بقلم: د. علي محمد الصلابي
كان عثمان رضي الله عنه من الأغنياء الّذين أغناهم الله ـ عزَّ وجلَّ ـ وكان صاحب تجارةٍ ، وأموالٍ طائلةٍ ، ولكنَّه استخدم هذه الأموال في طاعة الله ـ وقد أثنى عليه رسول الله e بأحاديث كثير نذكر منها:
عن أبي موسى رضي الله عنه قال : كنت مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلَّم في حائطٍ من حيطان المدينة ، فجاء رجل ، فاستفتح ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلَّم : « افتح له ، وبشِّره بالجنَّة » . ففتحت له ؛ فإذا هو أبو بكر ، فبشَّرته بما قال رسول الله ، فحمد الله ، ثم جاء رجل فاستفتح ، فقال النبي صلى الله عليه وسلَّم : « افتح له وبشره بالجنة » . ففتحت له ؛ فإذا هو عمر، فأخبرته بما قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلَّم ، فحمد الله . ثمَّ استفتح رجلٌ ، فقال لي : « افتح له وبشِّره بالجنَّة على بلوى تصيبه » . فإذا عثمان ، فأخبرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فحمد الله، ثمَّ قال : الله المستعان.
عن أنسٍ رضي الله عنه قال : صعد النَّبيُّ صلى الله عليه وسلَّم أحداً ، ومعه أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، فَرَجَف ، فقال : « اسكن أحد ـ أظنُّه ضربه برجله ـ فليس عليك إلا نبيٌّ ، وصدِّيقٌ ، وشهيدان ».
عن أبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم كان على حراء ، وأبو بكر، وعمر ، وعثمان ، وعليٌّ ، وطلحة ، والزُّبير ، فتحرَّكت الصَّخرة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم : « اهدأ فما عليك إلا نبيٌّ ، أو صدِّيقٌ ، أو شهيدٌ » .
إن فضائل عثمان t كانت في جوانب متنوعة ومجالات شتى، ومن الأشياء التي أثرت عليه: إنفاقه للمال في سبيل الله عزَّ وجلَّ وابتغاء مرضاته ، وما عنده ، وصار سبَّاقاً لكلِّ خيرٍ ، ينفق ، ولا يخشى الفقر ، وممَّا أنفقه رضي الله عنه من نفقاته الكثيرة على سبيل المثال ما يأتي :
1ـ بئر رومة :
عندما قدم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلَّم المدينة المنوَّرة ؛ وجد : أنَّ الماء العذب قليلٌ ، وليس بالمدينة ما يستعذب غير بئر رومة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم : « من يشتري رومة ، فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخيرٍ له منها في الجنة ؟ » . وقال صلى الله عليه وسلَّم : « من حفر بئر رومة فله الجنَّة » .
وقد كانت رومة قبل قدوم النَّبيِّ صلى الله عليه وسلَّم لا يشرب منها أحد إلا بثمن ، فلمَّا قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء ، وكانت لرجل من بني غفار عينٌ يقال لها : رومة، وكان يبيع منها القربة بمدٍّ ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلَّم : « تبيعها بعينٍ في الجنة ؟ » فقال : يا رسول الله ! ليس لي ، ولا لعيالي غيرها . فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهمٍ ، ثمَّ أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلَّم ، فقال : أتجعل لي فيها ما جعلت له ؟ قال : « نعم ! » قال : قد جعلتها للمسلمين ، وقيل : كانت رومة رَكِيَّةً ليهوديٍّ يبيع المسلمين ماءها ، فاشتراها عثمان بن عفَّان من اليهوديِّ بعشرين ألف درهمٍ ، فجعلها للغنيِّ ، والفقير ، وابن السَّبيل .
2ـ توسعة المسجد النَّبويِّ :
بعد أن بنى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم مسجده في المدينة صار المسلمون يجتمعون فيه ليصلُّوا الصَّلوات الخمس ، ويحضروا خطب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلَّم الّتي يُصدر إليهم فيها أوامره ، ونواهيه ، ويتعلَّمون في المسجد أمور دينهم ، وينطلقون منه إلى الغزوات، ثمَّ يعودون بعدها ، ولذلك ضاق المسجد بالنَّاس ، فرغب النَّبيُّ صلى الله عليه وسلَّم من بعض الصَّحابة أن يشتري بقعةً بجانب المسجد ، لكي تزاد في المسجد ، حتَّى يتَّسع لأهله، فقال صلى الله عليه وسلَّم : « من يشتري بقعة ال فلان ، فيزيدها في المسجد بخيرٍ له منها في الجنَّة؟ » فاشتراها عثمان بن عفَّان رضي الله عنه من صلب ماله بخمسة وعشرين ألف درهمٍ ، أو بعشرين ألفاً ، ثمَّ أضيفت للمسجد ، ووسَّع على المسلمين ، رضي الله عنه، وأرضاه .
3ـ العسرة ، وعثمانها المعطاء :
عندما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلَّم الرَّحيل إلى غزوة تبوك حثَّ الصحابة الأغنياء على البذل لتجهيز جيش العسرة الّذي أعدَّه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لغزو الرُّوم ، فأنفق الأموال من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم كلٌّ على حسب طاقته وجهده ، أمَّا عثمان فقد أنفق نفقةً عظيمة لم ينفق أحدٌ مثلها ، وقد تمَّ بيانها عند حديثنا عن موقفه في غزوة تبوك .
المصادر والمراجع:
- علي محمد الصلابي، تيسير الكريم المنان في سيرة أمير المؤمنين عثمان بن عفان، ص 49-51.
- سعيد القحطاني ، الحكمة في الدَّعوة إلى الله ، مؤسَّسة الجريسي ، الرِّياض ، السُّعوديَّة ، الطَّبعة الأولى1412 هـ 1992 م.ص( 231 ) .
- خالد البيطار، أعلام المسلمين ( 3/41 ) .