السؤال
نحن نعلم أن أحدنا إذا استيقظ وكان جنباً وجب عليه الاغتسال ، وإن لم يكن هناك ماء ساخن في أيام البرد وجب عليه تسخين الماء . السؤال : عندما نسخن كمية من الماء يذهب الكثير من الغاز والذي ارتفع سعره في الآونة الأخيرة ، وهناك احتمال أنه إذا استخدمنا هذه الكميات من الغاز ينفد ، ولا نستطيع شراء أسطوانة غاز أُخرى ، مع العلم أننا نملك ثمنها لكن إذا اشتريناها لا نستطيع شراء المواد الغذائية الأساسية ، فهل يباح لنا التيمُم ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
من أمكنه أن يسخن الماء ، أو يستعمله ببرودته على وجه يأمن به من الضرر ، وجب عليه أن يتطهر به ، ولو تأذى من استعماله ، ما دام أنه لا يلحقه ضرر.
فإن غلب على ظنك أن استعمال الماء البارد يترتب عليه مرض أو زيادة مرض موجود أو تأخر شفاء ، جاز لك التيمم .
قال الشيخ ابن عثيمين : "يجب عليه أن يصبر ، ويستعمل هذا الماء البارد ، إلا إذا كان يخشى من ضرر يلحقه : فإنه لا بأس أن يتيمم حينئذ ، ومجرد أن يتأذى من برودته ، فليس هذا بعذر" فتاوى نور على الدرب ".
ثانيا :
مَن خشي ضررا باستعمال الماء البارد ، ولم يجد ما يسخنه به ، إلا بثمن المثل أو بأكثر منه قليلا ، وكان مالكا لهذا المال ، فائضا عن نفقته الأصلية ، ونفقة من يعولهم : وجب عليه شراء ما يسخن به الماء ، من غاز ، أو فحم ، أو نحو ذلك .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (14/258) :
"ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جَوَازِ التَّيَمُّمِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ ( خِلاَفًا لأِبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي الْحَضَرِ ) لِمَنْ خَافَ مِنِ اسْتِعْمَال الْمَاءِ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ هَلاَكًا ، أَوْ حُدُوثَ مَرَضٍ ، أَوْ زِيَادَتَهُ ، أَوْ بُطْءَ بُرْءٍ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَا يُسَخِّنُ بِهِ الْمَاءَ ، أَوْ لَمْ يَجِدْ أُجْرَةَ الْحَمَّامِ ، أَوْ مَا يُدْفِئُهُ ، سَوَاءٌ فِي الْحَدَثِ الأْكْبَرِ أَوِ الأْصْغَرِ ؛ لإِقْرَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى تَيَمُّمِهِ خَوْفَ الْبَرْدِ وَصَلاَتِهِ بِالنَّاسِ إِمَامًا وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالإْعَادَةِ" انتهى .
وقال في "أسنى المطالب"( 1/81) :
ولا يباح التيمم لمن "يَخَافُ مَعَ الْبَرْدِ مَحْذُورًا وَوَجَدَ نَارًا يُسَخِّنُ بِهَا الْمَاءَ ... لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ قَادِرٌ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ بِلَا ضَرَرٍ شَدِيدٍ . وَلَا بُدَّ أَنْ يَجِدَ مَعَ النَّارِ قِيمَةَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي التَّسْخِينِ كَقِدْرٍ وَحَطَبٍ" انتهى .
وقال ابن قدامة رحمه الله : " وإن وجده يباع بثمن مثله في موضعه ، أو زيادة يسيرة ، يقدر على ذلك ، مع استغنائه عنه ، لقوته ومؤنة سفره = لزمه شراؤه .
وإن كانت الزيادة كثيرة تجحف بماله ، لم يلزمه شراؤه ؛ لأن عليه ضررا " انتهى من " المغني " (1/177) .
ولزوم الشراء المذكور غير مختص بالماء ، بل يشمل وسائل الحصول على الماء أيضا ، إذا كان يحتاج إلى كلفة ، للحصول عليه .
ولهذا قال المرداوي في " الإنصاف " (1/271) : " حُكْمُ الْحَبْلِ وَالدَّلْوِ : حُكْمُ الْمَاءِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحْكَامِ " انتهى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " إذا كان الماء يبذل بثمن المثل أو بزيادة لا يتغابن الناس بمثلها مع قدرته على ذلك [كذا . والظاهر أن حرف النفي (لا) زائد ، والصواب : بزيادة يتغابن الناس بمثلها. والمراد بذلك : الزيادة اليسرة عن ثمن المثل] . فإن كان محتاجا إلى ذلك لنفقته أو نفقة عياله أو وفاء دينه الذي يطالب به ، كان صرف ذلك إلى ما يحتاج إليه من نفقة أو قضاء دين مقدما على صرف ذلك في عوض الماء .
كما لو احتاج إلى الماء لشرب نفسه أو دوابه ، فإنه يصرفه في ذلك ويتيمم .
وإن كانت الزيادة على ثمن المثل لا تجحف بماله ، ففي وجوب بذل العوض في ذلك قولان في مذهب أحمد بن حنبل وغيره ، وأكثر العلماء على أنه لا يجب ، والله سبحانه أعلم " انتهى من " مجموع الفتاوى " (21/445) .
وبناء على ما سبق : فإن لم تجدوا شيئا تسخنون به الماء ، كالحطب أو الخشب ، وكنتم محتاجين لما معكم من الأموال في الحاجات الأساسية : فلا يلزمكم في هذه الحالة شراء ما تسخنون به الماء (الغاز) ، ويكفيكم التيمم ؛ لقول الله تعالى : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) ، وقوله ( فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ) ، والعاجز عن استعمال الماء حكمه حكم من لم يجد الماء .
تنبيه :
يجب التنبه إلى أن التيمم يجزئ حتى تتمكنوا من الاغتسال ، فإذا ما تحسن الجو أو وجدتم ما نسخنون به الماء وجب الاغتسال .
وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : عن التيمم لصلاة الفجر من الجنابة إذا كان الجو بارداً .
فأجاب : "إذا وجب الغسل على أحدكم وكان الماء بارداً, ولم يكن عنده ما يسخن به الماء وخاف على نفسه من المرض فلا بأس أن يتيمم, فإذا تمكن من الغسل بعد دفء الجو والماء أو وجود ما يسخن به الماء وجب عليه أن يغتسل؛ لأن التيمم إنما يطهر حال وجود العذر, فإذا زال العذر عاد الحدث ووجب استعمال الماء" انتهى .
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين (15/406).
والله أعلم .
المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب