الخميس

1446-11-17

|

2025-5-15

في سيرة صلاح الدين الأيوبي:
اهم الدروس المستفادة من فتح بيت المقدس:
الحلقة: الثانية و التسعون    
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
محرم 1442 ه/ سبتمبر 2020


من خلال عرض أحداث الحلقات السابقة تظهر للباحث عدَّةُ دروسٍ ، وعبر ، وفوائد في حياتنا المعاصرة ، منها:
1 ـ أهمية العلماء الرَّبَّانيين في إيقاظ الأمَّة: إنَّ الأمة في أشدِّ الحاجة لمن يوقظها من نومها ، ويخرجها من جهلها ، وينبِّهها من غفلتها ، فالخير الذي تمَّ على يدي صلاح الدين كان من أسبابه حركة العلماء في التربية ، والتعليم ، والتوجيه ، والإرشاد. فالدور الأكبر الذي ينتظر العلماء الربَّانيين تصفية عقيدة الأجيال القادمة ممَّا شابها من العقائد الباطلة ، والفاسدة ، والخرافات ، والشِّركيَّات ، وتصفية السنَّة مما شابها ، وتصفية التاريخ الإسلامي ممَّا شابه من افات لإبراز لالىء تاريخ أمتنا العظيم ، ولاستخلاص العبر، وتصفية الفقه ممَّا شابه من الاراء ، والمحدثات المخالفة ، وتصفية الوعظ ممَّا شابه من الإسرائيليات، والخرافات ، وأحاديث القُصَّاص ، وتربية الجيل على هذا ، هذا هو اسسُ أيِّ إصلاحٍ لإقامة أيِّ نهوض.
وينبغي على العلماء أن يوجِّهوا المربِّين إلى إصلاح مناهج التعليم ، والتربية لإعداد النشء على حبِّ الجهاد ، وأن يضع نصب عينيه تاريخ القادة العظام؛ الذين دوَّخوا الكافرين ، أمثال الخلفاء الراشدين ، وأبي عبيدة ، ومعاذ ، وخالد بن الوليد ، والمثنى بن حارثة ، ونور الدين ، وصلاح الدين ، وقطز ، وبيبرس ، وأن يُدَرَّس لهذا النشء معارك الإسلام الفاصلة ، وإلهاب عاطفتهم من الصِّغر على حبِّ البذل ، والعطاء لدينهم ، وعلى العلماء أن يأمروا بالمعروف ، وينهوا على المنكر، ويواجهوا الشرَّ ، وهبوط العزائم ، ويصونوا الأمة من أن يعبث بها كلُّ ذي هوىً، وكلُّ ذي شهوة. 
ولابدَّ أن يصلح العلماء اعوجاج الأمة ، وقادتهم ، وفيهم الجبار الغاشم ، والمتسلِّط ، وفيهم الهابط الذي يكره الصُّعود، والمسترخي الَّذي يكره الاشتداد ، والمنحل الذي يكره الجدَّ ، والظالم الذي يكره العدل ، وفيهم المنحرف الذي يكره الاستقامة ، وفيهم ممن ينكرون المعروف ، ويعرفون المنكر ، ولن تعود القدس إلا أن يقود العلماء الرَّبَّانيين مسيرة الأمة، ويوجهوا الحكَّام إلى الخير.
2 ـ تربية الجيل على عقيدة أهل السنة والجماعة:الدُّعاة إلى الإسلام ، والناشدون لتحرير القدس ، والأقصى لابدَّ لهم من تربية جيل النصر المنشود على العقيدة؛ التي كان عليها الرَّسول ، وأصحابه ، وتصفية العقيدة مما شابها من العقائد الباطلة ، والفاسدة ، والخرافيات ، والشركيات ، والبدع. ولله درُّ الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة القائل: لن يصلح اخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. وما أجمل قول القائل: أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم؛ تقم لكم على أرضكم. وما سقطت القدس إلا على أيدي أهل البدع الفاطميين ، وما ضاعت إلا لما ضاع الولاء ، وتحالف رجال الثورة العربية مع الإنجليز ضدَّ المسلمين من الأتراك ، وما سقطت القدس إلا بعد انحرف الناس عن الجادَّة ، وصار ربَّان السفينة ممَّن يغيِّب الإسلام في الصراع ، ومحال أن تعود القدس على أيدي أناس يسبُّون صحابة رسول الله، ويكفِّرونهم ، ويطعنون في الثَّوابت من هذا الدين ، وهم ، ومَنْ على شاكلتهم كانوا الخناجر التي طُعنت بها الأمَّة ، والله يفتح مغاليق الأمور لمن علم في قلبه الصِّدق ، والعزيمة ، وسلامة النَّهج ، وصفاء التَّوحيد ، والولاء.
3 ـ تحرير الولاء لله ورسوله والمؤمنين: وهذا بيت القصيد ، ولا بدَّ أن يعلمه القاصي ، والداني ، الصَّغير ، والكبير من هذه الأمَّة ، وأنَّ البغض لهؤلاء اليهود ، والنصارى؛ لكفرهم أولاً ، ولأنهم اغتصبوا ديارنا ثانية ، وتصريحاتُ زعمائهم تدلُّ على أنَّ الحرب بيننا وبينهم دينية ، فمثلاً حكام أمريكا حبُّهم ، وولاؤهم لإسرائيل من منطلق ديني توارتي بحت ، فهم يقدِّسون التوارة «العهد القديم» مثلما يقدِّسون الإنجيل «العهد الجديد» وقيام إسرائيل ، وحمايتها قام على أساس التزام دينيٍّ من إنجلترا ، وأمريكا ، فعارٌ على الأمة أن تسلِّم رقابها ، ورقاب أبنائها ، وثرواتها ، وأراضيها إلى أعدائها ، وعارٌ على ألأمَّة أن تتنكَّر لإسلامها ، وتتسَوَّل نفايات الفكر اليوناني الرُّوماني العفن، عارٌ على الغنيِّ أن يتسَوَّل.
وقد تحدَّث الرؤوساء الأمريكيُّون عن ماذا تعني إسرائيل بالنسبة لهم ، فقد أصدرت جريدة هيرالد تريبيون الدَّولية تقريراً خاصَّاً في عددها رقم 35818 بتاريخ 29/4/1998 م ، ونشرت فيه كلماتٍ لعشرة رؤساء لأمريكا ، على مدى خمسين عاماً منذ نشأة إسرائيل حتى الان ، ويؤكِّدون في كلماتهم ضمانهم لأمن إسرائيل ، وذكرت الجريدة في تعليقها: أنه منذ تحقيق الاستقلال سنة 1948 ، كان لإسرائيل مكانٌ خاصٌّ في قلوب الأمريكيين ، وفي قلوب رؤساء أمريكا، ففي كلِّ إدارةٍ كان الرئيس يعترف بأهميَّة أمن إسرائيل بالنسبة للأهداف القوميَّة الأمريكية.
ـ قال بيل كلينتون: أمريكا ، وإسرائيل يربطهما ميثاقٌ خاصٌّ ، وعلاقتنا فريدةٌ من نوعها بين كلِّ الأمم ، فكما هو الحال في أمريكا ، فإنَّ إسرائيل تتمتَّع بديمقراطيَّةٍ قويَّةٍ ، كرمزٍ للحريَّة ، وهي واحةٌ للاستقلال، وملجأٌ للمظلومين ، والمضطهدين.
ـ جورج بوش: لقد تمتَّعت الولايات المتحدة ، وإسرائيل لأكثر من أربعين سنة بصداقةٍ مبنيَّةٍ على احترامٍ متبادل ، والتزامٍ بمبادىء الديمقراطيَّة ، ويبدأ استمرارُنا بالبحث عن السَّلام في الشرق الأوسط بإدراك أنَّ الروابط التي تُوحِّد بين دولتينا لا يمكن أن تنفصم.
ـ رونالد ريجان: يثبت الرجال ، والنساء الأحرار بإسرائيل كلَّ يومٍ قوَّة الشجاعة ، والإيمان. وبالرُّجوع لسنة 1949 م عندما وُجِدت إسرائيل ، أدَّعى النّقاد: أن الدولة الجديدة لا يمكن أن تستمرَّ ، والان لا يشكُّ أحدٌ: أنَّ إسرائيل هي أرض الاستقرار ، والديمقراطيَّة في منطقة الطُّغيان ، والاضطرابات.
ـ جيمي كارتر: بقاء إسرائيل ليس مجرَّد قضيةٍ سياسيَّةٍ ، ولكنه التزامٌ أدبي ، وهذا هو إيماني العميق الذي أرتبط به، وهو الإيمان الذي يشاركني فيه الأغلبية العظمى من الشَّعب الأمريكي ، فإنَّ إسرائيل القويَّة الامنة ليست مجرد اهتمام الإسرائيليين ، ولكنه اهتمام الولايات المتَّحدة ، والعالم الحرِّ كلِّه.
ـ جيرالد فورد:
التزامي بأمن ، ومستقبل إسرائيل مبنيٌّ على مبادىء أساسيةٍ ، وهو اهتمامٌ شخصي ، كإنسان متنوِّر «مثقف» كما أنَّ دورنا في مساندة إسرائيل يُشَرِّف تراثنا الوطني.
ـ ريتشارد نيكسون:
الأمريكيون يُعجبون بالشَّعب الذي يحفر الصَّحراء ، ويُحَوِّلها لحدائق ، لقد أثبت الإسرائيليون بدلالات يقبلها الأمريكيُّون: أنَّ لديهم الشجاعة ، والوطنية ، والمثاليَّة ، والولع بالحريَّة ، لقد رأيت ذلك ، وأومن بذلك.
ـ جون كنيدي: إسرائيل لم تُخلق لتختفي ، بل ستبقى ، وتزدهر ، إنها وليد الأمن ، والوطن للشُّجعان ، ولن تنكسر بالافتراءات ، أو بإفساد معنويَّاتها. إنها تحمل درع الديمقراطية ، وتشهر سيف الحرية.
ـ دوايت إيزنهاور: لقد أنقذت قواتنا بقايا الشَّعب اليهودي بأوروبا من أجل حياةٍ جديدةٍ ، وأملٍ جديدٍ في الأرض المتجدِّدة ، ونحن مع كلِّ الرِّجال ذوي العزيمة الصَّادقة ، وأُحيِّي الدولة الصَّغيرة ، وأتمنَّى لها الفلاح.
ـ هاري ترومان: لديَّ إيمانٌ بإسرائيل قبل تأسيسها ، كما أنَّ لديَّ إيماناً بها الان ، وأعتقد أنَّه سيكون لها مستقبلٌ متألِّقٌ أمامها ، ليس لمجرد أنها أمةٌ مستقلَّةٌ جديدة ، ولكن تجسيدٌ للمثاليات العظمى لِمدنيَّتنَا.
4 ـ وَحْدَةُ الأمة على أساسٍ مِنْ وَحدة العقيدة: قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ مَّرۡصُوصٞ ٤ ﴾[الصف: 4] الأمَّة المتراصة أقوى عند النزال من جبهاتٍ تلتقي ، وتفترق ، وتسير ، وتقف ، تجمعها مصالح انيةٌ ، إنها سنة الله في الحياة عندما تكون الأمَّة متوحدةً على أساسٍ من العقيدة تكون أقوى، وأعزَّ؛ حتى ولو قلَّ العدد. وهذا واضحٌ من حركة التاريخ ، فشتَّان بين مسيرةٍ يدفعها هوىً ، وتصوراتٌ بشرية ، وبين مسيرةٍ تدفعها قواعدُ ربانية ، شتان بين أمة تنير بمنهاج الله دربها، وأقوام يعطيهم الهوى بصيصاً من نور ، ثم ينطفىء ، فاللقاء في المعارك الفاصلة مع الشِّيعة الرافضة لا يمكِّن ذلك ، فصلاح الدين تخلَّص من الدَّولة الفاطمية ، ثم استطاع بعد ذلك تحرير بيت المقدس بعد القضاء على الفكر الشِّيعي الرَّافضي ، فالتاريخ يعلِّمنا دور الباطنية ، والشيعة الرافضة في خيانة الأمَّة ، وقتل مجاهديها ، وعرقلة الحركات الجهادية ضدَّ الصليبيين على مدار التاريخ الإسلامي ، وفي التاريخ الحديث ، تحالفوا مع أمريكا على حساب أفغانستان ، العراق. ومصالحهم المذهبية فوق كلِّ شيء.
إنَّ اصحاب البدع مثل العقارب يدفنون رؤوسهم ، وأبدانهم في التُّراب ، ويخرجون أذنابهم ، فإذا تمكّنوا؛ لدغوا ، وكذلك أهل البدع ، هم مختفون بين الناس ، فإذا تمكَّنوا؛ بلغوا ما يريدون.
5 ـ الراية الإسلاميَّة للمعركة: إنَّ راية الإسلام هي حياتنا ، وأملنا ، نورُ أبصارنا ، وبصيرتنا ، وهي الراية الوحيدة لمعاركنا القادمة. إنَّ اليهود والنَّصارى يحاربوننا بالتَّوراة حرباً دينية تحت شعار الصَّليب ، والنجمة ، فلم لا نحاربهم بالقران ، وإذا رجعوا إلى تعاليم التلمود؛ رجعنا إلى البخاري ، ومسلم ، وإذا قالوا: نعظِّم السبت؛ قلنا: نعظِّم الجمعة ، وإذا قالوا: الهيكل؛ قلنا الأقصى ، وإذا قاتلونا تحت الرَّاية اليهودية ، والنَّصرانية؛ قاتلناهم تحت راية الإسلام. يقول جمال حمدان: قبل الإسلام لم يكن عرب الجزيرة أمَّة ، ولا كان لهم تاريخ؛ حتَّى أمة بلا تاريخ لم يكونوا ، بل مجرَّد حفنة، أو شرذمة من القبائل المتحاربة المتعاركة المتطاحنة المتعدِّدة اللهجات ، وأحياناً اللُّغات، وهي إن لم تكن تقع خارج فإن لها تاريخ فولكلوري على أكثر تقدير. ويقول: لقد خرج العرب من الصَّحراء ودخلوا التاريخ بفضل الإسلام ، وما كان لهم هذا ، ولا ذاك بدونه ، لم يكن الإسلام بالنسبة للعرب رسالة من السَّماء فقط ، ولكن نجدة من السَّماء. ويقول: الإسلام جاء؛ ليبقى. ويقول: عودة الإسلام ليقود من جديد. كانت راية نور الدين وصلاح الدين في معاركهم هي الإسلام ، وانضوت تحتها الشعوب الإسلامية من عربٍ ، وتركٍ ، وأكرادٍ ، وفرس ، وغيرهم فحقَّقت تلك الانتصارات الرَّائعة.
6 ـ استراتيجيَّة إسلاميَّة بعيدة المدى ، وكوادر علميَّة تحيط بالواقع علماً: إنَّ تحرير القدس على يدي صلاح الدين يعلِّمنا: أن المسيرة لتحريره من جديد لها خطُّها ، ونهجها ، ولها أهدافها ، ووسائلها ، وكلُّها أهدافٌ ، ووسائل شرعية، ولكنها لا يمكن أن تسير دون نهجٍ مفصَّلٍ واضحٍ يسمح لأفرادها أن يعرفوا ماذا يريدون. قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ ٦٠ ﴾ [الأنفال:60]. ولابدَّ من توضيح جملةٍ من الحقائق:
أ ـ من هم أعداؤنا؟
ب ـ كيف يفكِّر كلُّ عدوٍّ من أعدائنا ، وما هي إمكانياتهم؟
ج ـ ماذا أعَدَّ لنا كلُّ عدوٍّ من أعدائنا؟
د ـ هل أعددنا أنفسنا لمواجهة التحدِّيات؟ ولماذا نجح العدو في تحقيق أهدافه؟
هـ  لماذا نجح العدو في تكبيل الأمَّة بالأغلال؟ وإجبارها على التَّسليم له ، وقد اغتصب مقدَّساتها ، وأرضها ، وثرواتها، وسَخِر من عقيدتها؟
و ـ لماذا تقف الأمة موقف السلبية تجاه هذا الخطر الماحق؛ الذي يتهَدَّد وجودها؟
إنَّ السبب يكمن في جهل الأمَّة بدينها ، وبرسالتها؛ التي من أجلها خُلقت ، واستُخلفت في هذه الأرض ، فترتَّب على ذلك فسادٌ عقائديٌّ ، وسياسيٌّ ، وسلوكيٌّ ، وأخلاقيٌّ ، ووقعت في الحرام ، وأكل الحرام ، وتعطيل فرائض الله ، وعدم تحرير الولاء ، والبراء. والحَلُّ ممكنٌ مع صدق النية ، واللجوء إلى الله ، عز وجل ، ويمكن الاستفادة من التجارب التاريخية لإعداد خطَّةٍ استراتيجيَّةٍ طويلة المدى في مواجهة هذه التحدِّيات المعاصرة ، استراتيجيةٍ مستمدَّةٍ من «هوية الإسلام» التي ضعنا يوم أن ضيَّعناها ، قال تعالى: ﴿صِبۡغَةَ ٱللَّهِ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبۡغَةٗۖ وَنَحۡنُ لَهُۥ عَٰبِدُونَ ١٣٨ ﴾[البقرة:138].
7 ـ توبة الأمة الإسلاميَّة وعودتها إلى الله ـ عزَّ وجل ـ وبُعدها عن المعاصي: إنَّ نصر الله سبحانه وتعالى لا يتنزَّل على أمَّةٍ ماجنةٍ ، عابثةٍ ، لاهيةٍ ، غافلةٍ ، شاردةٍ ، بعيدة عن الله ورسوله ، لا يتنزَّل نصر الله على أمَّةٍ تغوص في مستنقع المعاصي الاسن ، وتتمرَّد على منهج ربها ، أمةٍ تقلب الموازين ، وتسير ضدَّ السنن الربانية ، إنما يتنزَّل النصر على أمَّةٍ صابرة ، تعلم: أنَّها إنما تُنصر على عدوِّها بطاعتها لله ، ومعصية عدوِّها له ، وتعلم: أنَّ الله أعزَّها بالإسلام ، فإن ابتغت العزَّة في غيره؛ أذلَّها الله عز وجل ، فالنصر يحتاج إلى تبتُّلٍ ، ودموعٍ ، وقنوتٍ ، وضراعةٍ إلى الله عز وجل ، فاسألوا ليلة بدر عن بكاء النبي صلى الله عليه وسلم وصلاته ، وسلوا ليلة الأحزاب ، وكلَّ معارك الأمة ، فالرُّجوع إلى الله من أسباب النَّصر العظيم.
8 ـ الجهاد في سبيل الله الطريق الوحيد لإعادة القدس: إنَّ الطريق الوحيد لتحرير الأراضي المحتلَّة هو طريق الجهاد في سبيل الله؛ الذي يمثِّل جوهر الأمن في أمَّتنا ، وذروة سنام ديننا ، إنَّه بابٌ من أبواب الجنة ، إنَّه انطلاق من قيد الأرض ، وارتفاع من ثقلة اللَّحم ، والدم ، وما كان للأمَّة أن تحمي وجودها ، ومقدَّساتها إلا بعبادة الجهاد في سبيل الله ، هذه العبادة التي مارسها نور الدين ، وصلاح الدين ، وكانت من الأسباب للتصدِّي للغزو الصَّليبي. قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ تِجَٰرَةٖ تُنجِيكُم مِّنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ ١٠ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ١١ 
يَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡ وَيُدۡخِلۡكُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةٗ فِي جَنَّٰتِ عَدۡنٖۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ١٢ وَأُخۡرَىٰ تُحِبُّونَهَاۖ نَصۡرٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَتۡحٞ قَرِيبٞۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ١٣﴾ ]الصف:10-13]
ومن الدروس ، والعبر ، والفوائد: أهميَّة التوكل على الله ، والثقة فيه ، واليقين بنصره للمؤمنين، والتَّعامل مع سنن الله ، واستيعابها ، وفهمها ، كسنة التغيير للنُّفوس ، وسنة التَّدافع ، وسنة الله في النَّصر ، والهزيمة ، ومعرفة الأسباب المعنوية للنَّصر ، كالإيمان بالله ، وتقواه ، وإرادة الجهاد ، والإخلاص ، والتوكُّل ، والصَّبر ، والوحدة ، والشورى، والذكر ، والدعاء ، والطَّاعة ، والشَّجاعة ، والثبات. والأسباب المادية للنَّصر ، كالإنفاق ، وإعداد العدَّة ، والسِّلاح ، وإعداد المجاهدين عسكرياً ، والرباط ، والتَّخطيط ، والأخذ بمبادىء الحرب ، كاختيار المقصد ، وإدامته، وحشد القوى ، والاقتصاد بالقوَّة ، وإدِّخارها ، والمباغتة ، والتعرُّض ، والمرونة ، والأمن، والتعاون ، والمطاردة. وكسنة الله في إظهار الحقِّ ، وإزهاق الباطل ، والصِّراع بين الحقِّ والباطل. وسنة الله في عقاب الأمم ، ومعرفة أسباب العقاب الإلهي للأمم بالاستئصال ، كالكفر بالله ، عزَّ وجل ، وإنكار يوم الجزاء، وإسناد شركهم ومعصيتهم لمشيئة الله اتباعاً للظنِّ ، وإيذاء الرسل بشتَّى أنواع الإيذاء ، وتكذيب الأمة بعد مجيء الايات التي تطلبها ، واستعجال العذاب ، والجدال بالباطل ، والاشتغال بالدنيا، ونسيان الاخرة ، والإسراف ، والترف ، والبطر ، والاستكبار ، والمكر ، والصَّد عن مساجد الله ، والذنوب... إلخ.


يمكنكم تحميل كتاب صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022