الجمعة

1446-06-26

|

2024-12-27

من مكائد الشيطان في مسائل الإيمان بالملائكة

الحلقة: السادسة عشر

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

شوال 1441 ه/ يونيو 2020

كلُّ حركة في السماوات والأرض من حركات الأفلاك والنجوم والشمس والقمر والرياح والسحاب والنبات والحيوان فهي ناشئةٌ عن الملائكة الموكلين بالسماوات والأرض كما قال تعالى {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا *} النازعات: 5. وهي الملائكةُ عندَ أهل الإيمان وأتباع الرسل عليهم السلام. وأما المكذّبون للرسل المنكرون للصانع فيقولون هي النجومُ. ولإبليس مكايدُ عظيمةٌ في مسائل الإيمان بالملائكة منها.
أولاً: إنكار وجودهم:
يسعى إبليس جاهداً إلى إبطال الإيمان بالملائكة وهو هدف عظيم له لأنّ ذلك يؤدّي إلى إنكار الرسالات والكتب بل إنكار الخالق جلّ وعلا فلا تتمّ معرفته والإيمان به تعالى إلاّ بما أخبرتنا به الرسلُ عن طريقِ الوحي الذي تلقّته عن ملائكةِ الله تعالى.
ومن وسائله في ذلك
1 ـ تفسير اللفظ بما لم يستعمل له:
كقول النصارى إنَّ روحَ القدس هو حياة الله. فالذي فسر النصارى به ظاهر كلام المسيح هو تفسيرٌ لا تدلُّ عليه لغةُ المسيحِ وعادته في كلامه ولا لغة غيره من الأنبياء والأمم، بل المعروفُ في لغته وكلامه وكلام سائر الأنبياء تفسيره بما فسرناه، وبذلك فسّره أكابر علماء النصارى وأما ضُّلال النصارى المحرّفون لمعاني كتاب الله عز وجل فسروه بما يخالِفُ معناه الظاهر، وينكره العقل والشرع.
2 ـ قول الفلاسفة بأنّهم عقولٌ فعالةٌ متولِّدةٌ عن نفس الله تعالى تولُّدَ العلةِ من المعلول، لا ينفكّ عنه، وجعلوه كالابن والبنت، فالعقولُ بنوه والنفوسُ بناته.
3 ـ ومنهم من يزعم بأن العقل الفعال هو جبريل ويزعمون أنّ كلامَ اللهِ يفيضُ على قلوب العباد بالعلوم والمعارف وأنّ الملائكةَ تتشكل في النفس بصورة أشكال نورانية وهذا الفيضُ يكون بحسب تلقي النفس بهذا الفيض الذي يمكن اكتسابه بنوعٍ معيّنٍ من الرياضات وقوة التخيل والحس الباطن.
وهؤلاء أعظم ضلالاً من اليهود والنصارى ومشركي العرب فإنّهم في الحقيقة لا يجعلون الربَّ تعالى خالقاً لشيء ولا يفعل فعلاً بمشيئته واختياره ولا يجعلون الملائكة عباده بل يجعلون العقل الأول هو ربُّ كلِّ ما سوى الله.
ويقال لهم إنّ العقلَ في لغة المسلمين كلِّهم من أولهم إلى اخرهم ليس مَلَكاً من الملائكة ولا جوهراً قائماً بنفسه بل هو العقل الذي في الإنسان ولم يسمِّ أحدٌ من المسلمين قط أحداً من الملائكة عقلاً ولا نفسُ الإنسانِ الناطقةُ عقلاً بل هذه من لغة اليونان.
ولهذا يؤول بهم الأمرُ أن يجعلوا الملائكةَ والشياطينَ أعراضاً تقوم بالنفس ليس أعياناً قائمةً بنفسها حيةً ناطقةً ومعلومٌ بالاضطرار أنّ هذا خلافُ ما أخبرت به الرسلُ واتفق عليه المسلمون.
4 ـ قول من يدعي أنّ الملائكةَ هي القوى الخيرة التي في الإنسان والتي تحثه وتدفعه لعمل الخير بعكس قوى الشر الرديئة وهي الشياطين.
وهذا القول ينافي ما اتفق عليه المسلمون ودل عليه الكتاب والسنة، كما أنّه يؤدي إلى جعل الملائكة والشياطين أعراضاً قائمةً بالنفس لا وجودَ لها في الواقع.
ثانياً عبادتهم وتقديسهم:
وهي طريقةٌ أخرى للشيطان ـ أعاذنا الله منه ـ فزين لأناسٍ عبادةَ الملائكة وتقديسهم لإيقاعهم في الشرك والكفر.
قال تعالى {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ *قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ *} سبأ:40 ـ 41.
فالشيطانُ يدعو المشركينَ إلى عبادته ويوهمهم أنه مَلَكٌ، وتعليقاً على هذه الآية يعني أن الملائكة لم تأمرهم بذلك وإنّما أمرتهم بذلك الجِنُّ ليكونوا عابدين للشياطين التي تتمثّل لهم كما يكون للأصنامِ شياطين وكما تنزِلُ الشياطين على بعضِ من يعبدُ الكواكبَ ويرصدُها حتى تنزلَ عليه صورةٌ فتخاطبه وهو شيطان من الشياطين.
وقد عبد الملائكةَ طوائفٌ منهم مشركي العرب الذين قالوا إنّ الملائكة بنات الله، كما ذكر الله تعالى في القران في قوله تعالى {وَجَعَلُوا الْمَلاَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَانِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ *وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَانُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ *} الزخرف: 19-20.
وفي قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ *} جمعوا بين أنواع كثيرة من الخطأ:
أحـدهـا: جعلهم لله تعالى ولـداً تـعـالى وتقدس وتنزّه عن ذلك عـلـواً كبيراً
والثاني: دعواهم أنه اصطفى البنات على البنين فجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً.
الثالث: عبادتهم لهم مع ذلك كله بلا دليل ولا برهان ولا إذن من الله عز وجل بل مجرّد الأراء والتقليد للأسلاف والكبراء والاباء والخبط في الجاهلية الجهلاء.
والرابع: احتجاجهم بتقديرهم على ذلك قدراً وقد جهلوا في هذا الاحتجاج جهلاً كبيراً فإنّه تعالى قد أنكرَ ذلك عليهم أشدَّ الإنكار فإنّه منذُ بعث الرسلَ وأنزلَ الكتبَ يأمر عباده بعبادتِه وحدَه لا شريكَ له وينهى عن عبادة ما سِوَاه.

يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب :
الإيمان بالملائكة
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/BookC170.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022