مع نزول آدم وحواء إلى الأرض رضي آدم وزوجته بما قدر الله سبحانه وتعالى عليهم وقبلوا بهذه الحياة الجديدة وبهذا الواقع الصعب والمؤلم مقارنة مع ما كانا عليه من رغد العيش والنعيم الذي كان في الجنة، وبدأ آدم يتأقلم مع ظروف الحياة الجديدة فقد أوحي إليه كيف يتأقلم مع هذه الحياة ويدير شؤون معيشته، ومن ثم تزوج حواء وأنجب منها الأولاد العدد الكثير.
أولاً: الزواج والتناسل:
إذا كان آدم عليه السلام هو أصل البشرية، الذي خلقه الله بيده من طين لازب، ثم خلق الله زوجه بقدرته سبحانه كما شاء وأراد فإنه سبحانه جعل توالد ذريته وتناسلهم بصورة أخرى من صور الخلق البديعة العظيمة، التي تدل على قدرة القادر العظيم والخالق المدبر لما يشاء كما يشاء، فقد جاء خلق آدم بطريقة، وخلق حواء بطريقة غيرها، وجعل سنة الخلق في ذريتهما بصورة كذلك، ليدل ذلك على تنوع القدرة وتعدد صورها وليعلم الناس أنه:﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ ]البروج:16[.
وقد تحدّث القرآن الكريم عن أول لقاء جنسي بين آدم عليه السلام وزوجه في الأرض:
– قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ ]الأعراف:189[، بينت الآية الكريمة أن الله تعالى خلقكم من نفس واحدة وهي نفس آدم عليه السلام وجعل منها زوجها حواء؛ ليأوي إليها لقضاء الحاجة واللذة، فلما تغشّاها وتدثّرها لقضاء حاجته حملت منه حملاً خفيفاً، وكذلك هو حال حمل المرأة من زوجها، فإن حمل ماء الرجل حمل خفيف عليها، ومرّت به أي استمرت بها قياماً وقعوداً حتى أتمت الحمل، فلما أصبح ثقيلاً بعد أن كان خفيفاً ودنت ولادتها، هناك دعا آدم عليه السلام وحواء ربهما أن يكونا من الصالحين، إذا كان ما في بطنهما صالحاً في الخلق وصالحاً في الدين وصالحاً في العقل والتدبير، ونلاحظ في الآية الكريمة:
– أدب الحديث عن الجنس، فالقرآن يتحدث عن أول لقاء جنسي في البشرية، كما يتحدث عن طبيعة اللقاء الجنسي بين الأزواج بغاية من الأدب والحس، فلا يجرح شعوراً ولا يخدش إحساساً، بل يشير إلى ذلك بعبارة بسيطة في لفظها كثيرة بفوائدها مترامية بآدابها، فالإنسان أو المسلم إذا أراد أن يتحدث عن واحدة من مسائل الجنس ومفرداته، في أي حال من أحواله في وقته وزمانه عليه أن يلتزم الأدب الجم وهو يصف أمراً أو ناهياً أو مسترشداً، فقد عبر القرآن الكريم عن الجماع وكنّى بألفاظ غاية في الأدب والترفع، فإذا شعر الإنسان بحرج من لفظ ما أمام الناس، فليعلم أنه حاد طريق الأدب ونزل عن الترفع.
– الحمل في بداياته خفيف لا تشعر به المرأة ولا تشعر بثقله إلا بعد أشهر على التدريج، ولو شعرت بثقله للتوّ وفور الجماع لما استطاعت أنثى حمله، لكنها رحمة الله تعالى بالإنسان وعنايته به، سواء أكان في ذلك الجنين أم الأم أو الأب، فاستحق الله تعالى مزيداً من الشكر والعبادة على ذلك، من المرأة والرجل على الفور ومن الجنين على التراخي، ألا ترى المرأة تجب عليها الصلاة كل وقتها وهي حامل، ولا تعذر بتركها أو التقصير فيها، كما هو حالها أيام حيضها أو نفاسها.
– الولادة عملية إنتاج إنسان من إنسان، وهي بحاجة إلى كثير من الدعاء والتوجه إلى الله تعالى، فهي لحظات صعبة وشديدة على الأم الوالدة ولا يملك الفرد منا أن يكافئ أمه بشيء من آلام الطلق والولادة حتى لو طاف بأمه على عاتقيه الكعبة بالحج، روى البخاري في الأدب المفرد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى رجلاً يمانياً يطوف بالبيت، حمل أمه وراء ظهره، يقول: إن لها بعيرها المذلل إن أذعرت ركابها لم أذعر، ثم قال لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: يا ابن عمر أتراني جزيتها؟ قال: لا ولا بزفرة واحدة.
وهكذا بدأت الحياة على الأرض بالتزاوج والتكاثر والتوالد ولا بد أن آدم مع شريكة حياته أدار ما حولهم من أمر الأسرة وتوزيع الأدوار وحل المشكلات بطريقة مناسبة وسعوا إلى معرفة نواميس الكون من حولهما وتحقيق العبادة لله وعمارة المعمورة، ونرى في قصة الخلق والتكليف والإعمار أن السيدة حواء عليها السلام لم تغب عن مسرح الأحداث وإنما كانت في ظل آدم عليه السلام بالمعنى الخفي وليس المبهم الغامض، فهي شريكة في كل التكاليف الشرعية والعمرانية والتربوية وغيرها من المهمات التي تحس المرأة بواجب الوقوف مع زوجها راعية له معينة على همومه ومواجهة المشكلات التي تعترضه.
والكرامة للجنس البشري في عمومه في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ﴾ ]الإسراء:70[، وبنو آدم ليسوا ذكوراً فحسب، وإنما هم ذكور وإناث، وجمع الله تعالى الجنسين على التعميم في ﴿بَنِي آَدَمَ﴾ وهذا في أكثر من آية في القرآن وفي مواضع متعددة، لأن قصة البشرية كانت قد بدأت في الشريكين آدم وحواء واستمرت في ذريتهما وما زالت وستستمر، فالتكريم لم يكن فيه استثناء لنوع من النوعين الذكور والإناث، وإنما هو جامع لهما في التكليف والتكريم والتشريف والفضل من الله تعالى، فكان آدم وحواء عليهما السلام بطلين في قصة الخلق واستمرار النوع البشري، لقد كرّم الله تعالى الإنسان سواء كان ذكراً أو أنثى لإنسانيته. فحواء عليها السلام شريكة لآدم في هذا التكريم وهذا التخصيص، كما هي شريكة له في الاستعدادات الكونية لمشاركته مسيرة الحياة على الأرض… من علم ومعرفة واستعداد فطري للعمل والتضحية وللمشاركة في إعمار هذا الكون.
كانت الحياة بين الأبوين بعيدة عن التنافر، بل كانا متآلفين وبينهما مودة ورحمة وحققا مفهوم السعادة للأسرة الإنسانية الأولى، وبذلك استطاعا تحقيق ما أراده الله من ذرية تخلف في الأرض ويقدر لهم العبادة والطاعة، ويختبرهم إبليس "عدوهم الأبدي" لهم ولذريتهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فيكون الخير للصالحين وجزاؤهم الجنة وحسن المآب، وطريق الشر للعاصين وجزاؤهم جهنم وبئس المهاد، وهكذا كان لأمنا العظيمة "المرأة الأولى" مع أبينا العظيم "الرجل الأول" دور بارز في الكون الوسيع الفسيح. إن الله تعالى جعل حواء مشاركة لآدم، فأصل الإنسانية "آدم وحواء، رجل وامرأة" خلقهما الله من نفس واحدة، فهي ليست مخلوقة هامشية لا دور لها في الحياة وإنما هي مثله تحمل نصيبها من تبعة التكليف ومسؤولية العمل والعبادة، لهذا فهي تخطئ وتحاسب على خطئها، فهي لم تحاسب لأن آدم أخطأ فقط.
كان أول لباس مستقل لبساه "آدم وحواء" من ورق الجنة وتمت صناعته بطريقة الخصيف مثل الخرز، ويشبه الخياطة ويعني ضم أطراف الشيء بعضها إلى بعض
بل هي شاركت آدم في الخطأ وأكلت من الشجرة التي أمرها الله أن لا يقربا منها ولا يأكلا، لذا تحملت ذنب ما اقترفته هي، وليس ذنب آدم وذلك بمقتضى كمال إنسانيتها واستقلال شخصيتها استقلالاً كاملاً كالرجل، فكل منهما مسؤول بما يعمله من خير أو شر وكل منهما محاسب على عمله ثواباً وعقاباً، فهي مصدر الحب الأمومي والتضحية السامية لزوجها وذريتها وطبيعي أن يكون لهما من علو الشأن والمكانة والاهتمام ما يتفق مع طبيعتها ووظيفتها المقدسة التي شرفها الله بها.
والرجل مسؤول والمرأة مسؤولة وكلاهما يكملان جوهرة الحياة في الدنيا والآخرة ولكل بريقه في هذه الجوهرة، لا يطفئ أحدهما الآخر، ويسرق بريقه. بل كل منهما يضيء نوره ويستمده من إشعاع الآخر وبهذا نرى حواء شاركت آدم عليه السلام النسيان والخطأ والألم والانكسار، وطلب العفو والمغفرة من الله تعالى وشاركته في مسيرة الحياة في السماء والأرض وشاركته في تحقيق سنة الكون، وبدون دورها الأساسي في قصة الخلق، لم يكتمل الحدث، وينمو ويتطور، ويصل إلى الهدف الإيجابي الذي سعت من أجل تحقيقه أمنا حواء وآدم أبو البشر في قصة الخلق، فلذلك دورها رئيسي في قصة الخلق لأنها ساهمت في نمو الحدث مع آدم عليه السلام إلى نهاية القصة.
إن بداية الحضارة الإنسانية الأولى في الأرض بدأت من خلال رجل وامرأة بتكوين أسرة صغيرة على الزواج الذي هو من سنن الله في خلقه، وفي الأرض كانت حوّاء أم الأمهات وقدوتهن في الأمومة وكل ما تقوم به النساء من أعمال، كانت حوّاء قد غزلت، ونسجت، وعجنت، وخبزت وعملت أعمال النساء كلها، ثمّ علّمت بناتها تلك الأمور لتستمر مسيرة البشرية إلى ما شاء الله، إلى أن يرث الأرض ومن عليها. وآدم عليه السلام هو الأب لكل البشرية، ولم يكن قلقاً أو مكتئباً لأنه بلا أب، ولا حزيناً لأنه الرجل رقم واحد في أسرته، فهكذا أنت فكن، وأبناء آدم هم البشر وفيهم بيوت النبوة، آل ابراهيم، وآل عمران، وآل داوود، وآل محمد عليهم صلوات الله وسلامه، وفيهم بيوت الحكمة: كآل لقمان، وبيوت الزهد وهي كثيرة في هذه الأمة والأمم قبلها، كما فيهم بيوت المال وبيوت السلطة والجاه، وكل البشر المؤمنين والكافرين والمظلومين والظالمين والأتقياء والمجرمين هم من ذرية ذينك الوالدين الصالحين الطبيبَيْن "آدم وحواء"، والأصل بينهما المساواة، من الأرض خرجوا وإليها يعودون ولا فضل لأحد منهم إلا بالخير والإحسان والتقوى، وأما عدد أولاد آدم في حياته، فلم يستوعبهم كتاب جامع ولم يأت فيهم نص قاطع هل هم (240)، أم (40) أم (25)؟
ثانياً: توفر أسباب الحياة
انطلق الأبوان العزيزان في تحقيق مهمة الخلافة في الأرض بالتناسل والتكاثر والزواج، وبدآ يتأقلمان مع الواقع الجديد واجتهد آدم في عمله في الأرض وساعده أبناؤه لما كبروا وتفننوا في الزراعة والصناعة وتربية الحيوانات، وطوروا أسلوب حياتهم لأنهم يملكون العقل الواعي الذكي الذي يستطيعون به اكتشاف أسرار الكون ومصادر الرزق، وأساليب الطبخ والأكل من النباتات ولحوم الحيوانات والطيور … إلخ وثمار الأشجار وفاكهتها المتعددة الكثيرة من فضل الله ونعمته عليهم.
وبدأ يبني البيوت ليستتر فيها من كل ما يسوؤه، ويستمتع مع زوجه بشهوة الفرج وإنجاب الأولاد بكثرة ويحمي نفسه فيها من تقلبات الطقس ويتفنن في هندسة بنائها وزينتها، وتطور اللباس فقد كان أول لباس مستقل لبساه "آدم وحواء" من ورق الجنة وتمت صناعته بطريقة الخصيف مثل الخرز، ويشبه الخياطة ويعني ضم أطراف الشيء بعضها إلى بعض، شبكها بعود أو نحوه وبهذا أصبح اللباس ستراً يواري عورة الإنسان ويعينه على احتشامه حتى من نفسه وزوجه إذا لم يكن ثمّ حاجة تدعو إلى ذلك، وكان آدم وحواء يستتران من بعضهما بهذا الورق المخصوف.
كانت الحياة الإنسانية الأولى تشق طريقها على هذه الأرض، وعرف الأبوان وأولادهم وأحفادهم كيف يوفرون لقمة العيش واحتياجاتهم الحيوانية والنباتية والصناعية والسكنية
وكشف العورة بين الزوجين من غير داعٍ مستهجن، واللباس يحقق الحشمة والستر ويحقق الجمال والزينة والجاذبية في الوقت نفسه، وبهذا أصبح اللباس رمزاً للفطرة الإنسانية منذ نشأتها الأولى، فهو كان مع آدم وحواء أول ما تفتّقت فيهما روح الاجتماع والوصال واشتياق بعضهم لبعض، وتمّ التوازن بين الروح الأرضي والروح العلوي وبهذا أصبح اللباس جمالاً وزينة ويكفي أنه من ورق الجنة. وفي الأرض كانت ثيابهم من شعر الضأن؛ جَزُّوه، ثم غزلوه فنسج آدم جُبَّة، ونسجت حواء درعاً وخماراً، وكانت بداية الصناعة ومباشرة العمل باليد، لتدبير أمر اللبس فهو من ضرورات الحياة والصحبة والتعبد، وقد يجوز أن يكون ما نسجوا ولبسوا غير هذا ولكنه من جنسه.
وتوارث الأنبياء حب اللباس الجميل -حتى لبس خاتمهم صلى الله عليه وسلم-الجُبَّة والحُلّة والإزار والرداء، والقميص، وكان أصحابه يحبون أن تكون ثيابهم حسنة ونعالهم حسنة، وخافوا أن يكون هذا من الكِبر فقال لهم: إن الله جميل يحب الجمال. وقد أصبح للباس وظيفة معنوية تشعر الإنسان بهويته البشرية وميزته الإنسانية وتذكّره بالعهد والميثاق الإلهي:﴿يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾، فثمّ لباس ظاهر من الثياب الخاصة الشخصية أو العامة، التي هي الريش ولباس باطن من الحب والمودة والرحمة كما سمّى الله الزوجين: لباساً:﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾، وإنزال اللباس قد يعنى إنزال المادة التي يُصنع منها أو المطر الذي ينبته أو إنزال الامتنان به وإباحته وتشريعه للبشر.
وبعض الناس يلبس أفخر الثياب للتجمعات ويذهب للصلاة في ثياب النوم وهذه غفلة عن وظيفة اللباس:﴿يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾. واللباس الجميل فضل ونعمة، والاعتدال فضيلة، والله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده وهو لا يحب المسرفين ولا يحب المتشدّدين المحرٌمين بغير علم، قال تعالى:﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾[الأعراف:32]. والحياء والحشمة للمرأة أوجب وألصق وأليق، واليوم نشكو من إسبال الرجال وتشمير النساء، وكشف المؤمنة البالغة لشعرها لغير ضرورة محرّم ومعصية، وهو مثل مخالفات يرتكبها الرجال علانية ويخالفون فيها شريعة الله، وليس هذا ولا ذاك من الكفر وليس مدعاة للوصم بالفجور، ولا الاعتداء والوقوع في أعراض المؤمنين والمؤمنات وإهدار حقوقهم.
كانت الحياة الإنسانية الأولى تشق طريقها على هذه الأرض، وعرف الأبوان وأولادهم وأحفادهم كيف يوفرون لقمة العيش واحتياجاتهم الحيوانية والنباتية والصناعية والسكنية و. إلـــخ. فاستصلحوا الأراضي للزراعة وكان الماء متوفراً من الأمطار المحجوزة في أغوار من التلال، وقد تمكنوا من صنع رحى لطحن القمح وكذلك محراثاً حجرياً وقطعوا أخشاب الأشجار العتيقة وبنوا كانوناً لطهي الطعام وتعلموا استخراج النار من قدح الأحجار الصخرية وكان الله عز وجل يلهم آدم مما علمه من أسماء الأشياء ووظائفها فهيأ لعائلته حياة طيبة رغدة، واستجابت له الأرض ومطر السماء بإذن الله عز وجل فأعطت من خيراتها الكثير الكثير وهذا من تسخير الله مخلوقاته للإنسان. وبدأت تتشكل الأسر الإنسانية الأولى بتوجيهات نبي الله آدم عليه السلام التي نزلت عليه من الله عز وجل عن طريق الوحي، ومن تلك الأسر انطلقت الحضارة الإنسانية الأولى.
وبهذا يكون قد تم الأمر الرباني الذي أعلن في الملأ الأعلى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ أي كل ما جرى من أحداث في قصة آدم عليه السلام وزوجه لتكوين الجنس البشري خليفة في الأرض، ولكي يستمر في وجوده على هذه البسيطة لا بد أن يأكل ويشرب ويتناسل وينجب الأولاد، ولكي يحدث ذلك ركب الله فيه دوافع للطعام والشراب.. إلـــخ، وهذه الرغبات والشهوات جعلها الله سبباً في استمرار الحياة البشرية على الأرض ومن الطبيعي لكي يحصل الإنسان على ما يشتهي من طعام وشراب… ، ليستمر في العيش على سطح هذه الأرض بكل سعادة ويتمتع بهاتين الشهوتين لا بد أن يعمل ويجد ويجتهد من أجل الحصول على ما يشتهي، ولهذا السبب وغيره مما هيأه الله قام بعمارة الأرض وبالغ في ذلك حتى وصل الإنسان إلى ما وصل إليه وكل ذلك بجهده وتفكيره وتوفيق الله لبني الإنسان ليحصل على ما نراه من التطور الحضاري الحاصل الآن، والذي هو في أشد حاجة لهدايات السماء ووحي الله عز وجل والرسالة الخاتمة المحمدية والتي فيها سعادة الإنسان المادية والروحية والعقلية والنفسية والوجدانية.
——————————————————————————
المصادر والمراجع:
· أحمد خليل جمعة، نساء الأنبياء في ضوء القرآن والسنة، ص 52.
· بشير محمد، تفاحة آدم، ص 200، 212، 213.
· د. محمد الخرعان، قصة الخلق، ص 24، 309
· د. علي محمد الصلابي، قصة بدء الخلق وآدم عليه السلام، ص 1174-1186.
· سلمان العودة، علمني أبي مع آدم، ص 110، 112.
· عبد الرحمن داود، التربية الجنسية في الإسلام، ص 245.
· مسلم، الجامع الصحيح، رقم 91.
· منصور عبد الحكيم، قصة أبينا آدم، ص 162.
· هدى عريان، الشخصية النسائية في القصة القرآنية، ص .187، 189 ،197.