كان سبب الفتح بعد هدنة الحديبية ما ذكره ابن إسحاق، قال: حدَّثني الزُّهريُّ عن عروة بن الزُّبير، عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم: أنَّهما حدَّثاه جميعاً قالا في صلح الحديبية: أنَّه من شاء أن يدخل في عقد محمَّدٍ دخل، ومن شاء أن يدخل في عقد قريشٍ وعهدهم دخل، فتواثبت خزاعة، وقالوا: نحن ندخل في عقد محمَّدٍ، وعهده، وتواثبت بنو بكرٍ، وقالوا: نحن ندخل في عقد قريشٍ، وعهدهم، فمكثوا في ذلك نحو السَّبعة أو الثمانية عشر شهراً، ثمَّ إنَّ بني بكرٍ، وثبوا على خزاعة ليلاً بماءٍ يقال له: الوتير ـ وهو قريبٌ من مكَّة ـ وقالت قريش: ما يعلم بنا محمَّد، وهذا الليل، وما يرانا من أحدٍ . فأعانوهم عليهم بالكراع والسِّلاح، وقاتلوهم معهم للضِّغن على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقدِم عمرو بن سالم إلى المدينة، فأنشد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قائلاً:
اللَّهُمَّ إنِّي ناشدٌ محمَّدا |
|
حلفَ أبينا وأبيكَ الأتْلَدا |
فانصرْ هداكَ اللهُ نصراً أعتدا |
|
وادعُ عبادَ اللهِ يأتوا مَدَدَا |
فقال النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «نُصرت يا عمرو بن سالم!«.
وتجهَّز النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع صحابته للخروج إلى مكَّة، وكتم الخبر، ودعا الله أن يُعَمِّي على قريش حتى تفاجأ بالجيش المسلم يفتح مكة، وخافت قريش أن يعلم النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما حدث، فخرج أبو سفيان من مكَّة إلى رسول الله. فقال: يا محمد! اشدُدِ العقد، وزدنا في المدَّة، فقال النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «ولذلك قدمت؟ هل كان من حدث قبلكم؟». فقال: معاذ الله! نحن على عهدنا، وصلحنا يوم الحديبية، لا نغيِّر، ولا نبدِّل، فخرج من عند النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقصد مقابلة الصَّحابة عليهم الرِّضوان.
1ـ أبو بكر وأبو سفيان:
طلب أبو سفيان من أبي بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ أن يجدِّد العقد، ويزيدهم في المدَّة، فقال أبو بكر: جواري في جوار رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، والله لو وجدت الذَّرَّ تقاتلكم؛ لأعنتها عليكم. وهنا تظهر فطنة الصدِّيق، وحنكته السياسية، ثم يظهر الإيمان القويُّ بالحقِّ الذي هو عليه، ويعلن أمام أبي سفيان دون خوف أنَّه مستعدٌّ لحرب قريش بكلِّ ما يمكن، ولو وجد الذَّرَّ تقاتل قريشاً؛ لأعانها عليها.
2ـ بين عائشة وأبي بكرٍ الصِّدِّيق رضي الله عنهما:
دخل الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ على عائشة، وهي تغربل حنطةً، وقد أمرها النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأن تخفي ذلك.. فقال لها أبو بكر: يا بنية! لم تصنعين هذا الطَّعام؟ فسكتت، فقال: أيريد رسول الله أن يغزو؟ فصمتت، فقال: لعلَّه يريد بني الأصفر ـ أي الرُّوم ـ فصمتت، فقال: لعلَّه يريد أهل نجد؟ فصمتت، فقال: لعلَّه يريد قريشاً، فصمتت، فدخل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال الصِّدِّيق له: يا رسول الله! أتريد أن تخرج مخرجاً؟ قال: «نعم». قال: لعلَّك تريد بني الأصفر؟ قال: «لا». قال: أتريد أهل نجدٍ؟ قال: «لا». قال: فلعلَّك تريد قريشاً؟ قال: «نعم». قال أبو بكر: يا رسول الله! أليس بينك وبينهم مدَّةٌ؟ قال: «ألم يبلغك ما صنعوا ببني كعبٍ؟». وهنا سلَّم أبو بكرٍ للنبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وجهَّز نفسه ليكون مع القائد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذه المهمَّة الكبرى، وذهب مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المهاجرون، والأنصار، فلم يتخلَّف منهم أحدٌ.
3ـ الصِّدِّيق في دخول مكَّة:
لمّا دخل النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ مكة في عام الفتح، وكان بجانبه أبو بكرٍ، رأى النِّساء يلطمن وجوه الخيل، فابتسم إلى أبي بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ وقال: يا أبا بكر! كيف قال حسّان؟ فأنشد أبو بكرٍ:
عَدِمْنَا خَيْلَنا إنْ لم تَرَوْها |
|
تُثير النَّقْعَ مَوْعِدُها كداء |
يبارين الأسِنَّة صمغيات |
|
على أكتَافِها الأسلُ الظماء |
تظل جيادُنا متمرات |
|
تلطمهُنَّ بالخُمرِ النِّساءُ |
فقال النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «ادخلوها من حيث قال حسّان». وقد تمَّت النِّعمة على الصِّدِّيق في هذا الجوِّ العظيم بإسلام أبيه أبي قحافة.
المصدر : شبكة عين ليبيا الإعلامية