الأحد

1446-06-21

|

2024-12-22

من الأقوال و الخطب والمواعظ التي حفظها الناس عن أمير المؤمنين الحسن بن علي (رضي الله عنهما)

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

الحلقة: الرابعة والثلاثون

رجب 1441 ه/ مارس 2020م

-غض البصر وستر العورة:
لأن الطريق الذي تنفذ منه سهام الشهوة إلى القلب هو البصر ولذلك أمر الله عباده بغض البصر عمّا حرّم عليهم وستر عواراتهم عمن لا يحل لهم قال تعالى:((قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)) (النور، الآية: 30) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد . يقول ابن القيم ـ رحمه الله: قد جعل الله سبحانه العين مرآة القلب فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق بصره أطلق شهوته ويقول أيضاً: النظرة تفعل في القلب ما يفعل السهم في الرمّية، فإن لم تقتله جرحته، وهي بمنزلة الشرارة من النار تُرمي في الحشيش اليابس، فإن لم تُحرقه كلَّه أحرقت بعضه وقد قيل:
كل الحوادث مبداها من النظر
ومعظم النار من مُستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها
فتك السهام بلا قوس ولا وَتر
والمرء ما دام ذا عين يُقلبِّها
في أعين الغيد موقوف على الخطر
يَسُرُّ مقلته ما ضرّ مهجته
لا مرحباً بسرور عاد بالضرر
- ـ تحريم الاختلاط والأمر بحجاب النساء:
وقد ورد في بيان ذلك آيات قرآنية وأحاديث نبوية عديدة ومنها: قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيماً)) (الأحزاب، الآية: 59). وقوله تعالى: ((وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)) الأحزاب، الآية: 153) وروى البخاري ومسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله قال: إياكم والدخول على النساء. فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت . والحمو: أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج كابن الأخ والعم وابنه ونحوهم ممن ليس بمحرم وقوله صلى الله عليه وسلم الحمو الموت. معناه أن الخوف منه أكثر من غيره لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه بخلاف الأجنبي ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم كما ورد التشديد والوعيد في أحاديث عديدة من تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال في اللبس والحركة لما في ذلك من إثارة الشهوات وانحرافها، روي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال .
- ـ الترغيب في الصيام لتسكين الشهو:
إذا لم يتيسر الزواج ولم يجد المرء المقدرة عليه لسبب من الأسباب فعليه أن يقي نفسه من تسلط الشهوة وذلك بالمبادرة إلى الصيام لما فيه من تسكين الشهوة وتخفيف وطأتها، وقد ورد في الإرشاد إلى ذلك الحديث الذي رواه الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ، أي: أن الصوم يقطع الشهوة، ويُلحق بذلك التقليل من الأغذية المحركة للشهوة لكي يكسر من حدتها ويضعف تأثيرها، فإذا لم يحرص المرء على هذه التدابير الوقائية ولم يلتزم بها، فإن سهام الشهوة وسمومها لا بد أن تنفذ إلى القلب ما دام على أهبة الاستعداد لقبول هذا الانحراف، وعندها سيتمادى في مرضه وتتمادى الشهوة في طغيانها يوماً بعد يوم حتى يقع صاحبه في حمأة الرذيلة ، فقول الحسن بن علي رضي الله عنه: كان خارجاً من سلطان فرجه، فلا يستخفُّ له عقله ولا رأيه ، دعوة صريحة إلى كبح طغيان شهوة الفرج.

ـ قول الحسن بن علي رضي الله عنه: كان إذا جامع العلماء يكون على أن يسمع أحرص منه أن يتكلم . وفي هذا احترام للعلماء وتقديرهم والاستفادة منهم، فتوقيرهم واحترامهم من السنة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا، ويأمر بالمعروف وينه عن المنكر ويعرف لعالمنا حقه . لقد كان سلف هذه الأمة يحترمون علماءهم احتراماً كبيراً ويتأدبون معهم ولقد أكثر أهل العلم من الكلام عن أسلوب التعامل مع العالم في مجلسه، وأسلوب الحديث معه مما هو مذكور بتوسع في كتب آداب العالم والمتعلم، ومن أجمع ما رُوي في ذلك ما قاله علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ: إن من حق العالم ألاّ تكثر عليه السؤال، ولا تعنته في الجواب، وأن لا تُلِحَ عليه إذا كسل ـ ولا تأخذ بثوبه إذا نهض، ولا تفشينّ له سراً ولا تغتابن عنده أحداً، وإن زلَّ قبلت معذرته، وعليك أن توقره وتعظمه لله ما دام يحفظ أمر الله ولا تجلس أمامه، وإن كانت له حاجة سبقت القوم إلى خدمته . وقال: من حق العالم عليك أن أتيته أن تسلِّم عليه خاصة، وعلى القوم عامة، وتجلس قدامه، ولا تشر بيديك، ولا تغمز بعينيك، ولا تقل قال فلان خلاف قولك ولا تأخذ بثوبه، ولا تلح عليه في السؤال فإنه بمنزلة النخلة المرطبة لا يزال يسقط عليك منها شئ وقال عبد الرحمن بن مهدي ـ رحمه الله ـ: كان الرجل من أهل العلم إذا لقي من هو فوقه في العلم فهو يوم غنيمة سأله وتعلم منه وإذا لقي من هو دونه في العلم علَّمه وتواضع له، وإذا لقي من هو قرينه في العلم ذاكره ودارسه .
ولقد ضرب السلف الصالح أبلغ المثل في الحرص على الطلب، والسعي في الأخذ عن أهل العلم والاستماع إليهم واحترامهم وتقديرهم تشهد لذلك قصصهم التي ساقها الخطيب البغدادي وغيره في هذا المجال.
ـ قول الحسن بن علي رضي الله عنه: كان أكثر دهره صامتاً، فإذا قال بذَّ القائلين، كان لا يشارك في دعوى، ولا يدخل في مراء . فالحسن بن علي رضي الله عنه يدعو إلى التقليل من الكلام، ومنابذة المراء، وفي الحديث: إذا أصبح العبد فإن الأعضاء كُلها تُكفِّرُ اللسان، تقول: اتِّق الله فينا، فإنما نحن بك، فإذا استقمت استقمنا، وإن أعوججت أعوججنا ، وقد كان السلف يحاسب أحدهم نفسه في كلامه، لئن اللسان أيسر حركات الجوارح وهي أضرُّها على العبد، وكان الصديق رضي الله عنه يمسك بلسانه ويقول: هذا أوردني الموارد ، والكلام أسيركُ، فإذا اخرج من فيك صرت أنت أسيره والله عند لسان كل قائل ((مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)) (ق، الآية: 18).
وفي اللسان آفتان عظيمتان إن خلص من إحداهما لم يخلص من الأخرى: آفة الكلام، وآفة السكوت، وقد يكون كل منهما أعظم إثماً من الأخرى في وقتها، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، عاص لله، مراء، مداهن؛ إذا لم يخف على نفسه، والمتكلم بالباطل شيطان ناطق، عاص لله، وأكثر الخلق منحرف في كلامه وسكوته؛ فهم بين هذين النوعين، وأهل الوسط ـ وهم أهل الصراط المستقيم ـ كفُّوا ألسنتهم عن الباطل، وأطلقوها فيما يعود عليهم نفعه في الآخرة، فلا ترى أحدهم يتكلم بكلمة تذهب عليه ضائعة بلا منفعة، فضلا عن أن نضره في آخرته، وإن العبد ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، فيجد لسانه قد هدمها عليه كلَّها، ويأتي بسيئات أمثال الجبال، فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله وما اتَّصل به ، فليس الكلام مأمورا به على الإطلاق، ولا السكوت كذلك، بل لا بد من الكلام بالخير والسكوت عن الشر، وكان السلف كثيراً يمدحون الصمت عن الشر، وعما لا يعني لشدته على النفس، ولذلك يقع فيه الناس كثيراً، فكانوا يعالجون أنفسهم، ويجاهدونها على السكوت عما لا يعنيهم ، قال الفضيل بن عياض ـ رحمه الله ـ: ما حج ولا رباط، ولا جهاد أشد من حبس اللسان، ولو أصبحت يهمك لسانك، أصبحت في غم شديد. وقال: سجن اللسان سجن المؤمن، ولو أصبحت يهمك لسانك، أصبحت في غم شديد
ـ قول الحسن بن علي رضي الله عنه: كان إذا ابتدأه أمران لا يرى أيهما أقرب إلى الحقِّ، نظر فيما هو أقرب إلى هواه فخالفه:
فالحسن رضي الله عنه، يحث على مخالفة الهوى، والهوى، ميلان النفس إلى ما تستلذه من الشهوات من غير داعية الشرع ، ويعتبر الهوى من الأسباب التي لأجلها خالفت كثير من الأمم أنبيائها فاستكبروا ولم يقبلوا الحق والهدى والنور الذي جاءتهم به أنبياؤهم، عليهم السلام. قال تعالى: ((وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أنْفُسَهم َفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ)) (المائدة، الآية: 10) كما أن الله تعالى أمر نبيه داود عليه السلام بمخالفة الهوى، قال تعالى: ((يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ يَومُ الحِسَاب)) (ص، الآية: 26). ويقول ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: ونفس الهوى ـ هو الحب والبغض الذي في النفس ـ لا يلام عليه، فإن ذلك قد لا يملك، وإنما يلام على اتباعه ،وقال في موضع آخر: ومجرد الحب والبغض هوى، لكن المحرم اتباع حبّه وبغضه بغير هدى من الله ،
إن العلاج الناجع والبلسم الشافي لمن ابتلى بشئ من الهوى، إلزام النفس بالكتاب والسنة، واتباع منهج السلف الصالح وتربية النفس باستمرار على التقوى والخشية من الله تعالى، واتهام النفس ومحاسبتها دائماً فيما يصدر منها وعدم الاغترار بأهوائها وتزييناتها وخداعها، والإكثار من إستشارة أهل العلم والإيمان واستجلاء آرائهم حول ما يريد أن يقوله ويفعله، وكذلك ترويض النفس على استنصاح الآخرين وتقبل الآراء الصحيحة الصائبة وإن كانت مخالفة لما في النفس، وتعويدها على التريث وعدم الاستعجال في إصدار الأحكام وإمضاء الأعمال والحذر من ردود الأفعال التي قد يكون فيها إفراط وتفريط وغلو أو تقصير، وجهل وبغى وعدوان، وإكثار المرء من الدعاء والتضرع إلى الله تعالى بأن يجنبه اتباع الهوى ومضلات الفتن ويسأله تعالى أن يوفقه لقول كلمة الحق في الغضب والرضا ويكثر الدعاء الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته: وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب . وقوله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء .
4 ـ قال الحسن رضي الله عنه: يجوز أن يظن السوء بمن علم السوء منه وبدت عليه أدلته وليس ينبغي أن يظن به السوء بمجرد الظن فإن الظن يكذب كثيراً . ومفهوم هذه الحكمة الحسنية أن المؤمن الكيس الفطن يجوز له ظن السوء بمن علم من أحواله، وتصرفاته، وسلوكه ومواقفه وأقواله ما يشير إلى السوء به، فإن الإنسان يظهر بعض ما في نفسه على صفحات وجه وفلتات لسانه، وبعض مواقفه، وهذا الظن لا يبني عليه عقاب أو جزاءً على الشخص المشكوك فيه بطبيعة الحال ولكن المقصد من قول الحسن رضي الله عنه الاحتراز والحذر والحيطة من أمثال هؤلاء حتى لا يقع الإنسان المسلم في مصائب وويلات بسبب حسن الظن بأمثال هؤلاء ومن عاشر الناس علم خطورة الثقة في من له سوابق من سوء الظن وقرائن تدل على ذلك وأما مجرد ظن السوء بالمسلم بلا دلائل ولا قرائن قوية فلا ينبغي للمسلم، فقد قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)) (الحجرات، الآية: 12). قال بعض العلماء في قوله تعالى ((إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)). هو أن تظنَّ بأهل الخير سوءاً، فأمّا أهل السوء والفسوق فلنا أن نظن بهم مثل الذي ظهر لنا ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث . وعد ابن حجر سوء الظن بالمسلم من الكبائر الباطنة حيث قال ..
وذلك أنّ من حكم بشرِّ على غيره بمجرد الظن حمله الشيطان على احتقاره، وعدم القيام بحقوقه، والتّواني في إكرامه، وإطالة اللسان في عرضه، وكل هذا مهلكات، وكل من رأيته يسئ الظّّنَّ بالناس، طالباً لإظهاره معايبهم ـ فاعلم أنّ ذلك لخبث باطنه وسوء طويّته، فإن المؤمن يطلب المعاذير لسلامة باطنه، والمنافق يطلب العيوب لخُبث باطنه .
فهذه إطلالة موجزة على قول الحسن بن علي رضي الله عنه: يجوز أن يظن السوء بمن علم السوء منه وبدت عليه أدلته وليس ينبغي أن يظن به السوء بمجرد الظن، فإن الظن يكذب كثيراً.
5 ـ قول الحسن بن علي رضي الله عنه: والله ما تشاور قوم قط إلا هداهم الله لأفضل ما يحضرهم ، فالحسن رضي الله عنه يحث الناس ويوصيهم بضرورة التشاور فيما بينهم في جميع أمورهم، وقد مارس الرعيل الأول الشورى وتعلمها من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، وقد شاور الحسن أخيه الحسين وابن عمه عبد الله بن جعفر وغيرهم من قادة دولته في الصلح مع معاوية رضي الله عنهم كما سيأتي بيانه، وتعتبر الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، ومن لا يستشير أهل العلم والدين ـ من الأحكام ـ فعزله واجب، هذا ما لا خلاف فيه . وقال الجصاص الحنفي ـ رحمه الله ـ في تفسيره بأحكام القرآن معقباً على قوله تعالى: ((وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)) وهذا يدل على جلالة موقع الشورى لذكرها مع الإيمان، وإقامة الصلاة، ويدل على أننا مأمورون بها ، قال الطاهر بن عاشور: مجموع كلام الجصاص يدل على أن مذهب أبي حنيفة وجوبها ، وقال النووي ـ رحمه الله ـ: واختلف أصحابنا هل كانت الشورى واجبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أم كانت سنة في حقه كما في حقنا، والصحيح عندهم وجوبها، وهو المختار قال الله تعالى: ((وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ))، والمختار الذي عليه جمهور الفقهاء ومحققو الأصول أن الأمر للوجوب .
وقال ابن تيميه رحمه الله: لا غنى لولي الأمر عن المشاورة فإن الله تعالى أمر بها نبيه صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: ((فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)) (آل عمران، آية: 159). إن الشورى من قواعد النظام الإسلامي التي تساهم في إقامة المجتمع المسلم، وقد شرع نظام الشورى لحكم بالغة ومقاصد عظيمة، ولما فيها من المصالح الكبيرة، والفوائد الجليلة التي تعود على الأمة والدولة والمجتمع بالخير والبركة ومن ذلك:
ـ الشورى نوع من الحوار المفتوح، ومن أحسن الأساليب لتوعية الرأي العام وتنويره، وتعزيز عوامل الحب والثقة بين الحاكم والمحكومين، والقائد والمقودين، والرئيس والمرءوسين، وهو خير أسلوب في الحكم لعزل الشكوك، ونفي الهواجس، وإزالة الأوهام، ووقف الإشاعات التي تنمو عادة في ظل الاستبداد، وتنشر في عتمة الغوغائية
ـ تقضي مبادئ الإسلام بأن يشعر كل فرد أن له دوراً في حياة المجتمع والجماعة، والشورى تتيح الفرصة أمام كل فرد لكي يقدم ما يستطيع من جهود وأفكار وآراء ومهارات لخير المجتمع، كما تتيح الفرصة أمام كل فرد ليعبر عن رأيه في الشئون العامة.
ـ إن الشورى تمنح الدفء العاطفي، والتماسك الفكري لأفراد الأمة، وفيها إشعار الفرد بقيمته الذاتية، وقيمته الفكرية، وقيمته الإنسانية، وتدفع أفراد المجتمع نحو الاجتهاد والإبداع والرضى وتتفجر الطاقات وتنكشف المواهب المغمورة في الأمة.
ـ إن الشورى تساهم في علاج ضروب الكبت الضاغطة، وكوامن الأحقاد الدفينة، وتطيح بكثير من الكظوم الخفية، تدفع رعايا الدولة للعطاء والحرص على ترسيخ النظام، وصدق الولاء.
ـ وفي نظام الشورى تذكير للأمة بأنها هي صاحبة السلطان وتذكير لرئيس الدولة بأنه وكيل عنها في مباشرة الحكم والسلطان.
ـ وفي المشاورة امتثال لأمر الله بها، واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه المزية أرجح المزايا المتقدمة، وهذا أهم العوامل في نجاح نظام الشورى . فالحسن بن علي رضي الله عنه يحث الناس على الاهتمام بالشورى وممارستها وتطبيقها ولذلك قال: والله ما تشاور قوم قط إلا هداهم الله لأفضل ما يحضرهم

يمكنكم تحميل كتاب: خامس الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين
الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - شخصيته وعصره
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد محمد الصلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book06.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022