الإثنين

1446-03-13

|

2024-9-16

الحلقة الرابعة والتسعون (94)

غزوة الأحزاب (5 هـ) تاريخها، وأسبابها، وأحداثها

أولاً: تاريخ الغزوة، وأسبابها:

1 - تاريخ الغزوة:

ذهب جمهور أهل السِّير والمغازي إلى أن غزوة الأحزاب كانت في شهر شوَّال من السَّنة الخامسة، وقال الواقديُّ: إنَّها وقعت في يوم الثلاثاء الثَّامن من ذي القعدة في العام الخامس الهجريِّ، وقال ابن سعدٍ: إنَّ الله استجاب لدعاء الرَّسول (ﷺ) ، فهزم الأحزاب يوم الأربعاء من شهر ذي القعدة سنة خمسٍ من مهاجره (ﷺ) . ونقل عن الزُّهريِّ، ومالك بن أنس، وموسى بن عقبة: أنَّها وقعت سنة أربعٍ هجريَّة.

ويرى العلماء: أنَّ القائلين بأنَّها وقعت سنة أربع كانوا يعدُّون التاريخ من المحرم الَّذي وقع بعد الهجرة، ويلغون الأشهر الّتي قبل ذلك إلى ربيع الأوَّل وهو مخالف لما عليه الجمهور من جعل التَّاريخ من المحرَّم سنة الهجرة، وجزم ابن حزمٍ: أنَّها وقعت سنة أربعٍ لقول ابن عمر: أنَّ الرسول (ﷺ) ردَّه يوم أحدٍ - وهي في السَّنة الثَّالثة باتِّفاق - وهو ابن أربع عشرة سنة [البخاري (4097)، ومسلم (1868)] ولكنَّ البيهقيَّ [دلائل النبوة (2/296)] وابن حجر، وغيرهما فسَّروا ذلك بأنَّ ابن عمر كان يوم أحدٍ في بداية الرَّابعة عشرة، ويوم الخندق في نهاية الخامسة عشرة وهو الموافق لقول الجمهور. وإلى ما ذهب إليه الجمهور - وهو الرَّاجح لديَّ - مال ابن القيِّم، حيث قال: وكانت سنة خمسٍ من الهجرة في شوال على أصحِّ القولين؛ إذ لا خلاف: أنَّ أُحداً كانت في شوَّال سنة ثلاثٍ، وواعد المشركون رسول الله (ﷺ) في العام المقبل، وهو سنة أربعٍ، ثمَّ أخلفوه من أجل جدب تلك السَّنة، فرجعوا، فلـمَّا كانت سنة خمس جاؤوا لحربه.

2 - أسبابها:

إنَّ يهود بني النَّضير بعد أن خرجوا من المدينة إلى خيبر خرجوا وهم يحملون معهم أحقادهم على المسلمين، فما إن استقرُّوا بخيبر؛ حتى أخذوا يرسمون الخطط للانتقام من المسلمين، فاتَّفقت كلمتُهم على التَّوجُّه إلى القبائل العربيَّة المختلفة لتحريضها على حرب المسلمين، وكوَّنوا لهذا الغرض الخبيث وفداً يتكوَّن من سلام ابن أبي الحقيق، وحيي بن أخطب، وكنانة بن الرَّبيع بن أبي الحقيق، وهوذة بن قيس الوائلي، وأبي عمَّار.

وقد نجح الوفد نجاحاً كبيراً في مهمَّته، حيث وافقت قريش الَّتي شعرت بمرارة الحصار الاقتصاديِّ المضروب عليها من قِبَل المسلمين، ووافقت غطفان طمعاً في خيرات المدينة، وفي السَّلب، والنَّهب، وتابعتهم قبائل أخرى. وقد قال وفد اليهود لمشركي مكَّة: إنَّ دينكم خيرٌ من دين محمَّدٍ، وأنتم أولى بالحقِّ منه. وعن ذلك يقول الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاَءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ﴾ [النساء 51 - 52].

وحول هذه المقالة أشار الأستاذ ولفنسون إلى الخطأ الكبير الَّذي وقع فيه هؤلاء اليهود بتفضيلهم دين قريشٍ الوثنيَّ على دين الإسلام الَّذي يدعو إلى عبادة الإله الواحد ، فقال: «والَّذي يؤلم كلَّ مؤمن بإلهٍ واحدٍ من اليهود، والمسلمين على السَّواء، إنَّما هو تلك المحادثة الَّتي جرت بين نفرٍ من اليهود، وبين قريشٍ الوثنيِّين، حيث فضَّل هؤلاء النَّفر من اليهود أديان قريشٍ على دين صاحب الرِّسالة الإسلاميَّة». ولا ريب أن قريشاً قد سُرَّت بما سمعت من مدحٍ لدينها، فازدادت حماساً، وأصبحت أكثر تصميماً على حرب المسلمين، ثمَّ أعلنت موافقتها على هذه الدَّعوة، والاشتراك في الحملة الَّتي ستهاجم المدينة، وضربت لها موعداً .

وقد أبرم الوفد اليهوديُّ مع زعماء أعراب غطفان اتفاقيَّة الاتحاد العربيِّ الوثنيِّ اليهوديِّ العسكريِّ ضدَّ المسلمين، وكان أهم بنود هذا الاتفاق هو:

أ - أن تكون قوَّة غطفان في جيش الاتِّحاد هذا ستَّةَ الاف مقاتلٍ.

ب - أن يدفع اليهود لقبائل غطفان «مقابل ذلك» كلَّ تمر خيبر لسنةٍ واحدةٍ.

لقد استطاع وفد اليهود أن يرجع من رحلته إلى المدينة ومعه عشرةُ الاف مقاتلٍ؛ أربعة الاف من قريشٍ، وأحلافها، وستَّةُ الافٍ من غطفان، وأحلافها، وقد نزلت تلك الأعداد الهائلة بالقرب من المدينة.

ثانياً: متابعة المسلمين للأحزاب:

كان جهاز أمن الدَّولة الإسلاميَّة على حذرٍ تام من أعدائه؛ لذا فقد كان يتتبَّع أخبار الأحزاب، ويرصد تحرُّكاتهم، ويتابع حركة الوفد اليهوديِّ منذ خرج من خيبر في اتِّجاه مكَّة، وكان على علمٍ تامٍّ بكلِّ ما يجري بين الوفد اليهوديِّ، وبين قريش أوَّلاً، ثمَّ غطفان ثانياً، وبمجرَّد حصول المدينة على هذه المعلومات عن العدوِّ شرع الرَّسول (ﷺ) في اتخاذ الإجراءات الدِّفاعية اللاَّزمة، ودعا إلى اجتماعٍ عاجلٍ، حضره كبار قادة جيش المسلمين من المهاجرين، والأنصار، بحث فيه معهم هذا الموقف الخطير النَّاجم عن مساعي اليهود الخبيثة، فأدلى سلمان الفارسيُّ رضي الله عنه برأيه الَّذي يتضمَّن حفر خندقٍ كبيرٍ لصدِّ عدوان الأحزاب، فأُعْجِبَ النَّبيُّ (ﷺ) بذلك، قال الواقديُّ رحمه الله: فقال سلمان: يا رسول الله! إنَّا إذا كنا بأرض فارس، وتخوَّفنا الخيل، خندقنا علينا، فهل لك يا رسول الله أن تخندق؟ فأعجب رأي سلمان المسلمين.

وعندما استقرَّ الرَّأي - بعد المشاورة - على حفر الخندق، ذهب النَّبيُّ (ﷺ) هو وبعض أصحابه لتحديد مكانه، واختار للمسلمين مكاناً تتوافر فيه الحماية للجيش، فقد ذكر الواقديُّ: أنَّ رسول الله (ﷺ) ركب فرساً له، ومعه نفرٌ من أصحابه من المهاجرين، والأنصار، فارتاد موضعاً ينزله، فكان أعجب المنازل إليه أن يجعل سَلْعاً خلف ظهره، ويخندق من المذاد إلى ذباب إلى راتج، وقد استفاد (ﷺ) من مناعة جبل سَلْع في حماية ظهور الصَّحابة.

كان اختيار تلك المواقع موفَّقاً؛ لأنَّ شمال المدينة هو الجانب المكشوف أمام العدوِّ، والَّذي يستطيع منه دخول المدينة، وتهديدها، أمَّا الجوانب الأخرى فهي حصينةٌ منيعةٌ، تقف عقبةً أمام أيِّ هجوم يقوم به الأعداء، فكانت الدُّور من ناحية الجنوب متلاصقةً عاليةً كالسُّور المنيع، وكانت حرَّة واقم من جهة الشَّرق، وحرة الوبرة من جهة الغرب، تقومان كحصنٍ طبيعيٍّ، وكانت اطام بني قريظة في الجنوب الشَّرقي كفيلةً بتأمين ظهر المسلمين، وكان بين الرَّسول (ﷺ) وبني قريظة عهدٌ ألاَّ يمالئوا عليه أحداً، ولا يناصروا عدوّاً ضدَّه.

ويستفاد من بحث الرَّسول (ﷺ) عن مكانٍ ملائمٍ لنزول الجند أهمِّيةُ الموقع الذي ينزل فيه الجند، وأنَّه ينبغي أن يتوافر فيه شرطٌ أساسيٌّ، وهو الحماية التامَّة للجند؛ لأنَّ ذلك له أثرٌ واضحٌ على سير المعركة، ونتائجها.

لقد كانت خطَّة الرَّسول (ﷺ) في الخندق متطورةً، ومتقدِّمةً، حيث شرع بالأخذ بالأساليب الجديدة في القتال، ولم يكن حفر الخندق من الأمور المعروفة لدى العرب في حروبهم؛ بل كان الأخذ بهذا الأسلوب غريباً عنهم، وبهذا يكون الرَّسول (ﷺ) هو أوَّل من استعمل الخندق في الحروب في تاريخ العرب والمسلمين، فقد كان هذا الخندق مفاجأةً مُذهلةً لأعداء الإسلام، وأبطل خطَّتهم الَّتي رسموها، وكان من عوامل تحقيق هذه المفاجأة ما قام به المسلمون من إتقانٍ رفيعٍ لسرّية الخطَّة، وسرعة إنجازها، وكان هذا الأسلوب الجديد في القتال له أثرٌ في إضعاف معنويات الأحزاب، وتشتيت قواتهم.

ثالثاً: اهتمام النبي (ﷺ) بالجبهة الدَّاخلية:

1 - لـمَّا علم النَّبيُّ (ﷺ) بقدوم جيش الأحزاب ، وأراد الخروج إلى الخندق أمر بوضع ذراري المسلمين ، ونسائهم، وصبيانهم في حصن بني حارثة؛ حتَّى يكونوا في مأمنٍ من خطر الأعداء، وقد فعل ذلك (ﷺ)؛ لأنَّ حماية الذَّراري، والنِّساء، والصِّبيان لها أثرٌ فعَّالٌ على معنويات المقاتلين؛ لأنَّ الجندي إذا اطمأنَّ على زوجه، وأبنائه يكون مرتاح الضَّمير، هادئ الأعصاب، فلا يشغل تفكيره أمرٌ من أمور الحياة، يُسخِّر كل إمكاناته، وقدراته العقليَّة، والجسديَّة للإبداع في القتال، أمَّا إذا كان الأمر بعكس ذلك؛ فإنَّ أمر الجندي يضطرب، ومعنوياتُه تضعُف ويستولي عليه القلق، ممَّا يكون له أثر في تراجعه عن القتال وبذلك تنزل الكارثة بالجميع.

2 - ومن الأمور الَّتي أسهمت في قوية، وتماسك الجبهة الدَّاخلية مشاركةُ النبي (ﷺ) جنده أعباء العمل، فقد شارك الرَّسول (ﷺ) الصَّحابة في العمل المضني، فأخذ يعمل بيده الشَّريفة في حفر الخندق، فعن ابن إسحاق، قال: سمعت البراء يحدِّث قال: لما كان يوم الأحزاب، وخندق رسول الله (ﷺ) ؛ رأيتُه ينقل من تراب الخندق حتَّى وارى عني التُّرابُ جِلدَة بطنِه، وكان كثير الشَّعر. [البخاري (4106)، ومسلم (1803)]. فعمل رسول الله (ﷺ) مع الصَّحابة بهمَّةٍ عاليةٍ لا تعرف الكلل، فأعطى القدرة الحسنة لأصحابه حتَّى بذلوا ما في وسعهم لإنجاز حفر ذلك الخندق.

3 - وكان (ﷺ) يشارك الصَّحابة رضي الله عنهم في آلامهم، وآمالهم، بل كان يستأثر بالمصاعب الجمَّة دونهم، ففي غزوة الأحزاب نجد: أنَّه (ﷺ) كان يعاني ألم الجوع كغيره، بل أشدَّ، حيث وصل به الأمر إلى أن يربط حجراً على بطنه الشَّريف من شدَّة الجوع، ثمَّ إنَّه (ﷺ) شاركهم في امالهم، فحين وجد ما يسدُّ رمقه بعد هذا الجوع الَّذي استمر ثلاثاً، لم يستأثر بذلك دونهم، وهذا ما سوف نعرفه بإذن الله عند الحديث عن وليمة جابر بن عبد الله رضي الله عنه.

4 - رفع معنويات الجنود وإدخال السُّرور عليهم: اقترن حفر الخندق بصعوباتٍ جمَّة، فقد كان الجو بارداً، والرِّيح شديدةً، والحالة المعيشية صعبةً، بالإضافة إلى الخوف من قدوم العدو الَّذي يتوقَّعونه في كلِّ لحظةٍ، ويضاف إلى ذلك العمل المضني حيث كان الصَّحابة يحفرون بأيديهم وينقلون التراب على ظهورهم، ولاشكَّ في أن هذا الظرف - بطبيعة الحال - يحتاج إلى قدرٍ كبير من الحزم، والجدِّ، ولكنَّ النَّبيَّ (ﷺ) لم ينسَ في هذا الظَّرف: أنَّ هؤلاء الجند إنَّما هم بشرٌ كغيرهم، لهم نفوسٌ بحاجةٍ إلى الرَّاحة من عناء العمل، كما أنَّها بحاجةٍ إلى مَنْ يدخل السُّرور عليها؛ حتَّى تَنسى تلك الالام الَّتي تعانيها فوق معاناة العمل الرَّئيسي، ولهذا نجد: أنَّ النَّبيِّ (ﷺ) كان يرتجز بكلمات ابن رواحة، وهو ينقل التُّراب:

 

اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ ما اهْتَدَيْنا

 

ولا تَصَدَّقْنَا ولا صَلَّيْنَا

 

 

فأَنْزِلَنْ سَكِيْنَةً عَلَيْنَا

 

وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا

 

 

إنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا

 

وإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا

 

 ثُمَّ يَمدُّ صوته بآخرها. [البخاري (4106)].

وعن أنسٍ رضي الله عنه: أنَّ أصحاب محمَّدٍ (ﷺ) كانوا يقولون يوم الخندق:

 

نَحْنُ الَّذِيْنَ بَايَعُوا مُحَمَّداً

 

عَلَى الإِسْلامِ مَا بَقِيْنَا أَبَداً

 

أو قال على الجهاد، والنَّبيُّ (ﷺ) يقول:

 

اللَّهُمَّ إِنَّ الْخَيْرَ خَيْرُ الآخره

 

فاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ والمُهَاجِره

 

لقد كان لهذا التَّبسُّط، والمرح في ذلك الوقت أثرُه في التَّخفيف عن الصَّحابة ممَّا يعانونه نتيجةً للظُّروف الصَّعبة، الَّتي يعيشونها، وكما كان له أثرهُ في بعث الهِمَّة، والنَّشاط، بإنجاز العمل الَّذي كُلِّفوا بإتمامه، قبل وصول عدوِّهم.

5 - تقدير ظروف الجند، والإذن بالانصراف عند الحاجة: كان الصَّحابة رضي الله عنهم على قدرٍ كبير من الأدب مع النَّبيِّ (ﷺ) ، فكانوا يستأذنونه في الانصراف إذا عرضت لهم ضرورةٌ، فيذهبون لقضاء حوائجهم، ثمَّ يرجعون إلى ما كانوا فيه من العمل، رغبةً في الخير، واحتساباً له، فأنزل الله فيهم: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 62]. ومعنى الآية الكريمة: إذا استأذنك يا محمَّد! الَّذين لا يذهبون عنك إلا بإذنك في هذه المواطن لقضاء بعض حاجاتهم؛ الَّتي تعرض لهم فائذن لمن شئت منهم في الانصراف عنك لقضائها، واستغفر لهم، فكان النَّبيُّ (ﷺ) بالخيار، إن شاء؛ أذن له؛ إذا رأى ذلك ضرورة للمستأذن، ولم ير فيه مضرَّة على الجماعة، فكان يأذن، أو يمنع حسب ما تقتضيه المصلحة، ويقتضيه مقام الحال.

6 - تقسيم الصَّحابة إلى دورياتٍ للحراسة: قسم النَّبيُّ (ﷺ) أصحابه إلى مجموعاتٍ للحراسة، ومقاومة كلِّ مَنْ يريد أن يخترق الخندق، وقام المسلمون بواجبهم في حراسة الخندق، وحراسة نبيِّهم (ﷺ) ، واستطاعوا أن يصدُّوا كلَّ هجومٍ حاول المشركون شنَّه، وكانوا على أهبة الاستعداد جنوداً، وقيادةً، حتَّى إنَّهم استمرُّوا ذات يوم من السَّحَر إلى جوف اللَّيل في اليوم الثَّاني، ويفوت المسلمين الصَّلواتُ الأربع، ويقضونها لعجزهم عن التوقُّف لحظةً واحدةً في أثناء الاشتباك المباشر للقتال، واستطاع عليُّ بن أبي طالب مع مجموعة من الصَّحابة أن يصدُّوا محاولة عكرمة بن أبي جهلٍ، بل تصدَّى عليٌّ لبطل قريش عمرو بن عبد ودِّ، وقتله، وكانت هناك مجموعةٌ من الأنصار تقوم بحراسة النَّبيِّ (ﷺ) في كلِّ ليلةٍ على رأسهم عبَّاد بن بشرٍ رضي الله عنه، فالنَّبيُّ (ﷺ) هو القائد الأعلى وهو المشرف المباشر على إدارة المعركة، فهو الَّذي يرسم الخطط، ويراقب تنفيذها، فهو الَّذي:

أ - أمر بحفر الخندق، بعد أن تمَّت المشاورة في ذلك، فاختار مكاناً مناسباً لذلك، وهي السُّهول الواقعة شمال المدينة؛ إذ كانت هي الجهة الوحيدة المكشوفة أمام الأعداء.

ب - قسَّم أعمال حفر الخندق بين الصَّحابة، كلَّ أربعين ذراعاً لعشرة من الصَّحابة، ووكَّل بكلِّ جانبٍ جماعةً يحفرون فيه.

ج - سيطر على العمل، فلا يستطيع أحدٌ ترك عمله إلا بإذنٍ منه (ﷺ) .

د - قسم (ﷺ) واجبات احتلال المواضع بنفسه بحيث تستمرُّ الحراسة على كلِّ شبرٍ من الخندق ليلاً، ونهاراً، ثمَّ إنَّه (ﷺ) كان يقوم بمهمَّة الإشراف العامِّ على الجند بتشجيعهم، ورفع معنوياتهم.

ه ـ استطاع (ﷺ) - لما يتمتَّع به من حنكةٍ، وبراعةٍ سياسيَّةٍ مستمدَّةٍ من شخصيته النَّبويَّة - أن يمسك بزمام الأمور وينقذ المؤمنين من الموقف الحرج الَّذي حدث لهم عندما وصلت الأحزاب إلى المدينة، وأصبح الخطر يهدِّد المدينة، وما حولها، فقد توحَّدت قيادة المسلمين تحت زعامته (ﷺ) ، فكان ذلك من أسباب كسب المعركة، والفوز بها.

 

يمكن النظر في كتاب السِّيرة النَّبويّة عرض وقائع وتحليل أحداث

                        على الموقع الرسمي للدكتور علي محمّد الصّلابيّ

http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/BookC-169.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022