الأحد

1446-12-12

|

2025-6-8

في سيرة صلاح الدين الأيوبي:

نجم الدين ايلغازي صاحب ماردين

الحلقة: الحادية عشر

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

رمضان 1441 ه/ مايو 2020

ارتبطت حركة الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين ارتباطاً شديداً بزعماء الموصل؛ الذين كانوا تحت طاعة السلاجقة ، وأدَّت وفاة السلطان محمد بن ملكشاه سنة 512هـ/1117م إلى ازدياد تدهور أحوال السلاجقة في العراق ، فسعى السلطان محمود بن ملكشاه إلى استدعاء اقسنقر من الموصل لتوليته شحنكية بغداد الأمر الذي أفقد الموصل مكانتها القيادية في بعث حركة الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين مؤقتاً ، وانتقال هذه القيادة إلى نجم الدين إيلغازي صاحب ماردين ، واستهل إيلغازي أعماله بالاستيلاء على حلب سنة 511هـ/1117م ، لأهميتها بالنسبة لاية قيادة عسكرية ، وسياسية تسعى لمجابهة الصليبيين ، وذلك لما كانت تتمتع به كمركز استراتيجي حيوي من النواحي البشرية ، والعسكرية ، والساسية ، والاقتصادية ، وكانت حلب تقع بين إمارتين صليبيتين ، هما: الرُّها ، وأنطاكية ، وفي نفس الوقت يمكنها الاتصال بالقوى الإسلامية التركمانية المنتشرة في منطقة الجزيرة؛ لذا كان الاستيلاء عليها بمثابة فتح الطريق لقيادة حركة الجهاد ، وذلك ما حدث فعلاً بالنسبة لنجم الدين إيلغازي، وابن أخيه بلك بن بهرام ، ومن بعدهما اقسنقر البرسقي ، وعماد الدين زنكي ، ونور الدين محمود فيما بعد.
وأما عن تفاصيل استيلاء نجم الدين إيلغازي على حلب سنة 511هـ/1117م فقد تجدَّد بها من الحوادث ما أطمع الصليبيين في الاستيلاء عليها حيث بلغت حدَّاً من الضعف ، والضائقة ، مما أعجز أهلها عن تقديم القوت لدوابِّهم ، ولكن خوف أهلها من أن تسقط بيد الصليبيين قد أجبرهم على استدعاء نجم الدين إيلغازي ، وتسليمه حلب في السنة المذكورة ، واستهلَّ إيلغازي أعماله بفرض سيطرته على بعض المواقع التابعة لها كبالس ، ومصادرة بعض رجال حلب للحصول منهم على مالٍ يهادن به الصليبيين ، فاستوجس منه أهل حلب وجندها ـ على حدِّ قول ابن العديم ـ مما اضطره إلى مغادرتها إلى ماردين بعد أن استخلف على حلب ابنه حسام الدين تمرتاش، واستغل الجند المقيمون في بالس موجة الغلاء التي مرُّوا بها في نفس السنة 511هـ/1117م ، فأرسلوا إلى الصليبيين ليسلِّموها إليهم ، فاضطر إيلغازي إلى العودة على رأس قوة من التُّركمان إلى حلب، فلمَّا شعر الصليبيون بالخطر؛ انسحبوا عنها، فتسلمها إيلغازي للمرَّة الثانية، وعاد إلى ماردين بعد ان عقد معهم هدنة بعدم اعتداء أيٍّ منهما على ممتلكات الطرف الاخر.
ـ نقض الصليبيين للهدنة:
ولكن الصليبيين وجدوا الفرصة سانحة بعد خروج إيلغازي ، وأغاروا على إعزاز ، وشدَّوا الحصار عليها؛ حتى اضطر من بها من المسلمين إلى التسليم ، واضطر أهل حلب إلى مراسلة الصليبيين ، وطلبوا منهم التمسُّك بالهدنة التي كان قد عقدها معهم إيلغازي ، وأن يسلموهم ـ أي: أهل حلب ـ تل هراق ، ويؤدُّون لهم القطيعة المقرَّرة على حلب عن أربعة أشهر ، ومقدارها ألف دينار ، ويكون لهم من حلب شمالاً ، وغرباً. وغضب نجم الدين إيلغازي لمَّا وصلت إليه أخبار حلب ، ولكنه لم يستطع العودة إليها ، وإنقاذها ممَّا هي فيه لقلَّة عساكره ، فاتجه إلى شرق منطقة الجزيرة بقصد جمع العساكر في الوقت الذي أبلغ فيه ظهير الدين طغتكين عن رغبته في الاجتماع به سنة 512هـ/1118م واجتمعا على قلعة دوسر بهدف القيام بدفع الصليبيين عن حلب ، ولكنَّ ذلك لم يتيسَّرْ لهما ، الأمر الذي دفع الصليبيين إلى إحكام السيطرة على مداخل حلب بعد أن استولوا على بزاغة ، فتردَّت الأحوال بحلب؛ حتى بلغت حدَّ التلف على حدِّ قول ابن العديم، ولم يجد أهل حلب بدَّاً من الاستعانة بالخلافة العباسية ، والدولة السَّلجوقية في بغداد ، إلا أنهم لم يغاثوا نظراً لانشغال السلاجقة بالمنازعات الأسرية فيما بينهم من جهة ، وضعف الخلافة العباسية من جهة أخرى.
ـ إعلان النفير ضد الصليبيين:
لم يتيسَّر لنجم الدين إيلغازي لقاء الصليبيين ، فقد فارق طغتكين ، وعاد إلى ماردين لجمع العساكر تمهيداً للعودة للجهاد ، والالتقاء مع الصليبيين في معركة حاسمة. وفي ماردين حشد نجم الدين إيلغازي ما يزيد على عشرين ألفاً من التُّركمان بقصد قتال الصليبيين الذين ضيَّقوا على حلب؛ حتى كادت أن تعدم القوت. وأرسل إيلغازي رسله إلى بغداد لإعلان النفير ضدَّ الصليبيين ، وإعلام الخليفة العباسي المسترشد بالله ، والسُّلطان السلجوقي محمود بن محمد بن ملكشاه بما فعله الصليبيون بالدِّيار الجزيرية ، وأنهم ملكوا قلعةً عند الرُّها ، وقتلوا صاحبها بن عطير. وكان نجم الدين إيلغازي قد تواعد مع ظهير الدين طغتكين في سنة 512هـ/1118م على ملاقاة الصليبيين في شهر صفر من السنة التالية 513هـ/1119م بالشام. وتوجَّه إيلغازي قبل الموعد المحدَّد إلى الرُّها ، وشدَّد عليها الحصار ، مما اضطرَّ مَنْ بها من الصليبيين إلى مصالحته لقاء تنازلهم عن الأسرى المسلمين الموجودين بها، فأجابهم إيلغازي ، وشرط عليهم عدم التوجه لمساعدة أمير أنطاكية في حالة حدوث قتالٍ معه ، فأجابوه.
وكانت هذه خطوة صائبة من إيلغازي ، تمكن بموجبها من عزل إحدى قوى الصليبيين عن مد يد العون للقوى الأخرى. وهذا دليلٌ واضحٌ على ضعف رضوخ الصليبيين في منطقة الجزيرة إلى مطالب الأمراء المسلمين.
ـ معركة ساحة الدَّم:
وبعد أن اطمأن إيلغازي إلى أنَّه لن يتعرَّض إلى طعنة الصليبيين من الخلف؛ توجه إلى بلاد الشام ، وقد انضمَّ إليه أسامة بن المبارك بن شبل الكلابي ، والأمير طغان أرسلان صاحب بدليس ، وأرزن ، وواصل سيره حتى بلغ قريباً من الأثارب بأرض سرمدا في ربيع الأول سنة 513هـ/1119م وهناك انتظر وصول ظهير الدين طغتكين ، وكان الصليبيون بقيادة روجر صاحب أنطاكية قد نزلوا بتل عفرين ، وشرعوا في بناء حصن لهم هناك ، ولم يَدُرْ بخلدهم: أنَّ نجم الدين إيلغازي سيباغتهم هناك لضيق الطريق ، ثم لتوهمهم: أنَّ المسلمين سينالون الأثارب أوزردنا، حتى أن الغرور قد أصابهم لاعتقادهم بحصانة موقعهم ، فأرسلوا إلى إيلغازي يقولون له: لا تتعب نفسك بالمسير إلينا ، فنحن واصلون إليك. ولما طال انتظار إيلغازي لوصول حليفه؛ لبَّى رغبة الأمراء الذين كانوا معه في التعجيل بمباغتة الصليبيين ، فما شعر الصليبيون إلا روايات المسلمين قد أقبلوا ، وأحاطوا بهم من كلِّ جانب ، وذلك يوم الجمعة السادس عشر من ربيع الأول من السنة 513هـ/1119م. وخرج قاضي حلب أبو الفضل بن الخشاب ، وخطب في المسلمين خطبةً بليغةً ، استنهض فيها عزائم المسلمين على الجهاد ، فحمل المسامون على الصَّليبيين حملةً واحدةً من جميع الجهات ، فكانت السهام على الصليبيين كالجراد في الوقت الذي أخذتهم السيوف من سائر نواحيهم ، فلن يفلت منهم غيرُ يسيرٍ ، بينما كان الباقون بين قتيل ، وجريح ، وكان ضمن القتلى روجر صاحب أنطاكية الذي كان قد تعجَّل لقاء المسلمين قبل وصول قوات بيت المقدس ، وطرابلس ، وغيرها ، ووقع في الأسر نيفاً وسبعين من فرسان الصليبيين ، ومقدميهم ، وحاولوا أن يفتدوا نفوسهم بمبلغ ثلاثمئة ألف دينار فلم يقبل منهم نجم الدين إيلغازي ، بل أمر بقتلهم جميعاً ، وقد عرفت هذه الوقعة عند المؤرخين اللاتينيين ، ومن نقل عنهم من المؤرخين المحدثين باسم ساحة الدَّم لكثرة ما قتل فيها من الصليبيين ، والتي لم يقتل فيها من المسلمين سوى العدد. القليل.
ـ الأبعاد التي حققها الانتصار على الصليبيين في معركة ساحة الدَّم:
إنَّ أهمية ما حلَّ بالصليبيين لم يقف عند حد النَّصر العسكري؛ الذي حققه نجم الدين إيلغازي عليهم ، بل تعدَّاه إلى أنَّه قد صاحب هذا النَّصر قيامُ جبهةٍ إسلامية متَّحدة من الأمراء المسلمين في الشام ، والجزيرة إضافةً إلى أنها جعلت حلب في منأى عن أخطار الصليبيين خصوصاً بعد استيلاء نجم الدين إيلغازي على حصن قريب من الأثارب في السنة نفسها فضلاً عن أنها كانت كارثةً فادحة حرمت أنطاكية من زعيمها روجر ، وجيشها ممَّا جعل السريان ، والأرمن بأنطاكية يتشكَّكون في موقفهم إلى جانب الصليبيين ، وهذا على ما يبدو ما دفعهم إلى التامر للخلاص من الصليبيين الغربيين فيما بعد ، وذكر ابن العديم: أنَّ نجم الدين إيلغازي نزل بعد انتهاء المعركة إلى خيمة روجر ليسلم إليه المسلمون الغنائم التي حصلوا عليها ، ولكنه ردَّ جميع الغنائم إلى المقاتلين ، ولم يأخذ منهم إلا سلاحاً يهديه لملوك الإسلام؛ ليبعث في نفوسهم حب الجهاد الإسلامي ضدَّ الصليبيين ، واستطاع إيلغازي أن يحقِّق سلسةً من الانتصارات في شمال الشام ، هيَّأت للمسلمين جوَّاً من الهدوء ، والاستقرار. فقد استطاع المسلمون أن يُلحقوا بالنَّجدة الصليبية ألتي أتت بزعامة بلدوين ملك بيت المقدس لنجدة روجر صاحب أنطاكية هزيمةً ساحقة ، ولم يكتف نجم الدين إيلغازي بهذا؛ بل اجتمع في أرتاح بحليفه طغتكين ، واتفقا على مهاجمة الأثارب ، وزردنا ، فاستطاعا الاستيلاء عليهما من الصليبيين ، ثم سار إيلغازي إلى دانيت بنفرٍ قليلٍ من المسلمين ، والتقى ببلدوين ملك بيت المقدس ، وروبرت صاحب زردنا ، ودارت بين الطرفين معركةٌ في جمادى الأولى من السنة 513هـ/1119م أسفرت عن انتصار نجم الدين إيلغازي ، وهزيمة الصليبيين؛ الذين احتموا بحصن هاب بعد مطاردة نجم الدين لهم. ثم عاد نجم الدين إيلغازي إلى حلب بينما التقى رجاله في طريق عودتهم بصاحب زردنا روبرت الأبرص ، وبصحبته قوَّةٌ من الصليبييين ، فهاجمتهم قوة إيلغازي؛ ممَّا اضطر مَنْ سلم من الصليبيين إلى العودة إلى حصن هاب في الوقت الذي وقع فيه الأبرص أسيراً في أيدي المسلمين ، فحملوه إلى إيلغازي بحلب، وأنفذه بدوره إلى طغتكين بدمشق ، حيث قتله صبراً ، وفي أواخر جمادى الأولى سنة 513هـ/1119م
غادر إيلغازي حلب إلى ماردين بسبب الضَّائقة المالية التي مرَّ بها إضافةً إلى أن حلب كانت من الضَّعف بحيث جعلته لا يستطيع البقاء فيها.
ـ حصار أنطاكية وعقد الهدنة مع ملك بيت المقدس:
وبالرغم من انشغال نجم الدين إيلغازي ببعض الأمور الإدارية في ماردين؛ فقد جمع جيشاً من التركمان ، عبر بهم الفرات إلى بلاد الشام في سنة 514هـ/1120م ، واجتمع بطغتكين ، وسارا إلى أنطاكية؛ حيث ضربا عليها حصاراً ، فلم يتمكَّنا منها ، فدخلا إلى قنسرين ، وحاصراها يوماً وليلةً ، ولم ينالا منها شيئاً ، وعندها أشار ظهير الدين طغتكين على صاحبه برفع الحصار عنها ، وأن يعود كلٌّ منهما إلى بلده ، فقبل نجم الدين إيلغازي مشورة صاحبه ، وعاد إلى حلب بعد أن أدرك ما عليه الصليبيون من القوة ، وتفرق عساكره من التركمان ، واضطر إيلغازي إلى عقد هدنة مع ملك بيت المقدس بلدوين الثاني على أن يكون للصليبيين المعرَّة ، وكفر طاب ، والبازة، وضياع من جبل السماق ، وعلى أن يكون أمد هذه الهدنة نهاية السنة.
ـ نقض الهدنة:
لم يتقيَّد الصليبيون بهذه المعاهدة ، فقد أغار جوسلين صاحب «تل باشر» في السنة نفسها 514هـ/11120م على بعض البلاد التابعة لحلب ، ممَّا اضطر أهل حلب إلى إرسال احتجاج شديد اللَّهجة إلى بلدوين الثاني ملك بيت المقدس يخبرونه فيه باعتداءات جوسلين على المسلمين ، ولكنَّه رد عليهم بقوله: ما لي على جوسلين يد. ولم يقف الصليبيون عند هذا الحدِّ ، بل أغار الصليبيون بأنطاكية على بلدة «شيزر» ، وأسروا جماعة من المسلمين، وطالبوا أمير شيزر العربي أبو العساكر سلطان بن منقذ ببعض المطالب التعسُّفية ممَّا اضطرَّه إلى مصالحتهم على مالٍ يدفعه إليهم. وبالإضافة إلى ذلك فقد استغلَّ الصَّليبيون فرصة خلو حلب من إيلغازي ، فشنوا في صفر من سنة 515هـ/1121م هجوماً على الأثارب ، وأحرقوا بها من الدور ، والغلال ، وسار بلدوين الثاني ، وأغار على حلب نفسها ، وفرض عليها حصاراً شديداً أدَّى إلى وقوع خمسين أسيراً من أهلها في يده ، ونجح الحلبيون في استنقاذ إخوانهم ، وأجبروه على التراجع عنها إلى أنطاكية. وعلى ما يبدو فإنَّ نجم الدين إيلغازي قد اضطرَّ إلى البقاء في ماردين بعض الوقت ممَّا دعاه إلى مراسلة ولده سليمان بن إيلغازي النائب عنه في حلب يأمره بعقد صلح مع الصليبيين ، حصل الصَّليبييون بموجبه على سرمين ، وبلدة ليلون ، وبعض الجهات الزِّراعية المحيطة بحلب ، والأثارب.
ـ تمرُّد سليمان بن إيلغازي على أبيه:
وعلى الرغم من أنَّ الصُّلح الذي عقده سليمان بن إيلغازي مع الصليبيين لم يكن في صالح المسلمين ، فإنَّ سليمان بن إيلغازي لم يسعَ إلى علاج ما استجدَّ بحلب من الفوضى ، والاضطراب ، بل أعلن عصيانه على والده ، وأعلن استقلاله بحلب ، وقد شجَّعت هذه الخطوة من قِبل سليمان بن إيلغازي الصليبيين على مضايقة حلب ، والاستيلاء على بعض المواقع المحيطة بها في جمادى الاخرة من سنة 515هـ/1121م ، ومطالبة صاحبها سليمان بالتنازل عن الأثارب لبلدوين الثاني ملك بيت المقدس ، ولكن سكان الأثارب من المسلمين رفضوا الخضوع للصليبيين ، الأمر الذي أجبر بلدوين على التراجع إلى أنطاكية ، ومنها إلى بيت المقدس .
ـ القضاء على التمرُّد:
وأما نجم الدين إيلغازي؛ فإنَّه ما أن سمع بعصيان ابنه بحلب حتى قدم إليها على وجه السُّرعة ، فعاقب من كان وراء عصيان ابنه ، فلما رأى سليمان ما بأعوانه من عقابٍ شديد؛ خاف على نفسه ، وهرب إلى دمشق ، وطلب من صاحبها طغتكين حقَّ اللجوء ، ولما تمَّ لإيلغازي القضاء على الفتنة بحلب؛ استناب بها ابن أخيه بدر الدولة سليمان بن عبد الجبار بن أرتق ، وعقد هدنةً جديدة مع الصليبيين لمدَّة سنةٍ كاملة ، وكان هدف إيلغازي من عقد تلك الهدنة مع الصليبيين هو كسب الوقت حتى يتمكن من العودة إلى ديار بكر ، وحشد ما يمكن حشده من قوات؛ ليعيد الكرة على الصليبيين ، إضافةً إلى خوفه من قيام الصليبيين بغارةٍ على حلب ، فلا يستطيع ابن أخيه صدَّهم. وفي ماردين استطاع نجم الدين إيلغازي أن يحشد أكبر عدد من التركمان ، ثم سار بهم إلى بلاد الشام في شهر ربيع الاخر سنة 516هـ/1122م مستغلاً في ذلك الشقاق الذي حصل بين بلدوين ملك بيت المقدس ، ويونز صاحب طرابلس ، ولكن نجم الدين إيلغازي لم يستطيع أن يحقق نصراً حاسماً على الصليبيين ، وبالرَّغم من انضمام بلك بن بهرام بن أرتق ، وظهير الدين طغتكين إلى جانبه؛ غير أنه لم يمكِّن الصليبيين بأن يمدُّوا نفوذهم ، وسيطرتهم على حلب.
ـ وفاة إيلغازي وأثر ذلك على المسلمين:
في شهر رمضان من سنة 516هـ/1122م أحسَّ إيلغازي بتدهور صحته ، فعاد إلى «ميا فارقين» حيث وافته منيته هناك ، وبقدر ما كانت وفاة نجم الدين إيلغازي خسارةً فادحةً للمسلمين في بلاد الشام ، والجزيرة عامة؛ فإن المصيبة كانت أعظم على أهل حلب الذين عظمت عليهم وفاته ، لأنَّ نجم الدين إيلغازي كان قد قطع أمل زعماء الصليبين في الاستيلاء عليها ، ولم تقف أهمية وفاة نجم الدين إيلغازي إلى هذا الحدِّ ، بل أدَّت إلى أنَّ إمارته قد تفكَّكت ، وقسمت بين أولاده: حسام الدين تمرتاش؛ الذي حصل على ماردين ، وابنه سليمان الذي حصل على «ميا فارقين» ، بينما بقيت حلب من نصيب ابن أخيه سليمان بن عبد الجبار بن أرتق ، واحتفظ «بلك بن بهرام بن أرتق» بقلعة خرتبرت ، وضم إليهم حرَّان فيما بعد.
ويضاف إلى ذلك أنَّ حلب كانت نعتمد على عساكر التُّركمان؛ الذين كان يحشدهم إيلغازي من شمال الجزيرة قد افتقرت هذا العنصر البشري؛ الذي رجَّح كفة المسلمين على الصليبيين في عهد إيلغازي ، مما جعلها عرضةً لغارات الصليبيين ، وضعف مركز صاحبها سليمان بن عبد الجبار بن أرتق عن دفع الصليبيين؛ الذين استغلوا وفاة نجم الدين ، وأغاروا بقيادة بلدوين الثاني ملك بيت المقدس على بزاغة ، وبالس على نهر الفرات ، ولم يقف الأمر عند هذا الحدِّ ، بل استطاع الملك الصليبي الاستيلاء على قلعة البيرة ، حتى اصبحت حلب محاطةً بالصليبيين من جميع الجهات ، ممَّا حتم على سليمان بن عبد الجبار أن يعقد مع الصليبيين صلحاً سنة 517هـ/1123م تنازل بموجبه لهم عن حصن الأثارب.

يمكنكم تحميل كتاب صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/66.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022