السؤال
سؤالي هو: هل قوله تعالى: "ولم يكن له كفوا أحد" تتوافق مع الزمن الماضي فقط؟ أم ممكن أن تمتد إلى الزمن الحاضر والمستقبل، وليس الماضي فقط؟ أي إذا قلنا إن هناك إلها آخر الآن (وليس مخلوقاً؛ لأن المخلوق لا يكون إلهاً، بل يكون مصنوعاً من غيره وهو الله تعالى)، وهذا الإله له كونه الخاص به، المستقل –طبعاً- عن الكون الذي خلقه الله، أي غير مشارك لله في نفس الكون، فعندئذ نقول: هذا لا يجوز؛ لأن الله لم يكن له كفواً أحد، أي بقولك هذا فقد جعلت لله كفواً في ألوهيته؟ أي عبارة لم يكن له كفواً أحد كمثل قوله تعالى: "كان الله سميعاً بصيراً"، وكقوله تعالى: "لم يلد ولم يولد"، وكقوله تعالى: "لم يتخذ صاحبة ولا ولداً "، أي في الماضي والحاضر والمستقبل؛ لأنه ليس لصفات الله –تعالى- حد محدود كما قال سيدنا علي –رضي الله عنه-، أي أن كل صفات الله مطلقة أزلية أبدية، فلا يعقل أن الله –تعالى- لم تكن له صاحبة في الماضي، وفى المستقبل سوف تكون له صاحبة أو كفؤ أو ولد أليس كذلك؟ وحتى لو قلنا قوله –تعالى-: "ولم يكن له كفواً أحد" تنطبق على الماضي فقط، فالماضي ممكن أن يكون بعيداً أي قبل ألف سنة، أو قريباً كأن يكون البارحة، أو قبل ثانيتين أو ساعتين من الآن، أليس هذا صحيحاً؟ وهل قوله تعالى: "ولم يكن له كفواً أحد" تعتبر صفة من صفات الله؟ وما هي هذه الصفة؟ هل هي الواحد والأحد؟ أجيبوني عن هذا السؤال، وبارك الله فيكم.
الجواب
الحمد لله. وبعد:
فإن "كان" فعل يستعمل في لغة العرب على أوجه متعددة، وأكثرها وأشهرها: الدلالة على انقطاع الزمان كقولهم: كان الشباب عذباً والعود رطبًا، وقد لا تدل على الانقطاع، كقوله تعالى: "وكان الله غفورًا رحيمًا" [النساء: 96].
قال الشاعر:
كنّا إذا ما أتانا صارخٌ فَزِعٌ كان الصراخُ له قرعَ الظنابيب
أراد أنّ ذلك خلق لهم مستمر لا ينقطع.
قال أبوحيان الغرناطي في (البحر المحيط) : (لا يراد بـ "كان" تقييد الخبر بالمخبر عنه في الزمان الماضي المنقطع في حقّ الله –تعالى-، وإن كان موضوع "كان" ذلك، بل المعنى على الديمومة، فهو تعالى رقيب علينا في الماضي وغيره).
وقال الراغب الأصفهاني في (مفردات ألفاظ القرآن): "كان" : عبارة عمّا مضى من الزمان، تنبئ عن معنى الأزلية، قال تعالى: "وكان الله بكل شيء عليمًا"[الأحزاب: 40]، "وكان الله على كل شيءٍ قديرًا"[الأحزاب: 27]، وما استعمل منه في جنس الشيء متعلقًا بوصفٍ هو له موجود فيه: فتنبه على أن ذلك الوصف لازمٌ له، قليل الانفكاك منه . نحو قوله في الإنسان: "وكان الإنسان كفورًا"[الإسراء: 67]، فذلك تنبيه على أن ذلك الوصف لازم له قليل الانفكاك منه، ثم قال: وإذا استعمل في الزمان الماضي: فقد يجوز أن يكون المستعمل فيه بقي على حالته كما تقدم ذكره آنفا، ويجوز أن يكون قد تغيّر نحو: كان فلان كذا ثم صار كذا. ولا فرق بين أن يكون الزمان المستعمل فيه "كان" قد تقدم تقدمًا كثيرًا، نحو أن تقول: كان في أول ما أوجد الله –تعالى-، و بين أن يكون في زمان قد تقدم بآنٍ واحد عن الوقت الذي استعملت فيه "كان"، نحو أن تقول: كان آدم كذا..). و الخلاصة أن الله -سبحانه وتعالى- لم يكن له كفوًا أحد في الماضي والحاضر والمستقبل. و قوله تعالى : "ولم يكن له كفوًا أحد" [الإخلاص: 4] أي لم يكن له شبيه و لا مثيل، ولا عِدل له، وليس كمثله شيء، والواحد والأحد من أسماء الله الحسنى، قيل هما معنى واحد فهما مترادفان، وقيل: ليسا مترادفين، إذ لا يوصف شيء بالأحدية غير الله –تعالى-، بل : أحد صفة من صفات الله –تعالى- استأثر بها، و ذكر العلماء وجوهًا أخرى في الفرق بينهما، والأسماء تدل على الصفات باعتبار المعاني. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المجيب
د. عثمان بن جمعة عثمان ضميرية
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى