(عناية الشيخ الإبراهيمي بتكوين الشباب خلقياً وعلمياً)
من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):
الحلقة: 217
بقلم: د.علي محمد الصلابي
جمادى الأولى 1443 ه/ ديسمبر 2021
أمران كان الشيخ البشير الإبراهيمي يركز عليهما كثيراً في تربية الشباب وتكوينهم، وإعدادهم لمواجهة أعباء الحياة العامة بكل أبعادها الفردية والاجتماعية والوطنية، هذان الأمران هما:
ـ الأخلاق.
ـ العلم بمعناه الواسع، أي: علم الدين، وعلم الدنيا.
فقد كان رجلاً متنوِّراً، منفتح الذهن والفكر لمتطلبات عصره، يعيش همومه، وينفعل بأحداثه وتطوراته، ولذلك كان يحث الشباب على القراءة والمطالعة في كل علم وكل فن، وعدم الاقتصار على فن واحد واختصاص واحد فقط، فطالب العلم في رأيه مثل النحلة، ترتشف من رحيق جميع الأزهار كي تنتج عسلاً مصفى، وكذلك طالب العلم يجب ألا يكون أفقُه محدوداً بنوع واحد من القراءة، حتى يكون ابن عصره في الثقافة والمعرفة والفكر، وهذا لا يناقض التخصص في نوع معين من الدراسات العلمية.
وقد كان هو يقرأ في سائر فروع العلوم الإنسانية، ولم تنحصر قراءاته ـ كمعظم علماء الدين الإسلامي أمثاله ـ على الفقهيات، وما يتصل بها من حديث وتفسير، وسير وأدب، وشيء قليل من التاريخ الإسلامي العام.
وعندما كان يجتمع بالشباب صباح يوم الجمعة في كل أسبوع في مركز جمعية العلماء بالقاهرة، كانت أحاديثه في معظمها تدور حول شيئين اثنين:
ـ الثقافة العربية المحارَبة من طرف فرنسا في الجزائر، وواجب طلاب العلم نحو إحيائها وبعثها للوجود بعد انتهاء دراستهم.
ـ الوطن الجزائري وما يعانيه من الاستعمار الفرنسي، في لغته وسيادته الوطنية، وواجب الشباب، وطلاب العلم، في تحريره من الاستعمار، والنهوض به في شتى الميادين.
وقد كان كثير التذكير للشباب وطلاب العلم لما كانوا بالقاهرة بالأعباء التي تنتظرهم في الوطن بعد عودتهم إليه، وكان يقول لنا ما معناه: إنكم لن تستطيعوا أن تنفعوا وطنكم وأمتكم إلا إذا ملكتم سلاحين هامين، بدونهما لن تفلحوا في الحياة، ولن يستفيد منكم وطنكم شيئاً هاماً:
ـ الأخلاق القويمة المتينة.
ـ العلم القوي المتين أيضاً.
وكان يحذر طلاب العلم من الشباب من اللفظية والسطحية، في الدراسة والتحصيل، ويطلب منهم العمق في الفهم لكل ما يقرؤون، والنقد الموضوعي لكل ما يطالعون، ووجوب عرض أفكار واراء مؤلف الكتاب الذي يقرؤونه على عقولهم لغربلتها قبل التسليم بها، وكان يحثهم على أن تكون المكتبات هي مكانهم المفضل للقراءة والبحث والمطالعة، والتحصيل وزيادة المعارف.
وكان عندما يتحدث عن الأخلاق والعلم تكون لغته حارة نابعة من أعماق وجدانه، تفيض بالحب والإيمان والقوة في كل جملة وكل عبارة من كلامه، مما يدل على إيمانه العميق بدور الأخلاق والعلم في نهضة الشعب وتحريره وبنائه على أسس سليمة.
استمع إليه وهو يتحدث في التقرير الأدبي في مؤتمر جمعية العلماء في أكتوبر 1951م عن دور المدرسة التي تقوم جمعية العلماء بتشييدها في الجزائر في النهضة القومية والوطنية، يقول:
..فالمدرسة هي جنة الدنيا، والسجن هو نارها، والأمة التي لا تبني المدارس تبنى لها السجون، والأمَّة التي لا تصنع الحياة.. يُصنع لها الموت، والأمَّة التي لا تعمل لنفسها ما ينفعها ويسعدها، يعمل لها غيرها ما يضرها ويشقيها، والأمَّة التي لا تغضب للمذاهب، ترضى بالذل الجليب، والأمَّة التي تتخذ الخلاف مركباً، يغرقها في اللجة، والأمَّة التي لا تكرم شبابها بالعلم والتثقيف، مضيعة لرأس مالها، والأمَّة التي لا تجعل الأخلاق ملاكها أمَّة تتعجل هلاكها، والأمَّة التي لا تلد لغيرها، أمَّة تلد العبيد، لا أمَّة تلد الأحرار الصناديد، والأمَّة التي تعتمد في حياتها على غيرها طفيلية على موائد الحياة، حقيقة بالقهر والنهر وقصم الظهر.
ثم يقول: والحياة بلا علم متاع مستعار، والوطن بلا علم عورة مكشوفة، ونهب مقسم، سنة من سنن الله، كسنته في تكوير الليل على النهار، ثم يضيف: وإن المدرسة هي طريق الحياة، وطريق النجاة، وطريق السعادة، وإن الوطن أمانة الإسلام في أعناقنا، ووديعة العرب في ذممنا، فمن بعض حقه علينا أن نحفظ دينه من الضياع، وأن نحفظ لسانه من الانحراف، وأن لا سبيل إلى ذلك إلا بالمدرسة، التي تبنيها الأمَّة بمالها، وتحوطها برعايتها، وتجعلها حصوناً تقي أبناءها الانحلال الديني والانهيار الخلقي، وتحفظهم من ترف الغنى وذلّ الفقر، وتربيهم على الرجولة والقوة، وتوحيد النزعات، وتصحيح الفطرة، وتقويم الألسنة، وتمتين الإرادات والغرائز، وتغرس الفضيلة في نفوسهم، وتصلح فيهم ما أفسده المنزل والشارع، وتروضهم على حب الوطن وبنائه طبقاً على طبق.
وفي إحدى افتتاحيات البصائر التي كتبها في عام 1947م تحت عنوان: إلى أبنائي الطلبة الجزائريين في سبيل العلم، نقتطف الفقرات التالية:
يا أبناءنا!. إن الحياة قسمان: حياة علمية، وحياة عملية، وإن الثانية منهما تنبأئ على الأولى قوة وضعفاً وإنتاجاً وعمقاً، وإنكم لا تكونون أقوياء في العمل، إلا إذا انقطعتم له، ووقفتم عليه الوقت كله.. ثم يضيف..: أنتم اليوم جنود العلم، فاستعدوا لتكونوا غداً جنود العمل، فإن الوطن يرجو أن يبني بكم جيلاً قوي الأسر، شديد العزائم، سديد الاراء، متين العلم، متماسك الأجزاء، يدفع عنه هذه الفوضى السائدة في الاراء، وهذا الفتور البادي على الأعمال، وهذا الخمول المخيم على الأفكار.
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: