أمير المؤمنين الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما: حياته الاجتماعية
الحلقة الثانية
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
جمادى الآخر 1441 ه/ فبراير 2020م
أولا: زواج الحسن وزوجاته والروايات التي حولهن:
ذكر المؤرخون أن من زوجاته، خولة الفزازية، وجعدة بنت الأشعث، وعائشة الخثعمية، وأم اسحاق بنت طلحة بنت عبيد الله التميمي، أم بشير بنت أبي مسعود الأنصاري، وهند بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، وأم عبد الله وهي بنت الشليل بن عبد الله أخو جرير البجلي وامرأة من بني ثقيف وامرأة من بني عمرو بن أهيم المنقري، وامرأة من بني شيبان من آل همام بن مرة وربما تجاوز هذا العدد بقليل، وهو كما ترى لا يمت إلى الكثرة المزعومة بصلة بعرف ذلك العصر وأما ما رواه رواة الأثر، في كونه تزوج سبعين وفي بعض الروايات تسعين والبعض الآخر مائتين وخمسين والبعض الآخر ثلاثمائة وروي غير هذا إلا أنه من الشذوذ بمكان وهذه الكثرة المزعومة موضوعة:
وأما الروايات فهي كالتالي:
1 ـ الرواية الأولى: فقد ذكرها ابن أبي الحديد وغيره ، وقد أخذوها عن علي بن عبد الله البصري الشهير بالمدائن المتوفى 225هـ وهو من الضعفاء الذين لا يعول على أحاديثهم، فقد امتنع مسلم من الرواية عنه في صحيحه ، وضعفه ابن عدي في الكامل فقال فيه ليس بالقوي الحديث وهو صاحب الأخبار قل ما له من الروايات المسندة .
2 ـ الرواية الثانية فهي مرسلة: والمرسل من أنواع الضعيف.
3 ـ وأما الرواية الثالثة والرابعة: فقد ذكرها صاحب قوت القلوب لأبي طالب المكي وهو لا يعول على مؤلفة وعلى كل حال فالرقم القياسي لكثرة أزواج أمير المؤمنين الحسن مستندة إليه ومأخوذة عنه وقد اشتهر أبو طالب المكي بالزهد والوعظ وذكر في القوت أشياء منكرة، وذكر في كتابه أحاديث لا أصل لها ، فقد جاء في كتابه قوت القلوب: وتزوج الحسن بن علي مائتين وخمسين، وقيل ثلاثمائة، وكان علي يضجر من ذلك ويكره حياءً من أهلهن إذ طلقهن، وكان يقول: إن حسناً مطلق فلا تنكحوه، فقال له رجل من همدان: والله يا أمير المؤمنين لننكحنه ما شاء، فمن أحب أمسك، ومن كره فارق فسرّ علي بذلك وأنشأ يقول:
لو كنت بواباً على باب جنة لقلت لهمدان ادخلوا بسلام وكان الحسن ربما عقد له أربعة وربما طلق أربعة ، فهذه روايات لا تصح ولا تثبت وبالتالي لا يعول عليها. وقد جاءت قصص في أسانيدها ضعف شديد تتعلق بزواج الحسن منها:
1 ـ عن الهذلي، عن ابن سيرين قال: كانت هند بنت سهيل بن عمرو عند عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد وكان أبا عُذرتها ، فطلقها فتزوجها عبد الله بن عامر بن كريز ، ثم طلقها، فكتب معاوية إلى أبي هريرة أن يخطبها على يزيد بن معاوية، فلقيه الحسن بن علي فقال: أين تريد؟ قال: أخطب هند بنت سهيل بن عمرو على يزيد بن معاوية، قال أذكرني لها، فأتاها أبو هريرة، فأخبرها الخبر فقالت: خِرْلي، قال: أختار لك الحسن. فتزوجها، فقدم عبد الله بن عامر المدينة، فقال للحسن: إن لي عندها وديعة فدخل إليها والحسن معه وجلست بين يديه فَرَقّ ابن عامر فقال الحسن: ألا أنزل لك عنها، فلا أراك تجد محللاً خيراً لكما مني فقال: وديعتي، فأخرجت سفطين فيهما جواهر ففتحهما، فأخذ من واحد قبضة وترك الباقي فكانت تقول: سيدهم جميعاً الحسن وأسخاهم ابن عامر، وأحبهم إليّ عبد الرحمن بن عتاب ، وهذه القصة في إسنادها الهذلي وهو أخباري متروك الحديث وقال الذهبي مجمع على ضعفه .
2 ـ عن سحيم بن حفص الأنصاري، عن عيسى بن أبي هارون المزني، قال تزوج الحسن بن علي حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، وكان المنذر بن الزبير هَوِيَها، فأبلغ الحسن عنها فطلقها الحسن فخطبها المنذر فأبت أن تزوجه وقالت: شهرني، فخطبها عاصم بن عمر بن الخطاب فتزوجها فرقى إليه المنذر أيضاً شيئاً فطلقها، ثم خطبها المنذر فقيل لها: تزوجيه، فيعلم الناس أنه كان يعضهك ، فتزوجته فعلم الناس أنه كذب عليها، فقال الحسن لعاصم بن عمر: انطلق بنا حتى نستأذن المنذر فندخل عليها، فدخل فكانت إلى عاصم أكثر نظراً منها إلى الحسن وكانت إليه أبسط في الحديث، فقال الحسن للمنذر خذ بيدها فأخذ بيدها، وقام الحسن وعاصم فخرجا وكان الحسن يهواها وإنما طلقها لما رقا إليه المنذر، فقال الحسن يوماً لابن أبي عتيق وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن ، وحفصة عمته هل لك في العقيق ؟ قال نعم، فخرجا فمرا على منزل حفصة، فدخل إليها الحسن فتحدثا طويلاً ثم خرج، ثم قال الحسن مرة أخرى لابن أبي عتيق: هل لك في العقيق؟ فقال: يا ابن أم ألا تقول هل لك في حفصة ؟، وفي إسناد هذا الحديثرجال لا توجد لهم ترجمة في كتب الجرح والتعديل ويكفي في ضعفه نكارة متنه .
3 ـ حدثنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: قال علي: ما زال الحسن يتزوج ويطلق حتى خشيت أن يورثنا عداوة القبائل ، وهذا الأثر مرسل ضعيف .إن الروايات التاريخية التي تشير إلى الأعداد الخيالية في زواج الحسن بن علي رضي الله عنه لا تثبت من حيث الإسناد وبالتالي لا تصلح للإعتماد عليها نظراً للشبه والطعون التي حامت حولها، ويؤيد افتعال تلكم الكثرة أمور منها:
1 ـ إنها لو صحت لكان للحسن بن علي رضي الله عنه من الأولاد جمع غفير يتناسب معها والحال الذي ذكر لها اثنان وعشرون ولداً ما بين ذكر وأنثى، وهذا العدد يعتبر طبيعي بالنسبة لذلك العصر ويتناقض كلياً مع تلك الكثرة ولا يلتقي معها بصلة.
2 ـ ومما يدل على وضع ذلك وعدم صحته ما روي أن أمير المؤمنين رضي الله عنه كان يصعد المنبر ويقول: لا تزوجوا الحسن فإنه مطلاق، كما ذكر ذلك صاحب قوت القلوب ، فنهي أمير المؤمنين الناس عن تزويج ولده على المنبر لا يخلو إما أن يكون قد نهى ولده عن ذلك فلم يستجب له حتى اضطر إلى الجهر به وإلى نهي الناس عن تزويجه، وإما أن يكون ذلك النهي ابتداء من دون أن يعرف ولده الحسن بغض والده وكراهية أبيه لذلك، وكلا الأمرين بعيدان كل البعد أما الأول، فهو بعيد لأن الحسن رضي الله عنه كان باراً بأبيه ولا يخالفه ولا يعصي أمره، وأما الثاني، فبعيد أيضاً لأن الأولى بأمير المؤمنين أن يعرّف ولده ببغضه وكراهته لذلك ولا يعلن ذلك على المنبر أمام الجماهير الحاشدة، مما يسبب اضطراب في العلاقات الأسرية بين الوالد وولده ومضافاً إلى ذلك أن الأمر إما أن يكون سائغاً شرعاً أو ليس بسائغ فإن كان سائغاً فما معنى نهي أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وإن لم يكن سائغاً، فكيف يرتكبه الحسن؟ إنا لا شك في افتعال هذا الحديث ووضعه من خصوم الحسن بن علي رضي الله عنه ليشوهوا بذلك سيرته العاطرة والتي توجت بمساعيه في وحدة الأمة، وهذه عادة الرواة الكذبة في تشويه سيرة المصلحين وتاريخ الأمة ومن هنا تتضح أهمية علم الجرح والتعديل والحكم على الروايات والدور العظيم الذي قام به علماء الحديث في بيان زيف مثل هذه الأخبار ولذلك ننصح الباحثين في تاريخ صدر الإسلام الاهتمام بنقد مثل هذه الروايات حتى يميزوا صحيحها من سقيمها فيقدموا للأمة خدمة جليلة ولا يتورطوا مثل ما تورط فيه بعض السادة الذين لا نشك في نواياهم بسبب اعتمادهم في بحوثهم على الروايات الضعيفة والموضوعة.
3 ـ ومما يؤيد افتعال تلك الكثرة لأزواجه ما روي أن الحسن بن علي رضي الله عنه لما وافاه الأجل المحتوم خرجت جمهرة من النسوة حافيات حاسرات خلف جنازته وهن يقلن نحن أزواج الإمام الحسن. إن افتعال ذلك صريح واضح، فأنا لا نتصور ما يبرر خروج تلك الكوكبة من النسوة حافيات حاسرات، وهن يهتفن أمام الجماهير بأنهن زوجات الحسن، فإن كان الموجب لخروجهن إظهار الأسى والحزن، فما الموجب لهذا التعريف والسير في الموكب المزدحم بالرجال مع أنهن قد أمرن بالتستر وعدم الخروج من بيوتهن إن هذا الأثر وأمثاله لا يصح ولا يثبت من حيث الإسناد. ومن الأخبار الموضوعة التي تشابه تلك الأخبار ما رواه محمد بن سيرين، أن الحسن رضي الله عنه تزوج بامرأة فبعث لها صداقاً مائة جارية مع كل جارية ألف درهم . ويستبعد أن يعطي الحسن بن علي رضي الله عنه هذه الأموال الضخمة مهراً لإحدى زوجاته، فإن ذلك لون من ألوان الإسراف والتبذير وهو منهي عنه في الإسلام، فقد أمر بالاقتصار على مهر السنة، وسبب ذلك تسهيل أمر الزواج لئلا يكون فيه إرهاق وعسر على الناس، ومن المؤكد أن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا يخالف سنة جده صلى الله عليه وسلم ولا يسلك أي مسلك يتنافى مع شريعته، إن هذا الحديث وأمثاله من الموضوعات تؤيد وضع كثرة الأزواج، وتزيد في الافتعال وضوحاً وجلاءً وعلى أي حال، فليس هناك دليل يثبت كثرة أزواج الحسن بن علي رضي الله عنه سوى تلكم الروايات، ونظراً لما ورد عليها من الطعون فلا تصلح دليلاً للإثبات ولمعرفة كيف يستفيد الأعداء من الروايات الضعيفة والباطلة ننقل ما قاله المستشرق لامنس عن زواج الحسن بن علي رضي الله عنه، وألصق به التهم وطعن برجاله وحماته وقد كتب عن أزواج الحسن بن علي رضي الله عنه ما نصه: ولما تجاوز ـ يعني الحسن ـ الشباب، وقد أنفق خير سني شبابه في الزواج والطلاق فأحصى له حوالي المائة زوجة، وألصقت به هذه الأخلاق السائبة لقب المطلاق، وأوقعت علياً في خصومات عنيفة وأثبت الحسن كذلك أنه مبذر كثير السرف، وقد خصص لكل من زوجاته مسكناً ذا خدم وحشم، وهكذا نرى كيف يبعثر المال أيام خلافة علي التي اشتد عليها الفقر .
لقد اعتمد المستشرق الانجليزي لامنس في قوله: إن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان كثير الزواج والطلاق على روايات موضوعة وآثار واهية وزاد عليها، لامنس، فذكر من البهتان والأكاذيب بما لم يقل به أحد غيره فقد قال:
1 ـ إنه ألقى أباه في خصومات عنيفة بسبب كثرة زواجه وطلاقه ولم يشر أحد ممن ترجم لأمير المؤمنين علي أو الحسن رضي الله عنهما إلى تلك الخصومات العنيفة التي زعمها المستشرق لامنس.
2 ـ وذكر أن أمير المؤمنين الحسن بن علي رضي الله عنه خصص لكل من زوجاته مسكناً ذا خدم وحشم، مع أن جميع المؤرخين الذين اطلعت عليهم لم ينقلوا ذلك، وهذا من الكذب السافر والافتراء المحض.
إن لجان التنصير المسيحي التي حاربت الإسلام وبغت عليه هي التي تدفع هذه الأقلام المأجورة وتزج بها للنيل من الإسلام، وإلى تشويه واقعه والحط من قيم رجاله وأعلامه الذين أناروا الطريق للركب الإنساني، ورفعوا منار الحضارة في العالم .
ثانيا: أولاده:
وأما ذريته الشريفة، فهم: الحسن، وزيد، وطلحة، والقاسم، وأبو بكر، وعبد الله، وقد قتل هؤلاء مع عمهم الحسين الشهيد بكربلاء، وعمرو، وعبد الرحمن، والحسين، ومحمد، ويعقوب، وإسماعيل، وحمزة، وجعفر، وعقيل، وأم الحسين، ولم يعقب من ذريته إلا الحسن، وزيد، فللحسن المثنى خمسة أولاد أعقبوا وفيه العدد والبيت، وأمه خولة بنت منظور الفزارية، ولزيد ابن هو الحسن بن زيد، فلا عقب له إلا منه، وأم زيد أم بشر بنت أبي مسعود الأنصاري البدري. وقد ولى إمرة المدينة لأبي جعفر المنصور وهو والد السيدة نفيسة، وله: القاسم، وإسماعيل، وعبد الله، وإبراهيم، وزيد، وإسحاق، وعلي، رضي الله عنهم أجمعين (2)، وهذه سيرة مختصرة لبعض أولاد الحسن.
1 ـ زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب: رضي الله عنه: أمه أم بشير بنت أبي مسعود وهو عقبة بن عمرو بن ثعلبة الخزرجية فولد زيد بن حسن محمداً هلك لا بقية له وأمه أم ولد، وحسن بن زيد ولي المدينة لأبي جعفر المنصور وأمه أم ولد، ونفيسة بنت زيد تزوجها الوليد بن عبد الملك بن مروان فتوفيت عنده وأمها لُبابة بنت عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم. وأخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الموال قال: رأيت الناس ينظرون إليه ويعجبون من عُظْم خلقه ويقولون: جده رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرني عبد الله بن أبي عُبيدة قال: ردفت أبي يوم مات زيد بن حسن ومات ببطحاء ابن أزهر على أميال من المدينة فحُمل إلى المدينة، فما أوفينا على رأس الثنية بين المنارتين طُلع بزيد بن حسن في قبة على بعير ميتاً وعبد الله بن حسن يمشي أمامه قد حزم وسطه بردائه ليس على ظهره شئ فقال لي أبي: يا بُني أنزل وأمسك بالركاب، فوالله لئن ركبت وعبد الله يمشي لا تُبلني عنده بالة أبداً، فركبت الحمار ونزل أبي فمشى فما زال يمشي حتى أدخل زيداً داره ببني حُديلة، فغسل ثم أخرج به على السرير إلى البقيع .
2 ـ حسن بن حسن بن علي بن أي طالب:
وأمه خولة بنت منظور الفزازية، وولد حسن بن حسن محمداً وأمه رملة بنت سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل بن عبد العُزى، وعبد الله بن حسن مات في سجن أبي جعفر، وإبراهيم بن حسن مات في السجن أيضاً مع أخيه، وزينب بنت حسن تزوجها الوليد بن عبد الملك بن مروان ثم فارقها، وأم كلثوم بنت الحسن وأمهم فاطمة بنت حسين بن علي بن أبي طالب، وأمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله بن تيم، وجعفر بن حسن وداود وفاطمة وأم القاسم وهي قسيمة، ومُليكة وأمهم أم ولد تُدعى حبيبة فارسية كانت لآل أبي أبس من جديلة، وأم كلثوم بنت حسن لأم ولد .
ومن مواقف الحسن بن الحسن قوله لرجل ممن غلو في أهل البيت: ويحكم أحبونا لله فإن أطعنا الله فأحبونا وإن عصينا الله، فأبغضونا. قال فقال له رجل: إنكم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته. فقال: ويحك لو كان الله مانعاً بقرابة من رسول الله أحداً بغير طاعة الله لنفع بذلك من هو أقرب إليه منا أباً وأماً، والله إني لأخاف أن يضاعف للعاصي منا العذاب ضعفين وإني لأرجو أن يؤتي المحسن منا أجره مرتين. ويلكم اتقوا الله وقولوا فينا الحق فإنه أبلغ فيما تريدون ونحن نرضى به منكم. ثم قال: لقد أساء بنا آباؤنا إن كان هذا الذي تقولون من دين الله ثم لم يُطلعونا عليه ولم يُرغبونا فيه. قال فقال له الرافضي: ألم يقل رسول الله عليه السلام لعلي من مولاه فعلي مولاه؟ فقال أما والله أن لو يعني بذلك الإمرة والسلطان لأفصح لهم بذلك كما أفصح لهم بالصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج البيت ولقال لهم الناس هذا وليكم من بعدي، فإن أنصح الناس كان للناس رسول الله، ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولو كان الأمر كما تقولون إن الله ورسوله اختارا علياً لهذا الأمر والقيام بعد النبي عليه السلام إن كان لأعظم الناس في ذلك خطئه وجُرماً إذ ترك ما أمره به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يقوم فيه كما أمره أو يعذر فيه إلى الناس وهكذا يتبين موقف أهل البيت في محاربتهم للغلو.
ثالثا: إخوانه وأخواته:
ونتحدث عن ترجمة مختصرة عن أشقائه من أولاد السيدة فاطمة رضي الله عنها:
1 ـ الحسين بن علي رضي الله عنه:
هو أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وريحانته ومحبوبه، وابن بنت رسول الله، فاطمة رضي الله عنها، كان مولده سنة 4 هـ، وقيل غير ذلك ومات رضي الله عنه قتيلاً شهيداً، في يوم عاشوراء من شهر المحرم سنة إحدى وستين هجرية بكربلاء من أرض العراق فرضي الله عنه وأرضاه (2)، وقد وردت في مناقبه وفضائله أحاديث كثيرة منها:
أـ ما رواه أحمد بإسناده إلى يعلي العامري رضي الله عنه أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني إلى طعام دعوا له قال: فاستمثل رسول الله أمام القوم، وحسين مع غلمان يلعب، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذه فطفق الصبي يفر هنا مرة وهاهنا مرة، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يضاحكه حتى أخذه قال: فوضع إحدى يديه تحت قفاه والأخرى تحت ذقنه ووضع فاه وقبله وقال: حسين مني وأنا من حسين اللهم أحب من أحب حسيناً حسين سبط من الأسباط ، وفي ذلك منقبة ظاهرة للحسين رضي الله عنه إذ حث على محبته وكأنه صلى الله عليه وسلم علم بنور الوحي ما سيحدث بينه وبين القوم فخصه بالذكر وأكد على وجوب المحبة وحرمة التعرض له ومحاربته وأكد ذلك بقوله: أحب الله من أحب حسيناً، فإن محبته تؤدي لمحبة رسول الله ومحبة الرسول تؤدي إلى محبة الله .
ب ـ ومنها ما رواه البخاري بإسناده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أتى عبيد الله بن زياد ، برأس الحسين عليه السلام فجعل في طست فجعل ينكث وقال في حسنه شيئاً فقال أنس كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مخضوباً بالوسمة .
ت ـ وفي رواية أخرى عن أنس أيضاً قال: لما أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسين جعل ينكث بالقضيب ثناياه يقول لقد كان أحسبه قال جميلاً فقلت والله لأسؤنك إني رأيت رسول الله يلثم حيث يقع قضيبك قال فانقبض.
2 ـ مُحَسَّن بن علي بن أبي طالب:
لا نعرفه إلا في الحديث الذي يرويه هاني بن هاني عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لمَّا ولد الحسن جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أروني ابني ما سميتموه؟ قلت: سمّيته حرباً، قال: بل هو حسن، فلما ولد الحسين قال: أروني ابني ما سميتموه؟ قلت سميته حرباً، قال: بل هو حسين. فلما ولد الثالث جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أروني ابني ما سميتموه؟ قلت حرباً، قال: بل هو محسَّن ثم قال: إني سمّيتهم بأسماء ولد هارون شبّر وشُبَيْر ومشبّر . والظاهر أنه مات طفلاً ، ويتبين لنا من هذه الرواية الصحيحة أن محسن مات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يبطل مزاعم الغلاة والكذابين في رواياتهم الكاذبة الذين يزعمون أن عمر ضرب فاطمة وأسقط ابنها.
3 ـ أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنها:
زوج علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابنته من فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم من الفاروق حينما سأله زواجها منه رضي الله عنه بما يطلب، وثقة فيه وإقراراً لفضله ومناقبه، واعترافاً بمحاسنه وجمال سيرته وإظهاراً بأن بينهم من العلاقات الوطيدة الطيبة والصلات المحكمة المباركة ما يحرق قلوب الحساد من أعداء الأمة المجيدة، ويرغم أنوفهم ، وقد ولدت أم كلثوم بنت علي من عمر رضي الله عنه ابنة سميت "رقية" وولد سمته زيداً، وقد روى أن زيد بن عمر حضر مشاجرة في قوم من بني عدي بن كعب ليلاً فخرج إليهم زيد بن عمر ليصلحهم فأصابته ضربة شجت رأسه ومات من فوره، وحزنت أمه لقتله ووقعت مغشياً عليها من الحزن فماتت من ساعتها، ودفنت أم كلثوم وابنها زيد بن عمر في وقت واحد، وصلى عليهم عبد الله بن عمر بن الخطاب، قدمه الحسن بن علي بن أبي طالب وصلّى خلفه (2)، وقد فصلت سيرتها في كتابي عن عمر بن الخطاب.
4 ـ زينب بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما: ولدت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وكانت عاقلة لبيبة جزلة زوَّجها أبوها ابن أخيه عبد الله بن جعفر، فولدت له أولاداً، وكانت مع أخيها لما قتل، فحملت إلى دمشق .
ومن أشهر إخوانه من أبيه:
5 ـ محمد بن الحنفيّة:
وكانت أمه من سبي بني حنيفة، اسمها خولة بنت جعفر وكان فاضلاً عالماً ذا علم ودين وعبادة، وكان حامل راية أبيه يوم الجمل، وكان قوياً، وحكيماً ومما رويمن كلامه أنه قال: ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بُداً حتى يجعل الله له فرجاً ومخرجاً وقال: إن الله تعالى جعل الجنة ثمناً لأنفسكم، فلا تبيعوها بغيرها: وقال من كرمت عليه نفسه لم يكن للدنيا عنده قدر. وقال: كل مالا يبتغي به وجه الله يضمحل توفي سنة ثلاث وتسعين هجرية .
يمكنكم تحميل كتاب: خامس الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين
الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - شخصيته وعصره
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد محمد الصلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book06.pdf