الثلاثاء

1446-11-01

|

2025-4-29

تنوع الأشجار واختلاف ألوانها في القرآن الكريم

الحلقة الخمسون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

جمادى الآخر 1441ه/فبراير 2020م

تختلف الأشجار اختلافاً كبيراً في أنواعها وأشكالها وألوانها مما يعطيها المزيد من الجمال والبهجة، فمنها الباسق والقصير ومنها السميق والنحيف، ومنها كثير الفروع وقليله، ومنها المتسلق والزاحف، وتختلف أيضاً في تنوع ثمارها وأوراقها، وقد لفت القرآن الكريم أنظارنا إلى هذا التنوع، قال تعالى: "وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" (الأنعام ، آية : 141).
إن الله ـ سبحانه وتعالى ـ هو الذي خلق هذه الجنات ابتداءً ـ فهو الذي أخرج الحياة من الموات، وهذه الجنات منها المعروشات التي يتعهدها الإنسان بالعرائس والحوائط، ومنها البريات التي تنبت بذاتها ـ بقدر الله ـ وتنمو بلا مساعدة من الإنسان ولا تنظيم، وإن الله هو الذي أنشأ النخل والزرع مختلف الألوان والطعوم والأشكال، وإن الله هو الذي خلق الزيتون والرمان، منوع الصنوف متشابهاً وغير متشابه.. وإنه هو الذي بث الحياة في هذه الأرض ونوَّعها هذا التنويع وجعلها مناسبة للوظائف التي تتطلبها حياة الناس في الأرض، فكيف يذهب الناس ـ في مواجهة هذه الآيات وهذه الحقائق ـ إلى تحكيم غير الله في شأن الزروع والأنعام والأموال؟

شجرة اليقطين:
قال تعالى: " فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ" (الصافات ، آية : 145 ـ 146).
بتأمل هاتين الآيتين الكريمتين من سورة الصافات يتبادر إلى الذهن اختيار الله "سبحانه وتعالى" للتعبير القرآني شجرة من يقطين لحماية عبده ونبيه "يونس بن متَّى" على نبينا وعليه من الله السلام، بعد أن نبذه الحوت بالعراء وهو سقيم، أي: وهو منهك القوى من شدة المرض، وهذا التنكير في الإشارة إلى شجرة اليقطين يفيد بأن الشجرة من جنس اليقطين الذي عرفه العرب ومنه كل من القرع العسلي، وقرع الكوسة، والحنظل، وليست نوعاً محدداً.
ومن المقطوع به أن الشجرة التي أنبتها ربنا "تبارك وتعالى" ليظلل بها عبده ونبيه "يونس بن متَّى" ويستره بأوراقها وزهورها، وثمارها، وأغصانها وسيقانها وعصائرها من مركبات هي شجرة خاصة معجزة أنبتها ربنا "تبارك وتعالى" بأمره الذي لا يرد إلا أن الصياغة القرآنية: "شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ" توحي بأن المقصود هو عموم اليقطين الذي نعرفه، وهنا يظهر التساؤل المنطقي، وماذا في اليقطينيات من علاج للحالات المماثلة للحالة التي مر بها نبي الله "يونس" عليه السلام، بعد أن التقطه الحوت ولفظه بالعراء وهو سقيم، أي: مريض منهك القوى.
وثبت بالدراسة المختبرية التي قام بها الدكتور كمال فضل خليفة الأستاذ المشارك لعلم النبات بجامعة الخرطوم أن اليقطينيات عدداً من المركبات الكيميائية المهمة التي لها تأثير طبي علاجي ووقائي واضح أبرزه في مقاومة الحشرات، وفي علاج العديد من الالتهابات الجلدية وتقرحاتها، وفي علاج عدد من أمراض الجهازين الهضمي والبولي وفي مقاومة بعض الأمراض السرطانية ـ عافانا الله جميعاً منها ـ هذا بالاضافة إلى القيمة الغذائية العالية لثمار اليقطينيات المأكولة، والقيمة الطبية للثمار التي لا تؤكل مثل ثمار الحنظل، وهنا تتضح روعة الإشارة القرآنية المبهرة في قول الحق "تبارك وتعالى: " وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ" (الصافات ، آية : 146).
س ـ شجر للمراعي:
قال تعالى: " هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ" (النحل ، آية : 10)، وفي قوله: " وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ" أي: وأخرج لكم منه شجراً ترعون فيه أنعامكم.
ومن الثابت علمياً أن الماء سابق في وجوده على الأرض لخلق جميع أحيائها وأن النبات سابق في وجوده لخلق الحيوان، وكلاهما سابق لوجوده لخلق الإنسان وبتقدير الله قام النبات، ولا يزال قائماً، بالدور الرئيسي في إمداد الغلاف الغازي للأرض بالأكسجين وفي تخليق الجزيئيات العضوية اللازمة لبناء أجساد كل من النبات والحيوان والإنسان، ومن هنا كان اعتماد كل من الإنسان والحيوان في غذائه أساساً على النبات وهي حقائق لم تكن معروفة في زمن الوحي ولا لقرون متطاولة من بعده مما يؤكد روعة الإشارة القرآنية في قوله تعالى " هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " (النحل ، آية : 10 ـ 11).
وفي قوله: "إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"، في تدبير هذا الكون ونواميسه المواتية لحياة البشر وما كان الإنسان ليستطيع الحياة على هذا الكوكب لو لم تكن نواميس الكون مواتية لحياته، وموافقة لفطرته، ملبية لحاجاته، والذين يتفكرون هم الذين يدركون حكمة التدبير وهم الذين يربطون بين ظاهرة كظاهرة المطر وما ينشئه على الأرض من حياة وشجر وزروع وثمار، وبين النواميس العليا للوجود، ودلالتها على الخالق وعلى وحدانية ذاته ووحدانية إرادته ووحدانية تدبيره، أما الغافلون فيمرون على مثل هذه الآية في الصباح والمساء في الصيف والشتاء، فلا توقظ تطلعهم، ولا تثير استطلاعهم ولا تستجيش ضمائرهم إلى البحث عن صاحب هذا النظام الفريد: سبحانه وتعالى.

المصادر والمراجع:
* القرآن الكريم

* علي محمد محمد الصلابي، المعجزة الخالدة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم براهين ساطعة وأدلة قاطعة، دار المعرفة، صفحة (210:207).

* زغلول النجار، آيات النبات في القرآن الكريم، صفحة 512، 514.

* زغلول النجار، مدخل إلى دراسة الإعجاز العلمي، صفحة 309.

* أحمد النظاري، الجمال الحسي في القرآن الكريم، صفحة 164.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022