الخميس

1446-11-03

|

2025-5-1

خطورة نقص المكيال والميزان على المجتمعات

مختارات من كتاب العدالة من المنظور الإسلامي

بقلم: د. علي محمد الصلابي

الحلقة (16)

 

إن نقص المكيال والميزان افة اقتصادية واجتماعية خطيرة، وينتج عن هذا العمل أضرار جسيمة على دين الناس ودنياهم، أما كونه ضرراً على دينهم؛ فلأن هذا العمل يخالف ويناقض النهج الذي أنزل الله من عنده ليتعامل الناس بمقتضاه، ذلك النهج هو العدل في كل شيء.

قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ}[ الشورى 17].

والميزان هو العدل والموازين والمكاييل لإقامة العدل؛ ولذا أمر الله بإيفائها ونهى عن نقصها، فنقص الميزان والمكيال تعطيل للمنهج الإلهي، ومخالفة للأوامر الربانية، وتعرض لسخط الجبار وعذابه في الدنيا والآخرة.

أما ضرر هذا العمل على دنيا الناس، فلأنه يجلب الشدة بدل الرخاء، وغلاء الأسعار بدل رخصها، ويؤدي إلى أضرار على معايش الناس، وفي حديث ابن عمر مرفوعاً: «...ولم ينقصوا المكيال إلا أخذوا بالسنين، وشدة المؤونة، وجور السلطان».

هلاك قوم شعيب:

نقص المكيال والميزان كان من الأسباب التي أدت إلى هلاك قوم شعيب، فقد أصروا على هذا العمل على الرغم من الجهود التي بذلها شعيب عليه السلام في دعوتهم إلى اجتنابه، فلم تنفعهم المواعظ، بل كانوا يزدادون إصراراً عليه كلما بالغ شعيب في دعوتهم، ووصل بهم الأمر إلى حدّ الآنكار عليه والاستهزاء بمحاولاته ثنيهم عما اعتادوا عليه من المعاملات المالية الجائرة، ثم انتهى الأمر بهلاكهم، وذكر القرآن الكريم لفعلهم هذا ضمن سيئاتهم الأخرى، ثم تعقيب ذلك بذكر هلاكهم في عدة مواضع يدل على أن هذا العمل كان من جملة الأسباب التي أدت إلى ذلك المصير، ويعضد هذا الاستنباط ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحاب المكيال والميزان: «إنكم قد وليتم أمْرَين هلكت فيه الأمم السالفة قبلكم».

ووقف هذا الحديث على ابن عباس أصح من رفعه، فلعله مما فهمه حبر الأمة، من قصة شعيب الواردة في القرآن، وهم وإن لم يذكروا نصا في هذا الأمر فهم داخلون في حكمه دخولا أوليا، إذ لم يذكر لنا قوم كانوا يعملون هذا العمل غيرهم.

10 – قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيز}[الحديد:25]

فالرسالة واحدة في جوهرها، جاء بها الرسل، ومعهم البينات عليها، ومعظمهم جاء بالمعجزات الخوارق، وبعضهم أنزل عليه كتاب والنص يقول: [وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ] بوصفهم وحدة، وبوصف الكتاب وحدة كذلك، إشارة إلى وحدة الرسالة في جوهرها [والميزان] مع الكتاب، فكل الرسالات جاءت لتقر في الأرض وفي حياة الناس ميزانا ثابتا ترجع إليه البشرية لتقويم الأعمال والأحداث والرجال، وتقيم عليه حياتها في مأمن من اضطراب الأهواء واختلاف الأمزجة، وتصادم المصالح والمنافع ميزانا لا يحابي أحدا لأنه يزن بالحق الإلهي للجميع، ولا يحيف على أحد لأن الله رب الجميع.

هذا الميزان الذي أنزله الله في الرسالة الضمان الوحيد للبشرية من العواصف والزلازل والاضطرابات والخلخلة التي تحيق بها في معترك الأهواء، ومضطرب العواصف، ومصطحب المنافسة، وحب الذات، فلا بد من ميزان ثابت يثوب إليه البشر، فيجدون عنده الحق والعدل والنصفة بلا محاباة.

[ليقوم الناس بالقسط] فبغير هذا الميزان الإلهي الثابت في منهج الله، وشريعته، لا يهتدي الناس إلى العدل، وإن اهتدوا إليه لم يثبت في أيديهم ميزانه، وهي تضطرب في مهب الجهالات والأهواء. [وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ] والتعبير {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ ً} كالتعبير في موضع آخر بقوله: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الآنعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} كلاهما يشير إلى إرادة الله وتقديره في خلق الأشياء والأحداث، فهي منزلة بقدره وتقديره فوق ما فيه هنا من تناسق مع جو الاية، وهو جو تنزيل الكتاب والميزان، فكذلك ما خلقه الله من شيء مقدر تقدير كتابه وميزانه.

 

مراجع الحلقة:

- العدالة من منظور إسلامي، علي محمد الصلابي، دار المعرفة، بيروت، ص 50-54.

- أسباب هلاك الأمم السالفة ، سعيد محمد بابا ، ص: 454-455.

- في ظلال القرآن، سيد قطب، (6/3494).

 

لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:

كتاب الأنبياء الملوك في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي:

https://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/50


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022