الجمعة

1446-06-26

|

2024-12-27

   السؤال           

مجرد سؤال لمعلومة صادفتها على مواقع التواصل الاجتماعي عن عدم وجود عذاب بعد الموت وأنه إن تحقق ذلك وكان هناك عذاب بعد الموت فالمستفيد الأكبر من ذلك هو إبليس لخلوده إلى أن تقوم الساعة ولن يعذب كبقية الثقلين فما قولكم أستاذي في المسألة بارك الله فيكم

 

   الجواب   

هذا القائل إنما أتي من جهة أنه يحكِّم عقله في نصوص الشرع؛ فما قَبِلَه عقله فبها وما لا فلا!! ولا شك أن في هذا المسلك افتياتاً على الشرع لأن الغيبيات لا مدخل للعقول في تكييفها، بل ينبغي الاقتصار فيها على السمعيات، أعني ما جاء في القرآن وما ثبت في صحيح سنة النبي عليه الصلاة والسلام، ويكفينا أن عالم الأرواح لا نملك تكييفاً له وقد قال الله تعالى {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} فلا يحق لعاقل أن يحتج بمثل هذا الكلام على نصوص ثابتة متواترة في القرآن والسنة؛ كقوله تعالى {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق} وقوله تعالى {النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} وقول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه "تعوّذوا بالله من عذاب القبر" وقوله دبر كل صلاة "اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر" وقوله "إنهما يعذَّبان وما يعذَّبان في كبير؛ بلى إنه لكبير" وقوله عليه الصلاة والسلام "إن هؤلاء يُعذَّبون في قبورهم عذاباً تسمعه البهائم" إلى غير ذلك من النصوص، ويمكن للسائل أن يحيل هذا المشكك - إن كان طالباً للحق لا تابعاً للهوى - إلى بعض كتابات أهل العلم ككتاب (التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة) للإمام أبي عبد الله القرطبي رحمه الله تعالى، أو كتاب (الروح) للإمام أبي عبد الله بن القيم رحمه الله تعالى، أو كتاب (شرح الصدور) للإمام الجلال السيوطي رحمه الله تعالى، وهذا الرجل قد استخدم نصوصاً وأهمل نصوصاً أخرى، وذاك صنيع أهل الأهواء الذين قال الله فيهم {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله} ويمكن الجواب على شبهاته من أيسر سبيل، وذلك بتتبعها واحدة واحدة: أولا: استدلاله بقوله تعالى {إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم} غفل فيه عن أن الموت هو القيامة الصغرى وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (من مات فقد قامت قيامته). ثانياً: استدلاله بقوله تعالى {وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا} غفل فيه عن قوله تعالى {النار يعرضون عليها غدوا وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} ثالثا: قوله بأن إبليس هو المستفيد الوحيد هذا محض شغب ليس إلا ولا يمكن إدراجه ضمن أدلة النقل أو العقل بل هو إلى الهراء أقرب. رابعاً: اعتراضه بحال من أكلته الأسماك أو كانوا في مقابر جماعية اعتراض بارد، ومن آمن أن الله على كل شيء قدير علم يقيناً أنه سبحانه قادر على تنعيم أو تعذيب من أكلته الوحوش أو تخطفته الطير أو تفرق جسده في بطون الأسماك، ولو فتح الإنسان هذا الباب على نفسه فسيقوده إلى مهالك مظلمة، ومصيبة هذا الرجل أنه يقيس أحوال الآخرة - ومنها عالم البرزخ - على أحوال الدنيا. خامساً: تجاوزه وتطاوله على السنة المطهرة يتضح من وصفه للأحاديث الصحاح التي فيها ذكر الثعبان الأقرع وغيره بأنها أساطير، وقد كان حرياً به أن يتقيد بآداب البحث العلمي ويتتبع تلك الأحاديث وينظر فيما قاله أهل الاختصاص عنها قبل أن يلقي القول على عواهنه، وأسأل الله تعالى أن يعصمنا من الزلل.

أجاب عن السؤال فضيلة الدكتور عبد الحي يوسف
أستاذ الشريعة في الجامعة الإفريقية العالمية في السودان


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022