(اهتمام الشيخ محمد البشير الإبراهيمي بالشباب)
من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3)
الحلقة: 216
بقلم: د.علي محمد الصلابي
جمادى الأولى 1443 ه/ ديسمبر 2021
كان وضع الشباب في الجزائر في مقدمة المسائل التي اهتمت بها جمعية العلماء، لأنها أدركت منذ اللحظات الأولى بأن تطوير الحركة الإصلاحية يتوقف على الشباب، لذلك فقد وجهت قسماً كبيراً من نشاطاتها الاجتماعية نحو الشباب بشكل خاص، فبالإضافة إلى المدارس والمساجد التي سبق وتحدثنا عنها، عمل الشيخ الإبراهيمي وابن باديس من قبله على إنشاء النوادي الثقافية والفرق الكشفية بهدف تربية الشباب تربية اجتماعية وطنية.
أ ـ النوادي الثقافية:
كان هدف جمعية العلماء من وراء تشجيعها إقامة النوادي الاجتماعية، هو إيجاد أمكنة عامة تجمع الشبان الجزائريين على اختلاف نزعاتهم الفكرية والسياسية والثقافية، ويمكن عن طريق البرامج الثقافية والعظات الدينية التي تقدم في النادي وضع هؤلاء الشبان في جو مشبع بمبادأئ الإسلام والعروبة. كان كل نادٍ من النوادي الثقافية التابعة للحركة الإصلاحية يتألف بصورة عامة من قاعة اجتماعات، وغرفة للصلاة، ومقصف صغير تقدم فيه المشروبات المباحة، وكانت ميزانية هذه النوادي تتكون من الاشتراكات المنتظمة التي يدفعها أعضاؤها المنتسبون من ناحية، ومن حصيلة بيع المشروبات لروادها من ناحية أخرى، وكانت النوادي تخصص جزءاً هاماً من إيراداتها سنوياً لمساعدة المدارس الإصلاحية التي تقع في ناحيتها، ولعل هذه المساندة للتعليم العربي الحر ؛ هي من الأسباب الرئيسية التي دفعت الحكومة الفرنسية في إطار سياستها المناوئة لجمعية العلماء ورسالتها التعليمية؛ إلى إصدار مرسوم 13 جانفي 1938م، الذي كان من أهم ما ورد فيه: حظر بيع المشروبات المباحة داخل النوادي الثقافية إلا بترخيص من الإدارة الفرنسية.
اقتصرت نشاطات النادي الإصلاحية على المجالات الثقافية والفنية والاجتماعية والدينية، ففي قاعاتها وغرفها كانت تعقد مؤتمرات الشبيبة والطلبة، وتلقى المحاضرات العامة، وتقام التمثيليات والمهرجانات الثقافية، والدينية بمناسبة الأعياد الإسلامية.
وانتشرت النوادي الثقافية في كثير من المدن الجزائرية وكان أهمها:
ـ نادي الترقي في العاصمة، الذي أسس قبل ظهور الجمعية، ثم أصبح فيما بعد من النوادي الإصلاحية الرئيسية.
ـ نادي صالح باي في قسنطينة، الذي أسس عام 1926م، وأصبح يعرف فيما بعد باسم: نادي عبد الحميد بن باديس.
ـ نادي الاتحاد في قسنطينة.
ـ النادي الإسلامي في الميلة.
ـ نادي التقدم في البليدة.
ـ نادي النجاح في سيدي بلعباس.
ـ نادي العمل في سكيكدة.
ـ نادي الشبان المسلمين في قالمة.
اهتمت جمعية العلماء عن طريق النوادي، بملء الفراغ الذي كان يعاني منه الشباب، فأخذت تنشط فيهم الملكات الرياضية والفنية، وتشجعهم على إقامة الفرق الرياضية والمسرحية والموسيقية.
وبالإضافة إلى النوادي الثقافية شجعت جمعية العلماء الشبان الجزائريين على تكوين المنظمات الكشفية، وقد شملت هذه المنظمات منذ بدء ظهورها بالرعاية والاهتمام.
ب ـ الكشافة:
كانت الكشافة في الجزائر قبل الثلاثينيات فرنسية خالصة، وكانت تضم فرقاً كشفية دينية وعلمانية، مثل الكشافة الكاثوليكية والكشافة اللائكية، ويبدو أن بعض الشبان الجزائريين الذين بهرهم الزي الخاص، والنياشين، والنظام والانضباط، انخرطوا في صفوف الكشافة الفرنسية، إلى أن جاءت احتفالات الذكرى المئوية لاحتلال الجزائر عام 1930، ومشاركة الكشافة الفرنسية في عرض التحدي والاستفزاز للشعور الوطني الجزائري، فانسحب الكشافون الجزائريون من بين صفوفها، وأخذوا يسعون إلى تنظيم كشفي مستقل بهم، يشجعهم ويشد أزرهم رجال الإصلاح، الذين كانوا يطمحون إلى تكوين منظمات وطنية لها مظهر عسكري، يمكن أن يصبح أفرادها تحت الغطاء الكشفي «جنود العروبة والإسلام» .
وبالفعل فقد أنشأ رائد الحركة الكشفية الجزائرية «محمد بوراس» أول فوج للكشافة الجزائرية عام 1930م في مدينة مليانة، أطلق عليه اسم «فوج الخلود»، ثم أنشأ فوجاً اخر في العاصمة باسم «فوج الفلاح».
تأثر بوراس بعلماء الحركة الإصلاحية أمثال العقبي وابن باديس والمدني، وسعى عام 1935م إلى إنشاء جامعة للكشافة الإسلامية، نظير الكشافة الكاثوليكية والإسرائيلية واللائكية، بقصد جمع الأفواج الكشفية المشتتة في المدن الجزائرية في تنظيم كشفي موحد، ولكن الإدارة الفرنسية رفضت طلبه، وكان عليه أن ينتظر حتى تتولى «الجبهة الشعبية» الحكم في فرنسا، لكي يؤسس عام 1937م أول تنظيم كشفي وطني، عرف باسم «الكشافة الإسلامية الجزائرية» .
وانعقد أول مؤتمر للأفواج الكشفية الجزائرية بعد توحيدها في شهر جويلية عام 1939م في العاصمة، برئاسة الشيخ عبد الحميد بن باديس الفخرية، وكان الشعار الذي رفعه المؤتمر هو نفس شعار جمعية العلماء المسلمين الجزائريين «الإسلام ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا». ويبين لنا محمد صالح رمضان أن الكشافة الإسلامية الجزائرية نشأت وترعرعت في أحضان الحركة الإصلاحية العامة، التي تشرف عليها وتوجهها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، واسمها دال على ذلك، كما نبتت معظم أفواجها وأكثر جمعياتها في أوساط وبيئات إصلاحية إلى جنب المدارس الحرَّة الشعبية، بل كان أغلب فتيان الكشفية وقادة مسيرتها من تلاميذ هذه المدارس، أو من أعضاء جمعياتها المحلية، وكان مرشدوها جميعاً من معلمي تلك المدارس.. وكان أقطاب الحركة الإصلاحية وأئمتها يشجعونها ويساعدونها، بتأييدهم ومشاركتهم لها في تجمعاتها، كابن باديس في قسنطينة، والعقبي في العاصمة، والإبراهيمي في تلمسان.
وكانت أناشيد الحركة الكشفية الجزائرية من وضع شعراء الحركة الوطنية والحركة الإصلاحية الجزائرية، أمثال: محمد العيد، ومفدي زكريا، وحسن بلكيزد. وكانت هذه الأناشيد مشبعة بالروح الوطنية الاستقلالية، وبالانتماء القومي العربي.
ويبدو مما تقدم أن اهتمام الجمعية كان منصباً على النواحي الاجتماعية التي تغذي الإحساس الوطني، ولم يتسنَّ لها الاهتمام ببعض النواحي الاجتماعية الأخرى، مثل: مساعدة المحتاجين، ومداواة المرضى، ورعاية الأيتام.
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: