الإثنين

1446-03-13

|

2024-9-16

الحلقة المئة (100)

تصفية المحرِّضين على الدَّولة قبل صلح الحديبية

أولاً: سرية عبد الله بن عتيك لقتل سلاَّم بن أبي الحُقيْق:

كان أبو رافع سلاَّم بن أبي الحُقَيْق من يهود بني النَّضير كثير التَّحريض على الدَّولة الإسلاميَّة، حتَّى إنَّه جعل لغطفان ومن حوله من قبائل مشركي العرب الجعل العظيم إن هي قامت لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشاع أمر أبي رافعٍ، وانتشر، وكان ممَّن ألَّب الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصبح تحريضه على دولة الإسلام من الأخطار الَّتي يجب أن يوضع لها الحدُّ.

1 - توجُّه السَّرية إلى خيبر، ودخولها:

فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافعٍ اليهوديِّ رجالاً من الأنصار، فأمَّرَ عليهم عبد الله بن عتيك، وكان أبو رافع في حصنٍ له، فلـمَّا دنوا منه، وقد غربت الشَّمس وراح النَّاس بسرحهم، قال عبد الله بن عتيك لأصحابه: اجلسوا مكانكم فإنِّي منطلقٌ، ومتلطِّفٌ للبوَّاب لعلِّي أن أدخل، فأقبل حتَّى دنا من الباب، ثمَّ تقنَّع بثوبه كأنه يقضي حاجةً، وقد دخل النَّاس، فهتف به البواب: يا عبد الله! إن كنت تريد أن تدخل؛ فادخل فإنِّي أريد أن أغلق الباب، فدخلتُ، فكمنتُ، فلـمَّا دخل الناس أغلق الباب، ثمَّ عَلَّقَ الأغاليق (أي: المفاتيح) على ودٍّ (أي: وتد)، قال ابن عتيك: فقمت إلى الأقاليد (المفاتيح) فأخذتُها، ففتحت الباب.

2 - تنفيذ العقوبة بحقِّ أبي رافع:

ولـمَّا دخل أبو عتيك رضي الله عنه ومن معه من أفراد سريَّته إلى داخل الحصن؛ أخذوا ينتظرون الفرصة المناسبة لقتل هذا اليهوديِّ الخبيث أبي رافعٍ.

وقد جاء في البخاريِّ: أنَّ عبد الله بن عتيك أدرك نفراً من أصحاب أبي رافعٍ يسمرون عنده، وكان في علالي له (أي: غرفة)، فكمنت (أي: اختبأت) حتَّى ذهب عنه أهلُ سَمَرِه، ولـمَّا ذهبوا صعِد إليه. وكلَّما دخلَ باباً أغلقَه عليه من الدَّاخل حتى لا يحول أحدٌ بينه وبين تنفيذ العقوبة بحقِّ أبي رافع، فانتهى إلى أبي رافع فإذا هو في بيتٍ مظلمٍ وسط عياله لا يدري أين هو من البيت، قال ابن عتيك: فقلت: يا أبا رافع! قال: مَنْ هذا؟

قال ابن عتيك: فأهويتُ نحو الصَّوت فأضربه ضربةً بالسَّيف؛ وأنا دَهِشٌ فما أغنيتُ شيئاً (أي: لم أقتله).

وصاح، فخرجت من البيت، فأمكثُ غير بعيدٍ ثمَّ دخلتُ إليه.

فقلت: ما هذا الصَّوت يا أبا رافع؟!

قال: لأمِّك الويلُ! إنَّ رجلاً في البيت ضربني قَبْلُ بالسَّيف.

قلت: فأضربه ضربةً أثخنته، ولم أقتله، ثمَّ وضعت ضبيب السَّيف في بطنه حتى أخذ في ظهره، فعرفت أنِّي قتلته.

فجعلت أفتح الأبواب باباً باباً، حتَّى انتهيت إلى درجةٍ له، فوضعت رجلي وأنا أرى أنِّي قد انتهيتُ إلى الأرض، فوقعتُ في ليلةٍ مقمرةٍ، فانكسرتْ ساقي، فعصبتُها بعمامةٍ، ثمَّ انطلقت حتَّى جلست على الباب، فقلت: لا أخرج اللَّيلة حتَّى أعلم أقتلته؟ فلـمَّا صاح الدِّيك قام النَّاعي على السُّور، فقال: أنعى أبا رافع تاجر أهل الحجاز، فانطلقتُ إلى أصحابي، فقلت: النَّجاءَ، فقد قتل الله أبا رافعٍ، فانتهيت إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فحدَّثته، فقال لي: «ابسط رجلك». فبسطت رجلي، فمسحها، فكأنَّها لم أشتكها قطُّ. [البخاري (4039)].

وفي روايةٍ أخرى للبخاريِّ قال عبد الله بن عتيك: قلت: يا أبا رافع! قال: مَنْ هذا؟ قال: فعمدت نحو الصَّوت، فأضربه، وصاح فلم تُغْنِ شيئاً، ثمَّ جئت كأنِّي أغيثه.

فقلت: مالك يا أبا رافع؟! وغيَّرت صوتي، فقال: ألا أعجبك، لأمِّك الويلُ! دخل عليَّ رجلٌ فضربني بالسَّيف. قال: فعمدت له أيضاً فأضربه أخرى، فلم تُغْنِ شيئاً، فصاح، وقام أهله، ثمَّ جئتُ وغيَّرتُ صوتي كهيئة المُغيث، فإذا هو مستلقٍ على ظهره، فأضع السَّيف في بطنه ثمَّ أنكفئ عليه، حتَّى سمعتُ صوت العَظْمِ.. [البخاري (4040)].

وقد ذكرت كتب السِّيرة: أنَّ امرأة أبي رافع حينما ضُرِب بالسَّيف صاحت؛ فأراد قتلها، ثمَّ كف عن ذلك؛ لأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهاهم عن قتل النِّساء، والصِّبيان، وأنَّ ابن عتيك كان يرطن بلغة اليهود، وأنَّه استخدمها مع زوجة أبي رافعٍ اليهوديِّ، وأهل بيته.

ويذكر كُتَّاب السِّيرة: أنَّ سرية ابن عتيك كلَّها شاركت في ضرب أبي رافع، وأنَّ كلَّ واحدٍ منهم ادَّعى: أنَّ ضربته كانت هي القاضية على أبي رافعٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «عجِّلوا بأسيافكم»، فأتوا بأسيافهم، فنظر إليها، ثمَّ قال: «هذا قتله»، وهو سيف عبد الله بن أُنيس، هذا أثر الطَّعام في سيف عبد الله بن أُنيس. [البخاري (4039 و4040)، وابن سعد (2/91 - 92)، والبيهقي في السنن الكبرى (9/10 - 81)، وعبد الرزاق في المصنف (5/407 - 410)، وابن هشام (3/286 - 288)].

وقد يتوهَّم القارئ الكريم أنَّ هناك تناقضاً بين رواية البخاريِّ، ورواية كتب السِّيرة الأخرى؛ الَّتي تقول: إنَّ الضربة القاضية كانت من عبد الله بن أُنيس، والحقُّ: أنَّه ليس كذلك؛ ذلك لأنَّ عبد الله بن عتيك يخبر عن نفسه وأنَّه غلب على ظنِّه: أنَّه هو القاتل، وأنَّه قد حكى عن دوره في ضرب اليهوديِّ أبي رافعٍ، ولا يعني هذا أنَّ غيره لم يشارك في قتله؛ إذ لم ينفِ هو مشاركة غيره له في قتل أبي رافع، والرِّوايات يفسِّر بعضها بعضاً، ويشرح بعضُها بعضاً، والرِّوايات تذكر: أنَّ كلَّ واحد من أفراد السَّريَّة كان يدَّعي أنَّ ضربته هي القاضية والمميتة لأبي رافعٍ.

وقد نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعواهم، وفحص سيوفهم، وحكم بعد ذلك بأنَّ الضَّربة القاضية كانت بسيف عبد الله بن أُنيس رضي الله عنه؛ لظهور أثر الطَّعام عليه، أي: أنَّ هذا السَّيف قد دخل جوف أبي رافع ومزَّق أحشاءه، وقطَّع أمعاءه، وخلط غذاءه في جوفه.

وقد ذكرت كتب السيرة أسماء سريَّة عبد الله بن عتيك، وهم: مسعودُ بن سنان، وعبدُ الله بن أُنيس، وأبو قتادة الحارث بن ربعي، وخُزاعي بن أسود.

وفي هذه السَّريَّة دروسٌ، وعبرٌ كثيرةٌ؛ منها:

1 - أنَّ كلَّ أعضاء هذه السَّريَّة كانوا من الخزرج، فقد حرصوا على أن ينافسوا إخوانهم من الأوس الَّذين قتلوا كعب بن الأشرف، فقد كانوا كفرسي رهانٍ في المسابقة في الخيرات، فهم لا يتنافسون على اغتنام مظاهر الحياة الدُّنيا من المال، والمناصب، وإنَّما يتسابقون إلى الفوز بمرضاة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الَّتي مالها رضوانُ الله تعالى، والسَّعادة الأخرويَّة.

قال كعب بن مالك: وكان ممَّا صنع الله تعالى به لرسوله صلى الله عليه وسلم : أنَّ هذين الحيين من الأنصار: الأوس، والخزرج كانا يتصاولان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تصاول الفحلين - يعني: يتسابقان في خدمته - لا يصنع الأوس شيئاً فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غناءً إلا قالت الخزرج: والله! لا تذهبون بهذه فضلاً علينا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الإسلام، قال: فلا ينتهون حتَّى يوقعوا مثلها، وإذا فعلت الخزرج شيئاً؛ قالت الأوس مثل ذلك. [ابن هشام (3/286)].

2 - فائدةُ تعلُّم لغةِ العدوِّ: فقد استطاع عبد الله بن عتيك أن يصعد إلى حصن أبي رافع، وأن يخاطب امرأته، وأن يدخل بيته مطمئناً؛ لأنَّه خاطبه بلغته لغة اليهود في ذلك الوقت، ويؤخذ من ذلك استحباب تعلُّم لغة غير المسلمين لا سيَّما الأعداء منهم، وخاصَّة لأولئك العسكريين الَّذين يذهبون لمهمَّات استطلاعيَّة تجمع أخبار العدو، وتزوِّد القيادة بها، والقيادة ترسم.

3 - عناصر نجاح خطَّة ابن عتيك في قتل أبي رافعٍ اليهوديِّ: ذهابُه وحدَه، فقد قرر أن يذهب وحيداً إلى الحصن، ويحاول أن يدخله، ومن ثَمَّ يفتِّش عن طريقة يُدخل بها أفراد سريَّته، وتصرُّفه العادي الَّذي لم يلفت انتباه أحدٍ من الحرَّاس، وقدرته على التَّمويه على الحارس، وإيهامه: أنَّه يقضي حاجته، وهذا منع الحارس من النَّظر إليه، وتفحُّصه، وتفرُّسه في وجهه، ومراقبة حركة الحارس الدَّقيقة بعد دخول الحصن، وإغلاقه، فقد كمن في مكانٍ لم يشعر به الحارس، وراقب الحارس حتَّى وضع مفتاح الحصن في مكانٍ معيَّن، وتابعه حتَّى انصرف، وأخذ المفتاح، وأصبح يستخدمه كيفما يشاء، وفي أيِّ وقتٍ شاء.

4 - عناية الله - عزَّ وجلَّ - بأوليائه المؤمنين، فهذا الصَّحابيُّ الجليل استمرَّ بعونٍ من الله تعالى يمشي، ويبذل طاقته حتَّى بعد أن أصيبت رجله، وكأنَّه لا يشكو من علَّةٍ، حتَّى إذا انتهت مهمَّته تماماً، وأصبح غير محتاجٍ لبذل الجهد؛ عاد إليه الألم، وحمله أصحابه، فلـمَّا حدَّث النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خبره؛ قال له: «ابسُطْ رجلك» قال: فبسطت رجلي، فمسحها، فكأنَّهـا لم أشـتَـكِهَا قطُّ. [البخاري (4039)].

5 - فوائد من القصَّة استخرجها ابن حجر، حيث قال: وفي هذا الحديث من الفوائد: جواز اغتيال المشرك الَّذي بلغته الدَّعوة، وأصرَّ، وقتل من أعان على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، أو ماله، أو لسانه. وجواز التَّجسُّس على أهل الحرب، وتطلُّب غرَّتهم، والأخذ بالشدَّة في محاربة المشركين، وجواز إبهام القول للمصلحة، وتعرُّض القليل من المسلمين للكثير من المشركين، والحكم بالدَّليل، والعلامة لاستدلال ابن عتيك على أبي رافع بصوته، واعتماده على صوت النَّاعي بموته، والله أعلم.

6 - وجود عبد الله بن أُنيس جندياً في هذه السَّريَّة، وليس أميراً فيها له دلالتُه الكبرى في عملية التَّربية والتَّعليم، فهو العقبيُّ، البدريُّ، المصلِّي للقبلتين؛ فهو من السَّابقين الأوَّلين من الأنصار، وليس عبد الله بن أُنيس نكرةً في مجال الجهاد والبطولات، فلا بدَّ أن نذكر: أنَّه السَّريَّة وحده الَّذي ابتعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لاغتيال سفيان بن خالد الهُذلي في أطراف مكَّة، وهو الَّذي كان يعدُّ العدَّة لغزو المدينة، وهو الَّذي نجح نجاحاً باهراً في مهمَّته تلك، وقتله في فراشه، وداخل خيمته، وأعجز قومه هرباً، وعاد منتصراً مظفَّراً، فهو مليءٌ بالمجد، ومع ذلك فلم يكن أمير المجموعة، إنَّما كان أحد أفرادها، وهو يحمل هذا التَّاريخ المشرق في سجلاته عند ربِّه - عزَّ وجلَّ - قبل أن يكون عند النَّاس.

وهو درسٌ تربويٌّ خالدٌ قد استوعبه أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وهذا النَّوع من التربية لا مثيل له في عالم الأرض، فالَّذي يحكم في الجيوش تسلسل الرُّتب، حتى إنَّ الرتبة الواحدة يحكم بها المتقـدِّمُ المستجدَّ، وعلـى المستجـدِّ السَّمع، والطَّاعة للمتقدِّم؛ ولو بأشهرٍ، وبهذا المنطق لا يجوز أن يتقدَّم على عبد الله بن أُنيسٍ أحدٌ، ولكنَّها التَّربية النَّبويَّة العظيمة الَّتي خطَّها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في أكثر من موقعٍ؛ لتجعل هذا الجيل يتعلَّم من سابقه، ويتدرَّب على يديه، فطالما أرسل صلى الله عليه وسلم سرايا فيها أبو بكرٍ، وعمر جنديين عاديين في غمار الجنود.

ثانياً: سريَّة عبد الله بن رواحة إلى اليُسير بن رِزَام اليهوديِّ:

بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ اليسير بن رِزام أمير اليهود بخيبر بعد سلام بن أبي الحُقَيق أخذ في جمع يهود الشَّمال، وتحريضهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يكتفِ بذلك، بل بدأ بتأليب قبائل غطفان، وجمعها لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحين علم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبيِّته اليهود له من الخديعة، والمكر، رأى صلى الله عليه وسلم أن يتأكَّد من ذلك قبل أن يقدم على أمرٍ ما، فأرسل عبد الله بن رواحة في نفرٍ من المسلمين، رواداً يكتشفون ما تخبئه يهود، ومن لَفَّ لفَّها من مشركي العرب.

وقد تأكَّدت المخابرات النَّبويَّة من أمر اليُسَيْر بن رِزَام، وكان هذا كافياً لقيام النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ببعث سريَّةٍ في ثلاثين راكباً، عليهم عبد الله بن رواحة، وفيهم عبد الله بن أُنيس، فأتوه، فقالوا: أرسلنا إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستعملك على خيبر، فلم يزالوا به حتَّى تبعهم في ثلاثين رجلاً، مع كلِّ رجلٍ منهم رديفٌ من المسلمين، وكان هو رديف عبد الله بن أنيس على بعيره، حتَّى إذا كانوا بَقرقَرة ثيار على ستَّة أميالٍ من خيبر، ندم اليُسَيْر على مسيره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأهوى بيده على سيف رديفه ابن أُنيس، ففطن له، فاقتحم به، ثمَّ ضربه بالسَّيف، فقطع رجله، وضربه اليُسَير بِمِخْرَشٍ في يده مِنْ شواحط، فضرب به وجه عبد الله فأمَّه، ومال كلُّ رجلٍ من المسلمين على رديفه من اليهود فقتله، إلا رجلاً واحداً أفلت على رجليه، فلـمَّا قدِم ابن أُنيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ تفل على شجَّته، فلم تَقِحْ، ولم تؤذه. [ابن هشام (3/266 - 267)]. وكانت هذه السَّريَّة في شوال سنة ستٍّ من الهجرة.

وفي هذه السَّريَّة دروسٌ، وعبرٌ؛ منها:

1 - كانت الخطَّة النَّبويَّة هي محاولة إيقاف نهر الدَّم بين اليهود والمسلمين ابتداءً، فقد كان دور عبد الله بن رواحة في هذا الاتجاه، غير أنَّ الحقد اليهوديَّ الَّذي أشرب قلوبهم، والسُّمَّ الَّذي ينفثونه على المسلمين، هو الَّذي غلب آخر الأمر، وأفسد الخطَّة كلَّها، فقد حاولوا الغدر بالمسلمين، فوقعت الدَّائرة عليهم.

2 - إنَّ البأس في الحرب ما لم يكن غليظاً، وشديداً؛ فلن يحسم المواجهة مع العدوِّ، وسيجعل الحرب تفني كلَّ شيء، وتأكل كلَّ شيءٍ، فلا بدَّ من بثِّ الرَّهبة، والرُّعب في قلب العدوِّ، ولا بدَّ من الشِّدَّة معه حين لا يجدي الحوار، أو المناقشة، ولا بدَّ من الغلظة الَّتي تشعر العدوَّ: أنَّ مَنْ يقاتله لا يخشى في الله لومة لائم.

3 - شهد العامُ السَّادس من الهجرة تصعيداً عنيفاً في عمليَّات المواجهة مع العدو، ولا يكاد يمرُّ شهرٌ دون سريَّةٍ، أو سريَّتين تضرب في الصَّحراء، وتفضُّ جمعاً، أو تحطِّم عدوّاً، أو تغتال طاغوتاً، فقد كان شعار المرحلة: «الآن نغزوهم ولا يغزوننا» [سبق تخريجه]، فقد كان حزب الله ينطلق في الآفاق باسم الله، يحمل المبادئ الخالدة، والقيم العليا يقدِّمها للخلق كافَّةً، ويزيح كلَّ طاغوتٍ يحول دون وصول هذه المبادئ، ونشهد حزب الله في أفراده جميعاً، والَّذين تلقوا أعلى مستويات التَّربية الخلقية، والفكريَّة، والعسكريَّة، والسياسيَّة كيف ينفِّذون هذا المنهج، وكيف يكون واقعُهم ترجمةً عمليَّةً وحيَّةً لمبادئهم، وكيف يتقدَّمون ليتصدَّروا مرحلةً جديدةً تبدأ معالمها، وملامحها مع صلح الحديبية.

يمكن النظر في كتاب السِّيرة النَّبويّة عرض وقائع وتحليل أحداث

                        على الموقع الرسمي للدكتور علي محمّد الصّلابيّ

http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/BookC-169.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022