الجمعة

1446-04-15

|

2024-10-18

من كتاب المسيح ابن مريم عليه السلام : الحقيقة الكاملة
(التفاضل بين الرسل)
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
جمادى الآخرة 1442 ه/ يناير 2021
 
قال تعالى:﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ﴾(البقرة: 253). في قوله: (منهم من كلم الله)، فالمراد به موسى عليه السلام، إذ هو المشتهر بين الأنبياء صلوات الله عليهم بالتكليم، حيث قال تعالى له:﴿ قَالَ يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي ﴾(الأعراف: 144). وقال تعالى:﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾(النساء: 164).
وقال تعالى في حق عيسى ابن مريم:﴿ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ ﴾(البقرة: 87).
وقال تعالى في حق عيسى:﴿ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ﴾(البقرة: 253).
وروح القدس هو جبريل في أظهر الأقوال، فمن كان تأييد الله تعالى له من الأنبياء بالملائكة أكثر وأظهر كان أفضل، وعند بعض العلماء: وأيده بروح القدس أي: بروح الإيمان، فجعل روحانيته فائقة روحانية غيره، فحصل له القوة والتأييد، وإن كان أصل التأييد بهذه الروح عاماً لكل مؤمن بحسب إيمانه، كما قال تعالى:﴿ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ﴾(المجادلة: 22)، ولكن ما لعيسى أعظم ممَّا لغيره، لهذه خصَّه بالذكر، وعليه فكلُّ من كان تأييد الله له من الأنبياء بالإيمان أعظم وأقوى كان أفضل.
وحين يذكر الله تكليمه لأحد ينصرف الذهن إلى موسى عليه السلام، ومن ثم لم يذكره باسمه في هذه الآية، وذكر عيسى ابن مريم عليه السلام، وهكذا يرد اسمه منسوباً إلى أمه في أغلب المواضع القرآنية، والحكمة في هذا واضحة، فقد نزل القرآن وهناك حشد من الأساطير الشائعة حول عيسى عليه السلام ونبوته لله سبحانه وتعالى، أو عن ازدواج طبيعته من اللاهوت والناسوت أو عن تفرده بطبيعة إلهية ذابت فيها الطبيعة الناسوتية كالقطرة في الكأس إلى آخر هذه التصورات الأسطورية التي أغرقت الكنائس والمجامع في الجدل حولها، وجرت حولها الدماء أنهاراً في الدولة الرومانية ومن ثم كان هذا التوكيد الدائم على بشرية عيسى عليه السلام، وذكره في معظم المواضيع منسوباً إلى أمه مريم.
وأما روح القدس فالقرآن الكريم يعني به جبريل عليه السلام، فهو حامل الوحي إلى الرسل، وهذا أعظم تأييد وأكبره، وهو الذي ينقل الإشارة الإلهية إلى الرسل بانتدابهم لهذا الدور الفذّ العظيم، وهو الذي يثبتهم على المضيِّ في الطريق الشاقِّ الطويل، وهو الذي يتنزَّل عليهم بالسكينة والتثبت والنصر في مواقع الهول والشدَّة في ثنايا الطريق، وهذا كلُّه التأييد.
أما البيانات التي أتاها عيسى عليه السلام، فتشمل الإنجيل الذي نزل عليه كما تشمل الخوارق التي أجراها على يديه والتي سيرد ذكرها مفصلة بإذن الله تعالى تصديقاً لرسالته في مواجهة بني إسرائيل المعاندين.
وأفضل الرسل أولو العزم، فقد امتدحهم الله عز وجل بالعزم وخصَّهم بالذكر من بين رسله، وأمر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، قد فضله على جميع خلقه، أن يقتدي بهم قال تعالى:﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ﴾(الأحقاف: 35).
فأفضل أولياء الله هم أنبياؤه، وأفضل أنبيائه هم المرسلون منهم، وأفضل المرسلين هم أولو العزم، وأولو العزم هم خمسة كما مرَّ معنا: محمد، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى عليهم الصلاة والسلام، وهم الخمسة المذكورون نصَّاً في قوله تعالى:﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾(الأحزاب: 7).
وفي قوله سبحانه: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ﴾ (الشورى: 13)، فقد خصَّهم الله عز وجل بالذكر في هاتين من بين الأنبياء، وهو تنبيه إلى فضلهم بين سائر الأنبياء، وقد خصَّهم سبحانه بالذكر في ذكره أعظم الأمور وأفضلها وأغلظها وهو الميثاق الذي قال فيه: ﴿ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ (النساء: 154).
والوصايا التي شرعها لخلقه وذلك ما أخذ على جميع النبيين، وبعث به جميع النبيين، وهو العهد الذي بين الله وخلقه، وهو إقامة الدين وعدم التفرق فيه، وإسلام الوجه له، والدعوة إلى ذلك، والمجاهدة فيه، والموالاة فيه والبراءة فيه. وهؤلاء الخمس -صلوات الله وسلامه عليهم -أكمل وأعظم من قام بهذا الميثاق، ولذا خصُّوا بالذكر.

يمكنكم تحميل كتاب المسيح ابن مريم عليه السلام : الحقيقة الكاملة من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:

http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/626
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:

https://alsalabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022