أمير المؤمنين الحسن بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنهما)؛ اسمه ومولده وحياته
الحلقة الأولى
بقلم: د. علي محمد الصلابي
جمادى الآخر 1441 ه/ فبراير 2020م
أولاً: اسمه ونسبه وكنيته:
هو أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي القرشي ، المدني الشهيد (2)، فهو سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته من الدنيا وهو سيد شباب أهل الجنة، فهو ابن السيدة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبوه أمير المؤمنين علي رصي الله عنه، وحفيد أم المؤمنين خديجة وخامس الخلفاء الراشدين.
ثانياً: مولده وتسميته ولقبه: وفقه النبي في تسمية المواليد:
ولد رضي الله عنه وأرضاه في رمضان سنة ثلاث من الهجرة النبوية على الصحيح، وقيل: ولد في شعبان، وقيل: ولد بعد ذلك قال الليث بن سعد: ولدت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي في شهر رمضان من ثلاث، وولدت الحسين في ليال خلون من شعبان سنة أربع ، وقال البرقي أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم: ولد الحسن في النصف من رمضان سنة ثلاث من الهجرة النبوية ، ومثله قاله ابن سعد في طبقاته ، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لما ولد الحسن سميته حرباً فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال أروني ابني ما سميتموه؟ قلنا: حرباً، قال: لا، بل هو حسن، فلما ولد الحسين سميته حرباً، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أروني ابني ما سميتموه؟، قلنا: حرباً قال: بل هو حسين. فلما ولد الثالث سميته حرباً، فقال: بل هو محسّن، ثم قال: إني سميتهم بولد هارون: شبر وشبير ومشبّر ، وقد فرح رسول الله بهذا المولود الجديد وسارع الناس بتهنئة الأبوين بهذا السبط المبارك، وقد كان السلف الصالح رضي الله عنهم يسرعون في زف البشرى لأهل المولود الجديد وقد ثبت عن الحسن البصري تهنئة لطيفة يقول فيها: بورك لك في الموهوب وشكرت الواهب ورزقت برّه وبلغ أشده، ونلاحظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سمى الحسن والحسين رضي الله عنهما عدل بهما عن مسميات قبل الإسلام وما تدل عليه أسماؤها من القتال وسفك الدماء فاختار لهما أكرم الأسماء وأجل المعاني ،وقد وصف الحسن رضي الله عنه بالسيد ولقبه بهذا اللقب جده الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث الصحيح: إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين (2) ونتعلم من هدي النبي صلى الله عليه وسلم قيمة مهمة في حياتنا وهي الحرص على اختيار أجمل وأحسن الأسماء لأبنائنا وهذا توجيه للآباء والأمهات على اختيار الاسم الحسن في اللفظ والمعنى في قالب النظر الشرعي واللسان العربي، فيكون: حسناً، عذباً على اللسان، مقبولاً للأسماع، يحمل معنى شريفاً كريماً، ووصفاً صادقاً، خالياً مما دلت عليه الشريعة على تحريمه أو كراهته، مثل: شوائب التشبه والمعاني الرِّخوة ومعنى هذا أن لا يختار الأب المسلم اسماً إلا وقد قلب النظر في سلامة لفظه ومعناه على علم ووعي وإدراك، وإن يستشير بصيراً في سلامته ممّا يُحْذَرُ، فهو أسلم وأحكم، ومن الجاري قولهم: حق الولد على والده أن يختار له أماً كريمة وأن يسميه اسماً حسناً، وأن يورثه أدباً حسناً وقد بين العلماء أن للأسماء المشروعة رتب ومنازل وهي مستحبة وجائزة وهي على الترتيب كالآتي:
1 - استحباب التسمية بهذين الأسمين: عبد الله وعبد الرحمن وهما أحب الأسماء إلى الله تعالى، كما ثبت الحديث بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأسماء المتضمنة العبودية لله في معانيها وميزة هذه الأسماء، أنها أصدق تعبير على حقيقة عبودية الإنسان لربه وفقره وذله له، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، حيث قال: إن أحب أسمائكم إلى الله: عبد الله وعبد الرحمن ، وذلك لاشتمالهما على وصف العبودية. وقد خصّها الله في القرآن، بإضافة العبودية إليهما دون سائر أسمائه الحسنى، وذلك في قوله تعالى: "وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا" (الجن، آية: 19) وقوله تعالى: "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ" (الفرقان، آية: 63)، وجمع بينهما في قوله تعالى: "قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى" (الإسراء، آية: 110) وقد سمّي النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمّه العباس: عبد الله رضي الله عنهما وفي الصحابة رضي الله عنهم نحو ثلاثمائة رجل كل منهم اسمه عبد الله، وبه سُمي أول مولود للمهاجرين بعد الهجرة إلى المدينة، عبد الله بن الزبير .
2 - التسمية بأسماء أنبياء الله ورسله: لأنهم سادات بني آدم وأخلاقهم أشرف الأخلاق، وأعمالهم أزكى الأعمال، فالتسمية بأسمائهم تذكر بهم وبأوصافهم وأحوالهم وقد أجمع العلماء على جواز التسمية بهم، ولنا في رسول الله أسوة حسنة حيث سمى ابنه إبراهيم، وأفضل أسماء الأنبياء: اسم نبينا ورسولنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين أجمعين (2).
3 - التسمية بأسماء الصالحين من المسلمين: وصحابة رسول الله إلى يوم الدين وقد كان لصحابة رسول الله نظر لطيف في ذلك، فهذا الصحابي، الزبير بن العوام رضي الله عنه يسمي أولاده ـ وهم تسعة ـ بأسماء بعض شهداء بدر رضي الله عنهم، وهم: عبد الله، المنذر، عروة، حمزة، جعفر، مصعب، عبيدة وخالد.
4 - ثم يأتي من الأسماء ما كان وصفاً صادقاً للإنسان: بشروطه وآدابه واسم المولود يكتسب الصفة الشرعية متى توفرت فيه، وهذه شروط منه:
أن يكون حسن المبنى والمعنى لغة وشرعاً، ويخرج بهذا كل اسم محرم أو مكروه إما في لفظه أو معناه أو فيهما كليهما وإن كان جارياً في نظام العربية، كالتسمي بما معناه التزكية، أم المذمة أو السبُّ، بل يسمى بما كان صدقاً وحقاً وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك. وقد دلت الشريعة على تحريم تسمية المولود في واحد من الوجوه الآتية:
1 ـ اتفق المسلمون على أنّه، يحرم كل اسم معبد لغير الله مثل عبد الرسول، عبد النبي، عبد عليِّ، عبد الحسين، عبد الأمير ـ يعني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ـ عبد الصاحب، فالخلق كلهم مهما علوا فهم عباد خاضعون ذليلون فقراء لله، والله تعالى هو المستحق وحده للعبادة، فلا ينبغي التسمية بالتعبيد لغير الله من خلقه.
2 ـ التسمية بالأسماء الأعجمية المولّدة للكافرين الخاصة بهم والمسلم المطمئن بدينه يبتعد عنها وينفر منها ولا يحوم حولها وقد عظمت الفتنة بها في زماننا، فيلتقط اسم الكافر من أوربا، وأمريكا وغيرها، وهذا من أشد مواطن الإثم وأسباب الخذلان، ومنها: بطرس، جرجس، جورج، ديانا .. وغيرها. وهذا التقليد للكافرين في التسمِّي بأسمائهم، إن كان مجرّد هوى وبلادة ذهن، فهو معصية كبيرة وإثم ، وقد فصل الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد في كتابه تسمية المولود فمن أراد الزيادة والتوسع فليراجعه.
ثالثاً: تأذين رسول الله في أذن الحسن:
لما ولد الحسن أذن رسول صلى الله عليه وسلم في أذنيه بالصلاة كما روي ذلك عن أبو رافع ، والسر في ذلك وحكمته كما قال الدهلوي (رحمه الله):
1 ـ الأذان من شعائر الإسلام.
2 ـ إعلام الدين الإسلامي.
3 ـ ثم لا بد من تخصيص المولود بذلك الأذان بأن يصوت في أذنه.
4 ـ علمت أن من خاصية الأذان أن يفر منه الشيطان، والشيطان يؤذي الولد في أول نشأته، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مولد يولد إلا والشيطان يمسه ،فيستهل صارخاً من مس الشيطان إلا مريم وابنها (2)، وثبت قوله صلى الله عليه وسلم: إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين . وأضاف ابن القيم ـ رحمه الله ـ أسراراً أخرى للتأذين فقال:
5 ـ أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلماته المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام، فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله الدنيا، كما يلقن التوحيد عند خروجه منها.
6 ـ وغير مستنكر وصول أثر التأذين إلى قلبه وتأثيره به، وإن لم يشعر مع ما في ذلك فائدة أخرى وهي:
7 ـ هروب الشيطان من كلمات الأذان، وهو كان يرصده حتى يولد، فيقارنه للمحنة التي قدرها الله وشاءها، فيسمع شيطانه ما يضعفه ويغيظه أول أوقات تعلقه به.
8 ـ وفيه معنى آخر وهو أن تكون دعوته إلى الله وإلى دينه الإسلام وإلى عبادته، سابقة على دعوة الشيطان كما كانت فطرة الله التي فطر عليها على تغيير الشيطان لها ونقله عنها ولغير ذلك من الحكم ، وهكذا نتعلم من هدى النبي صلى الله عليه وسلم، استحباب الأذان في أذن المولود اليمنى ثم تقام الصلاة في الأذن اليسرى، وبذلك يكون أول ما يلامس أذنيه الدعوة إلى الركن الركين في هذا الدين بعد توحيد رب العالمين .
رابعاً: تحنيك المولود:
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤتي بالصبيان، فيبرك عليهم ويحنكهم ، فمن باب أولى أن يكون صلى الله عليه وسلم برك على الحسن وحنكه، يقول النووي ـ رحمه الله ـ معلقاً على قول عائشة رضي الله عنها: فيبرك عليهم أي يدعو لهم ويمسح عليهم وأصل البركة ثبوت الخير وكثرته، وقولها: فيحنكهم: قال أهل اللغة التحنيك أن يمضغ التمر أو نحوه ثم يدلك به حنك الصغير والتحنك يكون عقب التأذين إن أمكن ذلك، ويفضل إن أمكن أن يقوم بالتحنيك رجل صالح، وفي ذلك تأسي بالصحابة الكرام حيث حرصوا على إرسال أبنائهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليحنكهم، ويستخدم في التحنيك التمر، فإن لم يوجد فشئ حلو، وسبب ذلك:
1 ـ لأن التمر مثل حليب الأم، يحمل جميع الفيتامينات التي يحتاجها جسم الغلام.
2 ـ الغلام الصغير يولد بحاسة التذوق، فإذا استخدمت معه التمر تنبهت هذه الحاسة وحرك لسانه وفمه، فكان بذلك أقدر على التقام ثدي أمه عند الرضاع.
3 ـ المعدة تمتص السكريات بسرعة فائقة، وبذلك لا يشكل التحنيك أي معاناة معوية للغلام (2).
يقول الدكتور فاروق مساهل ـ مجلة الأمة القطرية عدد (50) في مقالته تحت عنوان ـ إهتمام الإسلام بتغذية الطفل معلقاً على حديث التحنيك ما نصه ـ والتحنيك بكل المقاييس معجزة نبوية طبية مكثت البشرية أربعة عشر قرناً من الزمان لكي تعرف الهدف والحكمة من ورائها، فلقد تبين للأطباء أن كل الأطفال الصغار وخاصة حديثي الولادة والرضع معرضون للموت لو حدث أحد أمرين:
ـ إذا نقصت كمية السكر في الدم بالجوع.
ـ إذا انخفضت درجة حرارة أجسامهم عند التعرض للجو البارد المحيط بهم
خامساً: حلق شعر رأس الحسن رضي الله عنه:
عن جعفر بن محمد، عن أبيه: أن فاطمة حلقت حسناً وحسيناً يوم سابعمها فوزنت شعرهما فتصدقت بوزنه فضة ، والأحاديث في هذا الباب صحيحة بمجموع طرقها. وقال الشيخ الدهلوي ـ رحمه الله ـ معلقاً على الحديث: السبب في التصدق بالفضة، أن الولد لما انتقل من الجنينية إلى الطفلية كان ذلك نعمة يجب شكرها وأحسن ما يقع به الشكر ما يؤذن أنه عوضه ... وأما تخصيص الفضة فلأن الذهب أغلى ولا يجده إلا غني وسائر المتاع ليس له بال بزنة شعر المولود .
سادساً: العقيقة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَقَّ عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً ، وفي رواية: كبشين كبشين ، وعن أبي رافع: أن حسن بن عليّ لمّا ولد أرادت أمُّه أن تَعُقَّ عنه بكبشين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تعُقي عنه، ولكن أحْلِقي شعر رأسه فتصدقي بوزنه من الورق، ثم ولد الحسين، فصنعت مثل ذلك وإنما صرفها صلى الله عليه وسلم عن العقيقة لتحمُّله عنها ذلك لا تركاً بالأصالة. يدل عليه حديث عليِّّ رضي الله عنه: عقَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن (بشاة) وقال: يا فاطمة أحْلقي رأسه وتصدَّقي بزنة شعره فضَّة، فوزنّاه فكان وزنُه درهماً أو بعض درهم خرَّجه الترمذي ، وقد روي عن فاطمة أنَّها عقَّت عنهما وأعطت القابلة فخذ شاة وديناراً واحداً ، ولعل فاطمة باشرت الإعطاء، وكان ممّا عقبه صلى الله عليه وسلم عن الحسن يوم سابعه بكبشين أمْلَحَين، وأعطى القابلة الفخذ، وحلق رأسه وتصدَّق بزنة الشعر، ثم طلى رأسه بيده المباركة بالخَلُوق ثم قال: يا أسماء، الدم مِنْ فعل الجاهلية. فلمّا كان بعد حول ولد الحسين.
إن للعقيقة فوائد جمة منها، أنها قربان عن المولود يقدم إلى الله مع خروج الغلام إلى الدنيا وبذلك تقدم الشكر على ما أنعم الله عليك وغير ذلك من الفوائد وقد قال الشيخ الدهلوي ـ رحمه الله ـ: يستحب لمن وجد الشاتين أن ينسك بهما عن الغلام وذلك لما عندهم أن الذكران أنفع لهم من الإناث فتناسب زيادة الشكر وزيادة التنويه أما سبب الأمر بالعقيقة فهو أن العرب كانوا يعقون عن أولادهم، وكانت العقيقة أمراً لازماً عندهم وسنة مؤكدة وكان فيها مصالح كثيرة راجعة إليه المصلحة الملية والمدنية والنفسية فأبقاها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعمل بها ورغب الناس فيها إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ غيّر في تقاليدها، فعن بريدة رضي الله عنه قال: كنا في الجاهلية إذا ولد لنا غلام ذبحنا عنه شاة ولطخنا رأسه بدمها، فلما كان الإسلام كنا إذا ولد لنا غلام ذبحنا عنه شاة وحلقنا رأسه، ولطخنا رأسه بزعفران وهذا من الفقه النبوي فإنه لما رأى عادة فيها منفعة للناس مشوبة ببعض الانحراف ـ تلطيخ رأس المولود بالدم ـ فلم يبحها مطلقاً بدعوى حاجة الناس إليها وفي نفس الوقت لم يمنعها مطلقاً بسبب ما فيها من انحراف وإنما حافظ على ما يحقق الناس في هذه العادة وأكده ونهى عن العادة الجاهلية وحرمها وهذه حكمة نبوية جديرة بالاهتمام والتأمل.
سابعاً: ختان الحسن بن علي رضي الله عنه:
عن جابر رضي الله عنه: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم عّقَّ عن الحسن والحسين، وختنهما لسبعة أيام ، وعن محمد بن المنكدر أن النبي صلى الله عليه وسلم ختن الحسين لسبعة أيام ،والختان من أمور الفطرة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه: الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الأبط .
والختان صبغة الحنيفية، فهو للحنفاء بمنزلة الصبغ والتعميد عند عباد الصليب، فهم يطهرون أولادهم بزعمهم حين يصبغونهم في ماء المعمودية، ويقولون الآن صار نصرانياً، فشرع الله سبحانه للحنفاء صبغة الحنيفية، وجعل ميسمها الختان ، فقال عز من قال: ((صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ)) (البقرة، الآية: 138)) والمقصود أن صبغة الله هي الحنفية التي صبغت القلوب بمعرفته ومحبته والإخلاص له وعبادته وحده لا شريك له، وصبغة الأبدان بخصال الفطرة من الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط والمضمضة والاستنشاق والسواك والاستنجاء فظهرت فطرة الله على قلوب الحنفاء وأبدانهم ، ومن اللطائف الفقهية في أمر الختان ما ذكره الخطابي: أما الختان فإنه وإن كان مذكوراً في جملة السنن فإنه عند كثير من العلماء على الوجوب، وذلك أنه شعار الدين، وبه يعرف المسلم من الكافر إذا وجد المختون بين جماعة قتلى غير مختونين صلى عليه ودفن في مقابر المسلمين .
ثامناً: مرضعة الحسن بن علي أم الفضل رضي الله عنهما:
عن أم الفضل قالت: قلت يا رسول الله رأيت في المنام كأن عضواً من أعضائك في بيتي أو قالت في حجرتي فقال: تلد فاطمة غلاماً إن شاء الله فتكفلينه قالت: فجئت به يوماً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فبال على ظهره فدحيت في ظهره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مهلاً يرحمك الله أوجعت ابني. فقلت: إدفع إليّ إزارك فأغسله فقال: لا، صُبِّي عليه الماء فإنَّه يُصَبُّ على بوْل الغلام ويغسل بول الجارية .
وأم الفضل هي امرأة العباس بن عبد المطلب اسمها لُبَابَة بنت الحارث الهلالية وهي لبابة الكبرى، أسلمت قبل الهجرة ، وقال ابن سعد: أم الفضل أوّلُ امرأة آمنت بعد خديجة. وروتْ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروي عنها أبنَاهَا عبد الله وتمام، وعُمير بن الحارث مولاها وكُريب مولى ابنها وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الحارث بن نوفل وآخرون وأخرج الزبير بن بكار وغيره، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: الأخوات الأربع مؤمنات: أم الفضل، وميمونة، وهي شقيقة أم الفضل، وأما أسماء وسلمى فأختاهما من أبيهما وهما بنتا عُميس الخثعمية وأم الفضل خالة خالد بن الوليد رضي الله عنه ، فأم خالد هي لبابة الصغرى بنت الحارث الهلالية . وكان يقال عن والدة أم الفضل بأنها أكرم الناس أصهار ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، والعبّاس تزوج أختها شقيقتها لُبابة أم الفضل، وحمزة تزوج أختها سلمى، وجعفر بن أبي طالب شقيقتها أسماء، ثم تزوجها بعده أبو بكر الصديق ثم تزوجها بعده على بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعاً وقد قال ابن عمر: كانت من المنجبات وكان النبي صلى الله عليه وسلم يزورها ، وفي الصحيح أن الناس شكُّوا في صيام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فأرسلت إليه أم الفضل بقدح لبن فشرب وهو بالموقف فعرفوا أنه لم يكن صائماً ، وتحكى لنا أم الفضل رضي الله عنها عن آخر ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ قرأ في المغرب بسورة ((وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا)) (المرسلات، الآية: 1).
فقالت: يا بني لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة، إنها آخر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها المغرب ، وعاشت أم الفضل إلى خلافة أبي بكر الصديق وخلافة الفاروق من بعده وفي أثناء خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنهم جميعاً توفيت قبل زوجها العباس رضي الله عنهما وقد ولدت للعباس ستة رجال لم تلد امرأة مثلهم وهم: الفضل وبه كانت تُكنى ويُكْنى زوجها العباس أيضاً ـ أبو الفضل ـ وعبد الله الفقيه، وعبيد الله الفقيه، ومعبد، وقُتم، وعبد الرحمن وأم حبيبة سابعة ـ وفي أم الفضل هذه يقول عبد الله بن يزيد الهلالي:
ما ولدت نجيبة مِنْ فحل ... بَجَبلٍ نعلمه وسَهْل
كستةٍ من بطن أمِّ الفضل ... أُكرِمْ بها من كهلة وكَهْلِ
عم النبي المصطفى ذي الفضل ... وخاتم الرسل وخير الرسل
يمكنكم تحميل كتاب: خامس الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين
الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - شخصيته وعصره
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد محمد الصلابي: