدب عليها وإكرامها وتوجيهها إلى الحق وإلى عبادة الله تعالى ولذا قال الله تعالى على لسانه.(12)

مراجع الحلقة الثامنة والسبعون بعد المائتين:
(1) حديث القرآن عن إسماعيل وإسحاق عليهما السلام، د. سليمان إبراهيم الحصين، ص475.
(2) زهرة التفاسير، الإمام محمد أبو زهرة، (8/4042).
(3) بدائع الفوائد، ابن قيم الجوزية، (2/93).
(4) الثناء في القرآن الكريم، هتون سامي عبد الرحمن فلمبان، ص37.
(5) تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، (12/7582).
(6) زهرة التفاسير، الإمام محمد أبو زهرة، (8/4042).
(7) التفسير الكبير مفاتيح الغيب (تفسير الرازي)، (9/262).
(8) تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، (12/7584).
(9) حديث القرآن عن إسماعيل وإسحاق عليهما السلام، د. سليمان إبراهيم الحصين، ص476.
(10) وإبراهيم الذي وفّى، فرحات بن علي الجّعبيري، ص100.
(11) بدائع الفوائد، ابن قيم الجوزية، (3/4).
(12) زهرة التفاسير، الإمام محمد أبو زهرة، (8/4043).

 

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي

http://www.alsallabi.com/salabibooksOnePage/27


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022