الثلاثاء

1446-11-01

|

2025-4-29

"أول بيت وضع للناس" إشارة علمية في القرآن الكريم

الحلقة الثالثة والثلاثون

بقلم الدكتور: علي محمد الصلابي

جمادى الأولى 1441ه/يناير 2020م

أول بيت وضع للناس:
قال تعالى:" إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ" (آل عمران، آية : 96ـ 97).
يخبر تعالى بعظمة بيته الحرام، وأنه أول البيوت التي وضعها الله في الأرض لعبادته وإقامة ذكره وأن فيه من البركات وأنواع الهدايات وتنوع المصالح، والمنافع للعالمين شيء كثير وفضل غزير، وأن فيه آيات بينات تذكر بمقامات إبراهيم الخليل وتنقلاته في الحج ومن بعده تذكر بمقامات سيد الرسل وإمامهم، وفيه الأمن الذي من دخله كان آمناً قدراً، مؤمناً شرعاً وديناً، فلما احتوى على هذه الأمور أوجب الله حجه على المكلفين المستطيعين إليه سبيلا وهو الذي يقدر على الوصول إليه بأي مركوب يناسبه وزاد بتزوده، لهذا أتى بهذا اللفظ الذي يمكنه تطبيقه على جميع المركوبات الحادثة والتي ستحدث، وهذا من آيات القرآن حيث كانت أحكامه صالحة لكل زمان وكل حال ولا يمكن الصلاح التام بدونها، فمن أذعن لذلك وقام به فهو من المهتدين المؤمنين ومن كفر فلم يلتزم حج بيته فهو خارج عن الدين " وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ".
ـ الدلالة العلمية للآية الكريمة:
بعد مجاهدة طويلة استغرقت آلافاً من العلماء، عبر عشرات من العقود ثبت لنا في منتصف الستينات من القرن العشرين أن أرضنا في مرحلة من مراحل خلقها كانت مغمورة بالماء غمراً كاملاً، لم يدع فيها شيئاً مكشوفاً من اليابسة، ثم شاءت إرادة الله تعالى أن يفجر قاع هذا المحيط الغامر بثورة بركانية عنيفة ظلت تلقي بحممها التي تراكمت فوق بعضها البعض مكونة سلسلة جبلية في وسط هذا المحيط الغامر وظلت هذه السلسلة في النمو والارتفاع حتى ظهرت قمتها فوق سطح الماء مكونة أول جزء من اليابسة على هيئة جزيرة بركانية مثل الجزر البركانية العديدة والمنتشرة في محيطات اليوم، وباستمرار عمليات النشاط البركاني نمت هذه الجزيرة الأولية بالتدرج بواسطة الثورات البركانية المتلاحقة التي أضافت إليها مساحات جديدة من اليابسة محولة إياها إلى قارة كبيرة تعرف باسم القارة الأم أو بانجيا ـ وهذا النمو ـ بالإضافة على مراحل ـ يعرف باسم الدحو الذي يعرف لغة : بالمد والبسط والإلقاء وهو تعريف دقيق لعمليات بناء الأرض بواسطة الثورات البركانية، وبعد اكتمال تكون القارة الأم شاءت إرادة الله ـ تعالى ـ أن يمزقها بواسطة شبكة هائلة من الصدوع العميقة التي شكلت خسوفاً أرضية غائرة، فصلت تلك القارة الأم إلى القارات السبع المشاهدة حالياً على سطح الأرض التي كانت في القديم أشد تقارباً إلى بعضها البعض ثم بدأت في الزحف والتباعد حتى وصلت إلى مواقعها الحالية على سطح الأرض والتي لاتزال في حركة دائبة منها اليوم هذه الظاهرة التي يتحول فيها جزء من المحيط إلى الأرض يابسة أو تنشق الأرض اليابسة لتحتوي محيطاً قيماً بينها تعرف باسم "دورة المحيط واليابسة" ويتم تحول المحيط إلى أرض يابسة بواسطة الثورات البركانية المتكررة من تحت قاع المحيط التي ترتفع بجزء من ذلك القاع إلى ما فوق سطح الماء على هيئة جزر بركانية تظل تنمو بالتدرج متحولة إلى قارة، ثم بواسطة تصدع وخسف أجزاء من تلك القارة تنفصل إلى كتلتين متوازيتين يفصلهما بحر طولي شبيه بالبحر الأحمر، يظل يتسع باستمرار حتى يتحول إلى محيط.
ومن قبل ألف وأربعمائة سنة روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "كانت الكعبة خشعة على الماء فدحيت منها الأرض".
"والخشعة" أكمة لاطئة بالأرض، والجمع "خشع".
وهذا الحديث النبوي الشريف يدعمه حديث آخر أخرجه الطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن عمر رضي الله عنه موقوفاً عليه :أنه، أي البيت الحرام أول ما ظهر على وجه الماء عند خلق السموات والأرض زبدة ـ بفتح ـ الزاي أي كتلة من الزبد بيضاء فدحيت الأرض من تحته، وهذان الحديثان الشريفان يعتبران سبقاً علمياً معجزاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم يشهد له بالنبوة وبالرسالة، وبأنه كان موصولاً بالوحي، ومعلماً من خالق السماوات والأرض لأنه لم يكن لأحد من الخلق قبل منتصف الستينات من القرن العشرين إدراك شيء من هذه الحقيقة.
وفي هذين الحديثين الشريفين ما يدعم قول السدي رحمه الله في تفسيره قوله تعالى:" إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ" (آل عمران، آية : 96)، إنه أول بيت وضع على وجه الأرض مطلقاً، ويؤكد ذلك ما أشرنا إليه عن توسط مكة المكرمة لليابسة، كما يحمل معنى اليابسة تحت الكعبة المشرفة تعتبر أقدم جزء من الغلاف الصخري للأرض على الإطلاق.

المصادر والمراجع:
* القرآن الكريم

* علي محمد محمد الصلابي، المعجزة الخالدة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم براهين ساطعة وأدلة قاطعة، دار المعرفة، صفحة (148:145).

* زغلول النجار، من آيات الإعجاز العلمي في الأرض، صفحة (590).


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022