(من صفات عماد الدين زنكي)
الحلقة: 16
بقلم: د. علي محمد الصلابي
محرم 1444 ه/ أغسطس 2022م
اتصف عماد الدين زنكي بمجموعة من الصفات الفذة، أسهمت في بناء شخصيته العظيمة ورصيده الخلقي، الأمر الذي جعله من بين اهم الشخصيات في تاريخنا الإسلامي، وسنركز خلال هذا المقال على ثلاث صفات أساسية طبعتت سيرة عماد الدين زنكي.
1-تقديره للرجال: ويظهر تقديره للرجال من تولية نائبه بالموصل، فبعد مقتل نصير الدين ارتاب في من يقيمه في موضعه، ويخلفه في منصبه، فوقع اختياره على الأمير علي كوجك، لعلمه بشهامته ومضائه في الأمور وبسالته، فولاه مكانه، وعهد إليه أن يقتفي اثاره في الاحتياط والتحفظ، وتتبع أفعاله في التحرز واليقظة، وإن كان لا يغني غناءه ولا يضاهي كفاءته ومضاءه، فتوجه نحوها، وحصل بها وساس أمورها سياسة سكتت معها نفوس أهلها، وبذل جهده في حماية المسالك وأمن السوابل، وقضاء حوائج ذوي الحاجات، ونصرة المظلومين، فاستقام الأمر، وحسنت بتدبيره الأحوال، وتحققت بيقظته في أعماله الأمان.(1)
2- قليل التلون والتنقل: وكان عماد الدين الزنكي رحمه الله قليل التلون والتنقل، بطيء الملل والتغير، شديد العزم، لم يتغيَّر على أحد من أصحابه مُذْ مَلَك إلى أن قتل إلا بذنب يوجب التغيُّر، والأمراء، والمقدَّمون الذين كانوا معه أوَّلاً هم الذين بقوا أخيراً من سَلِمَ منهم من الموت ؛ فلهذا كانوا ينصحونه، ويبذلون نفوسهم له، وكان الإنسان إذا قدم عسكره؛ لم يكن غريباً، إن كان جندياً؛ اشتمل عليه الأجناد، وأضافوه، وإن كان صاحب ديوان؛ قصد أهل الديوان، وإن كان عالماً؛ قصد القضاة بني الشَّهرزوري، فيحسنون إليه، ويؤنسون غربته، فيشعر وكأنه في أهله، وسبب ذلك جميعه: أنه كان يخطب الرجال ذوي الهمم العليَّة والآراء الصائبة والأنفس الأبية، ويوسع عليهم في الأرزاق، فيسهل عليهم فعل الجميل، واصطناع المعروف.(2)
3-ـ غيرته: اتصف عماد الدين زنكي بالغيرة الشديدة ولا سيما على نساء الأجناد، فإن التعرض إليهنَّ كان من الذنوب التي لا يغفرها، وكان يقول:«إن جندي لا يفارقوني في أسفاري، وقلَّما يقيمون عند أهليهم، فإن نحن لم نمنع من التعرض إلى حُرمهم؛ هلكن وفَسَدنَ»(3)، وكان قد أقام بقلعة الجزيرة دُزْداراً اسمه نور الدين حسن البربطي، وكان من خواصِّه وأقرب الناس إليه، وكان غير مرضي السيرة، فبلغه عنه: أنه يتعرض للحُرم، فأمر حاجبه صلاح الدين الياغسيساني أن يسير مُجداً، ويدخل الجزيرة، إذا دخلها أخذ البربطيَّ، وقطع ذكره، وقلع عينيه، عقوبة لنظره بهما إلى الحُرَم، ثم يصلبه، فسار الصَّلاح مُجداً، فلم يشعر البربطي إلا وقد وصل إلى البلد، فخرج إلى لقائه، فأكرمه الصَّلاح، ودخل معه البلد، وقال له:
المولى أتابك يُسلِّم عليك، ويريد أن يُعلِيَ قدرك، ويرفع منزلتك ويسلِّمَ إليك قلعة حلب، ويوليكَ جميع البلاد الشامية لتكون هناك مثل نصير الدين، فتجهَّز وتحدر مالك في الماء إلى الموصل، وتسير إلى خدمته، ففرح ذلك المسكين فلم يترك له قليلاً ولا كثيراً إلا نقله إلى السفن ليحدرها إلى الموصل في دِجْلة، فحين فرغ من جميع ذلك أخذه الصَّلاح، وأمضى فيه ما أمر به، وأخذ جميع ماله، فلم يتجاسر بعده أحد على سلوك شيءٍ من أفعاله.(4)
مراجع الحلقة السادسة عشر:
( ) ذيل تاريخ دمشق ص 172.
(2) كتاب الروضتين في أخبار الدولتين(1/163).
(3) الباهر ص 84.
(4) كتاب الروضتين في أخبار الدولتين(1/161).
يمكنكم تحميل كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي