الأحد

1446-06-21

|

2024-12-22

آراء بعض المفكرين المسلمين والمستشرقين حول فترة خلافة الفاروق رضي الله عنه

بقلم: د. علي محمد الصلابي

الحلقة الأخيرة

ربيع الآخر ١٤٤١ه/ ديسمبر ٢٠١٩

ـ1 اراء بعض العلماء والكتَّاب المعاصرين:
أ ـ قال الدُّكتور محمَّد محمَّد الفحَّام شيخ الأزهر السَّابق: لقد كشفت أعمال عمر عن تفوِّقه السِّياسي، وبيَّنت مواهبه العديدة الَّتي ملكها، وعن عبقريَّته الخالدة، الَّتي لا تزال تضيء أمامنا الطَّريق في العديد من مشكلات الحياة المختلفة في معالجة القضايا والمشاكل الَّتي واجهته أثناء خلافته.
ب ـ قال عبَّاس محمود العقَّاد: إِنَّ هذا الرَّجل العظيم أصعب مَنْ عرفت من عظماء الرِّجال نقداً، ومؤاخذةً، ومن مزيد مزاياه: أنَّ فرط التَّمحيص، وفرط الإِعجاب في الحكم له أو عليه يلتقيان، وكتابي عبقريَّة عمر ليس بسيرةٍ لعمر، ولا بتاريخٍ لعصره على نمط التَّواريخ الَّتي تقصد بها الحوادث، والأنباء، ولكنَّه وصفٌ له، ودراسةٌ لأطواره، ودلالةٌ على خصائص عظمته، واستفادةٌ من هذه الخصائص لعلم النَّفس، وعلم الأخلاق، وحقائق الحياة.
وعمر يعدُّ رجل المناسبة الحاضرة في العصر الَّذي نحن فيه؛ لأنَّه العصر الَّذي شاعت فيه عبادة القوَّة الطَّاغية، وزعم الهاتفون بدينها: أنَّ البأس، والحقَّ نقيضان؛ فإِذا فهمنا عظيماً واحداً كعمر بن الخطَّاب، فقد هدمنا دين القوَّة الطَّاغية على أساسه؛ لأنَّنا سنفهم رجلاً كان غايةً في البأس، وغايةً في العدل، وغايةً في الرَّحمة.. وهذا الفهم ترياق داء العصر، يشفى به من ليس بميئوس الشِّفاء.
جـ قال الدُّكتور أحمد شلبي:.. وكان الاجتهاد من أبرز الجوانب في حياة عمر خلال حقبة خلافته الحافلة بالأحداث، فحفظ الدِّين، ورفع راية الجهاد، وفتح البلاد، ونشر العدل بين العباد، وأنشأ أوَّل وزارةٍ ماليَّةٍ في الإِسلام، وكوَّن جيشاً نظاميَّاً للدِّفاع، وحماية الحدود، ونظَّم المرتَّبات، والأرزاق، ودوَّن الدَّواوين، وعيَّن الولاة، والعمَّال، والقضاة، وأقرَّ النُّقود للتَّداول الحياتيِّ، ورتَّب البريد، وأنشأ نظام الحِسْبة، وثبَّت التَّاريخ الهجري، وأبقى الأرض المفتوحة دون قسمةٍ، وخطَّط المدن الإِسلاميَّة، وبناها، فهو بحقٍّ أمير المؤمنين وباني الدَّولة الإِسلاميَّة.
د ـ قال المستشار علي علي منصور: إِنَّ رسالة عمر في القضاء إِلى أبي موسى الأشعري قبل أربعة عشر قرناً من الزَّمن دستورٌ للقضاء، والمتقاضين، وهي أكمل ما وصلت إِليه قوانين المرافعات الوضعيَّة، وقوانين استقلال القضاء.
هـ قال اللِّواء الرُّكن محمود شيت خطَّاب: وإِذا كانت أسباب الفتح الإِسلامي كثيرةً؛ فإِنَّ على رأس تلك الأسباب ما كان يتمتَّع به عمر بن الخطَّاب من سجايا قياديَّةٍ فذَّةٍ، لا تتكرَّر في غيره على مرِّ السِّنين، والعصور إِلا نادراً.
و ـ وقال الدُّكتور صبحي المحمصاني: بانقضاء عهد الخليفة الرَّاشد عمر، ينقضي عهد مؤسِّس الدَّولة الإِسلاميَّة الَّتي وسَّع رقاعها، وثبَّت دعائمها، فكان مثال القائد الموجِّه، والأمير الحازم الحكيم، والرَّاعي المسؤول، والحاكم القويِّ العادل، والرَّفيق الرَّؤوف، ثمَّ مات ضحيَّة الواجب، وشهيد الصِّدق والصَّلاح، فكان مع الصِّدِّيقين، والصَّالحين من أولياء الله تعالى، وسيبقى اسم عمر بن الخطَّاب مخلَّداً، ولامعاً في تاريخ الحضارة، والفقه.
ز ـ وقال الشَّيخ علي الطَّنطاوي: أنا كلَّما ازددت اطِّلاعاً على أخبار عمر؛ زاد إِكباري وإِعجابي به، ولقد قرأت سير الاف العظماء من المسلمين، وغير المسلمين، فوجدت فيهم من هو عظيمٌ بفكره، ومن هو عظيمٌ ببيانه، ومن هو عظيمٌ بخُلُقه، ومن هو عظيمٌ باثاره، ووجدت عمر قد جمع العظمة من أطرافها، فكان عظيم الفكر، والخُلُق، والبيان، فإِذا أحصيت عظماء الفقهاء، والعلماء؛ ألفيت عمر في الطَّليعة، فلو لم يكن له إِلا فقهه؛ لكان به عظيماً، وإِن عددت الخطباء، والبلغاء؛ كان اسم عمر من أوائل الأسماء، وإِن ذكرت عباقرة المشرِّعين، أو نوابغ القوَّاد العسكريِّين، أو كبار الإِداريِّين الناجحين، وجدت عمر إِماماً في كلِّ جماعةٍ، وعظيماً في كلِّ طائفةٍ، وإِن استقريت العظماء الَّذين بنوا دولاً، وتركوا في الأرض أثراً، لم تكد تجد فيهم أجلَّ من عمر. وهو فوق ذلك عظيمٌ في أخلاقه، عظيمٌ في نفسه.

2 ـ اراء بعض المستشرقين في عمر رضي الله عنه:
أ ـ قال موير في كتابه « الخلافة »: كانت البساطة، والقيام بالواجب من أهمِّ مبادىء عمر، وأظهر ما اتَّصفت به إِدارته عدم التَّحيُّز والتَّعبُّد، وكان يقدِّر المسؤوليَّة حقَّ قدرها، وكان شعوره بالعدل قويَّاً، ولم يحاب أحداً في اختيار عمَّاله، ومع أنَّه كان يحمل عصاه، ويعاقب المذنب في الحال حتَّى قيل: إِنَّ دِرَّة عمر أشدُّ من سيف غيره، إِلا أنَّه كان رقيق القلب، وكانت له أعمالٌ سجَّلت له شفقته، ومن ذلك شفقته على الأرامل، والأيتام.
ب ـ وقالت عنه دائرة المعارف البريطانيَّة: كان عمر حاكماً عاقلاً، بعيد النَّظر، وقد أدَّى للإِسلام خدمةً عظيمةً.
جـ وقال الأستاذ واشنجتون إِبرفنج في كتابه « محمَّد وخلفاؤه »: إِنَّ حياة عمر من أوَّلها إِلى اخرها تدلُّ على أنَّه كان رجلاً ذا مواهب عقليَّةٍ عظيمةٍ، وكان شديد التَّمسُّك بالاستقامة، والعدالة، وهو الَّذي وضع أساس الدَّولة الإِسلاميَّة، ونفَّذ رغبات النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وثبَّتها، وازر بها أبا بكرٍ بنصائحه في أثناء خلافته القصيرة، ووضع قواعد متينةً للإِدارة الحازمة في جميع البلدان الَّتي فتحها المسلمون، وإِنَّ اليد القويَّة الَّتي وضعها على أعظم قوَّاده المحبوبين لدى الجيش في البلاد النَّائية وقت انتصاراتهم لأكبر دليلٍ على كفاءته الخارقة لإِدارة الحكم، وكان ببساطة أخلاقه، واحتقاره للأبَّهة، والتَّرف مقتدياً بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ، وقد سار على أثرهما في كتبه، وتعليماته للقوَّاد.
د ـ وقال الدَّكتور مايكل هارت: إِنَّ مأثر عمر مؤثرةٌ حقَّاً، فقد كان الشَّخصيَّة الرَّئيسيَّة في انتشار الإِسلام بعد محمَّد صلى الله عليه وسلم وبدون فتوحاته السَّريعة من المشكوك به أن ينتشر الإِسلام بهذا الشَّكل الَّذي هو عليه الان، زد على ذلك أنَّ معظم الأراضي الَّتي فتحها في زمنه بقيت عربيَّةً منذ ذلك العهد حتَّى الان، ومن الواضح أنَّ محمَّداً صلى الله عليه وسلم له الفضل الأكبر في هذا المضمار، ولكن من الخطأ الفادح أن نتجاهل دور عمر، وقيادته الواعية.
3 ـ ما قيل من الشِّعر في رثاء الفاروق رضي الله عنه:
قالت عاتكة بنت زيد بن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنها:
فجَّعَنِي فَيْروزُ لا درَّ دَرُّه بِأَبْيَضَ تَالٍ لِلْكِتَابِ مُنِيْ
بِرَؤُوفٍ عَلَى الأَدْنَى غَلِيْظٍ عَلَى العِدَا أَخِي ثِقَةٍ فِي النَّائِبَاتِ مُجِيْب
ِمَتَى مَاْ يَقُلْ لا يَكْذِبُ الْقَوْلَ فِعْلُهُ سَرِيْعٌ إِلى الْخَيْرَاتِ غَيْرُ قَطُوبِ
وقالت أيضاً:
عَيْنُ جُوْدِي بعبرةٍ وَنَحِيْبِ لا تَمَلِّي عَلَى الإِمَامِ النَّجِيْبِ
فَجَعَتْنِي الْمَنُوْنُ بِالْفَارِسِ المَعْلَمِ يَوْمَ الْهِيَاجِ وَالتَّلْبِيْبِ
عِصْمَةُ النَّاسِ وَالْمُعِيْنُ عَلَى الدَّهْرِ وَغَيْثُ المُنْتَابِ والمَحْرُ
وبِقُلْ لأَهْلِ السَّرَّاءِ وَالْبُؤْسِ مُوْتُوا قَدْ سَقَتْهُ المَنُوْنُ كَأْسَ شَعُوبِ

هذا وقد طويت بوفاة الخليفة الرَّاشد العادل عمر بن الخطَّاب ـ رضي الله عنه ـ صفحةٌ من أنصع صفحات التَّاريخ، وأنقاها، فقد عرف فيه التَّاريخ رجلاً فذَّاً من طرازٍ فريدٍ، لم يكن همُّه جمع المال، ولم تستهوه زخرفة السُّلطان، ولم تمل به عن جادة الحقِّ سطوة الحكم، ولم يحمل أقاربه، ولا أبناءه على رقاب النَّاس، بل كان كل همِّه انتصار الإِسلام، وأعظم أمانيه سيادة الشَّريعة، وأقصى غايته تحقيق العدالة بين أفراد رعيَّته، وقد حقَّق ذلك كلَّه بعون الله ـ عزَّ، وجلَّ ـ في تلك الفترة الوجيزة الَّتي لا تعدُّ في عمر الدُّول شيئاً مذكوراً.
إِنَّ دراسة هذه السيرة العطرة تمدُّ أبناء الجيل بالعزائم العمريَّة الَّتي تعيد إِلى الحياة روعة الأيَّام الجميلة الماضية، وبهجتها، وبهاءها، وترشد الأجيال بأنَّه لن يصلح أواخر هذا الأمر إِلا بما صلحت به أوائله، وتساعد الدُّعاة، والعلماء على الاقتداء بذلك العصر الرَّاشدي، ومعرفة عالمه، وصفاته، ومنهجه في السَّير في دنيا النَّاس، وذلك يساعد أبناء الأمَّة على إِعادة دورها الحضاري من جديد.
هذا وقد انتهيت من هذا الكتاب يوم الأربعاء السَّاعة السَّابعة وخمس دقائق صباحاً بتاريخ 13 من رمضان 1422 هـ الموافق 28 نوفمبر 2001 م، والفضل لله من قبلُ ومن بعدُ، وأسأله سبحانه وتعالى أن يتقبَّل هذا العمل، ويشرح صدور العباد للانتفاع به ويبارك فيه بمنِّه، وكرمه، وجوده، قال تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *} [فاطر: 2].
ولا يسعني في نهاية هذا الكتاب إِلا أن أقف بقلبٍ خاشعٍ منيبٍ بين يدي الله ـ عزَّ، وجلَّ ـ معترفاً بفضله، وكرمه، وجوده، فهو المتفضِّل، وهو المكرم، وهو المعين، وهو الموفِّق، فله الحمد عل ما منَّ به عليَّ أوَّلاً، واخراً، وأسأله سبحانه بأسمائه الحسنى، وصفاته العُلى أن يجعل عملي لوجهه خالصاً، ولعباده نافعاً، وأن يثيبني على كلِّ حرفٍ كتبتُه، ويجعله في ميزان حسناتي، وأن يثيب إِخواني الَّذين أعانوني بكلِّ ما يملكون من أجل إِتمام هذا الجهد المتواضع، ونرجو من كلِّ مسلمٍ يطَّلع على هذا الكتاب ألا ينسى العبد الفقير إِلى عفو ربِّه، ومغفرته، ورحمته، ورضوانه من دعائه. قال تعالى: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ *} [النَّمل: 19].

للاطلاع على النسخة الأصلية للكتاب راجع الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي، وهذا الرابط:
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book172(1).pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022