الخميس

1446-11-03

|

2025-5-1

(المعلمون والشباب في فكر الإبراهيمي)

من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):

الحلقة: 218

بقلم: د. علي محمد الصلابي

جمادى الأولى 1443 ه/ ديسمبر 2021

قال الإبراهيمي للمعلمين: ثمَّ احرصوا على أن يكون ما تلقونه لتلامذتكم من الأقوال، منطبقاً على ما يرونه ويشهدونه منكم من الأعمال، فإن الناشأئ الصغير مرهف الحس.. فإذا زيَّنتم له الصدق فكونوا صادقين، وإذا حسَّنتم له الصبر فكونوا من الصابرين،.. ألا إن رأس مال التلميذ هو ما يأخذه عنكم من الأخلاق الصالحة بالقدوة، وأما ما يأخذه عنكم بالتلقين من العلم والمعرفة فهو ربح وفائدة.

إن هذه اللفتة من الإبراهيمي يحتاجها المربون في كل مرحلة، لأن الواجب تقديم التربية بالقدوة الصالحة على ضخ المعلومات وفروع المعرفة، لأن التلقين وبعده حفظ المعلومات أمر سهل ومتيسر، والأهم منه أن يستميل المعلم تلامذته، وأن يحبُّوه فيشكِّل لهم القدوة، مضافاً إلى ذلك أن واجبه مراقبة نفسه وأن يسأل في كل مرّة: هل يصلح ما أمارسه ليكون منهجاً لإعداد الجيل.

قال تعالى: َ{أَتَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبِرِّ وَتَنسَوۡنَ أَنفُسَكُمۡ وَأَنتُمۡ تَتۡلُونَ ٱلۡكِتَٰبَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ ٤٤} [سورة البقرة:44].

وقال الشاعر:

لا تنه عن خلق وتأتيَ مثله

عارٌ عليك إذا فعلت عظيم

وهذا ما وجَّه إليه الإبراهيمي، بأن المُعلّم قدوة ونموذج، قائلاً: إن المعلم لا يستطيع أن يربي تلاميذه على الفضائل إلا إذا كان هو فاضلاً.. ولا يستطيع إصلاحهم إلا إذا كان هو صالحاً، لأنهم يأخذون منه بالقدوة أكثر مما يأخذون منه بالتلقين.

ووجّه الإبراهيمي المعلمين كي يعدُّوا الشباب على أسس الفضيلة ومحاسن الأخلاق، لأن العلم وحده لا يحقق هذه الغاية. لقد توجَّه إلى المعلمين مخاطباً: إن العلم لم ينهَ مفسداً عن الإفساد، ولم يزعْ مجرماً عن الإجرام، ولم يُمِت في نفوس الأقوياء غرائز العدوان والبغي على الضعفاء، بل ما زاد المتحرِّرين من الفضيلة إلا ضراوة بالشر، وتفنُّناً في الإثم، فاجعلوا الفضيلة رأس مال نفوس تلامذتكم، واجعلوا العلم ربحاً.

ودعا الإبراهيمي المعلمين إلى مخالفة كل ما يقوم به المستعمر إذا أرادوا الإصلاح، حيث قال: إن أردتم أن تعرفوا الطريقة المثلى لخدمة أمتكم وتتبينوا الطريق القاصد، فانظروا إلى الاستعمار، واعرفوا الطرق التي سلكها لقتل أمتكم، فاسلكوا ضدَّها لإحيائها، وادرسوا الوسائل التي تذرَّع بها لاستعباد أمتكم، فاستخرجوا منها وسائل تحريرها.

وقال في المعلمين: إنهم دعائم هذا البناء التي تمسكه أن يزول، وتصونه أن يختلّ، أو يحول، فهم أشبال الغاب، وحماة الثغور، وعمَّار المدارس، وسقاة المغارس، مربو الجيل وأئمته، المعلمون المستحقون لأجر الجهاد، .. جيش الحق.. وألسنة الصدق.

وإذا سأل بناةُ الجيل، وحماةُ ثغور الشباب عن الاختراقات المعادية، والمجاهدون في بناء جيل واعد عن أسس التربية المطلوبة منهم، أجابهم الشيخ المربي بما يلي: ربُّوهم على الرجولة، وبُعد الهمَّة، وعلى الشجاعة والصبر، وعلى الإنصاف والإيثار، وعلى البساطة واليسر، وعلى العفة والأمانة، وعلى المروءة والوقار، وعلى الاستقلال والاعتداد بالنفس، وعلى الدين والعلم والوطن والوالدين والمعلم.

إن هذا النَّص التوجيهي يحوي قواعد ومقوِّمات نافعة في عالم إعداد الشباب، وتنشئتهم النشأة المرضية، ويمكن استخلاص القواعد التالية منه:

ـ يدعو الإبراهيمي المعلمين إلى تربية الناشئة على القدرة على تحمُّل المسؤولية، لأن الرجولة ما هي إلا هذا الأمر، وهي مع ذلك جدية، وجدارة على حمل التبعات، والتصرف بروح مسؤولية، فالرجولة تكليف لا تشريف.

ـ يبرز الإبراهيمي أهمية الشجاعة والجرأة، لأن الجبان متردد مرتبك قلق، لا يقوى على اتخاذ قرار، ولا على البناء وصنع التقدم، وليس عنده استعداد للتضحية، وهذا شأن مهم نبَّه إليه الصحابي خالد بن الوليد رضي الله عنه قال: خضت نيفاً ومائة معركة، ولم يبق في جسمي موضع إلا فيه ضربة من سيف، أو طعنة من رمح، أو رمية من سهم، وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي، فلا نامت أعين الجبناء.

ـ ويطرح الإبراهيمي أن يربَّى الشباب والجيل على التزام «الإنصاف»، أي العدل، ولا يخفي على أحد أهمية ذلك، فمن قام بنيان شخصيته على العدل والإنصاف يمارس ذلك مع سواه، وفي الوقت نفسه فإنه يقاوم كل ظالم مستبد، والعدل أساس مكين في حياة الأمم، والعرب قالت في حِكمها: العدل إن دام عمَّر، والظلم إن دام دمَّر.

والحرية في منهج حياة الفرد تقاوم الاحتلال والاستعمار، وتفتح الباب للإبداع والعطاء.ز والاستسلام للاستبداد والاستعمار من أكثر الأسلحة فتكاً في الفرد والمجتمع، ومفيد هنا أن نتذكر قول الفاروق «عمر بن الخطاب» رضي الله عنه لعمرو بن العاص بشأن استبداد ابنه بقبطي حيث خاطبه: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمَّهاتهم أحراراً؟

ـ أمَّا خلق الإيثار فإنه يصنع التضامن، ويشدُّ روابط المجتمع، ويرفع درجة الاستعداد للتضحية، انطلاقاً من قوله تعالى:{وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَة} [سورة الحشر:9].

ـ والعفَّة نحتاج إليها في عالم التربية، حيث يمطر الغربي ساحتنا بضروب الفتن، وألوان الرذائل، ولا حسن كالعِفَّة والترفع فوق سوافل الأشياء.

ـ الأمانة ضرورة لتوليد الثقة بين أبناء الأمَّة، كما أنها تعلو بالهمم باتجاه الشعور بالمسؤولية، وحملها بكل جدارة، وإذا اقترنت بالقوَّة ـ وهو مطلب للشباب سبق ذكره ـ تصل بنا إلى ركني القيادة الناجحة المطلوبة، والتي وردت في الاية الكريمة:{إِنَّ خَيۡرَ مَنِ ٱسۡتَ‍ٔۡجَرۡتَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡأَمِينُ ٢٦} [سورة القصص:26].

ـ الاعتداد بالنفس والعزَّة والكرامة، مفردات تحتاجها التربية للإعداد لجيل يصنع الاستقلال ويحرِّر الأرض والمقدسات، هذا في عصر الإبراهيمي، كما هو الحال في أيامنا هذه، لأن من كان في شخصيته مثل هذه المقوِّمات فإنه لن يتهاون أو يتخاذل، وهو الملتزم دين الله تعالى الذي أبلغه في الاية الكريمة: َ{وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ } [سورة المنافقون:8] .

ـ والحب والسماحة، ركنان في الإسلام دين الرحمة، فالمحبة تشدّ وثاق المجتمع، وتعمِّم قاعدة التاخي في الله تعالى، والسماحة هي ما أصل إليه الإسلام قراناً وسنَّة لجهة قبول الاخر المسلم، والاخر الإنسان، والاخر أي معتقد ؛ شرط أن لا يتعدَّى على دين المسلمين أو أوطانهم وحقوقهم، قال الله تعالى:{لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ ٨} [سورة الممتحنة:8].

ـ أما الحب فإنه أساس في العملية التربوية، وفي استجابة الشباب الذي يحب والديه وأساتذته لتوجيههم، فالقاعدة المأثورة تقول: المرء يطيع من يحب.

يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي

الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى

alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF

الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf

الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf

كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:

http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022