الجمعة

1446-10-27

|

2025-4-25

(بعض سنن الصلاة)

اقتباسات من كتاب " فقه الصلاة" للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله)

الحلقة: التاسعة والستون

شعبان 1444ه/ فبراير 2023م

 

1. وضع اليد اليمنى على اليسرى في القيام في الصلاة:

فعن عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة.

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنا معاشر الأنبياء أُمِرنا أن نعجِّل فطرنا، وأن نؤخِّر سحورنا، وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة".

وإليه ذهب الجمهور، خلافًا لبعض المالكية الذين يرون أنّ إرسال اليدين أولى من قبضهما، مع أنّه قد جاء في الموطَّأ: أنّ مالكًا رحمه الله لم يزل يقبض يديه في الصلاة، حتى لقي الله عزّ وجل.

والراجح ما ذهب إليه الجمهور؛ فقد ورد ذلك عن ثمانية عشر من الصحابة والتابعين، والحكمة من هذه الهيئة أنها صفة السائل الذليل، وهي أمنع للعبث، وأقرب إلى الخشوع.

ولا ضير في وضع اليدين تحت السرة، أو فوقها، أو تحت الصدر، أو أعلى الصدر، فقد وردت آثار بكل ذلك.

2. التوجُّه أو دعاء الاستفتاح:

والتوجُّه أو دعاء الاستفتاح يأتي به المصلي بعد تكبيرة الإحرام، وقد وردت أحاديثُ في بيان دعاء الاستفتاح منها:

1- حديث أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبَّر في الصلاة سكت هنيهة قبل القراءة، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: أقول: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقِّني من خطاياي كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد".

2 - وعن علي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبَّر، ثم قال: "وجهتُ وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا مسلمًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، وأنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك".

وعن عمر: أنه كان يقول بعد تكبيرة الإحرام: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك.

قال ابن القيم: «صحَّ عن عمر أنه كان يستفتح به في مقام النبي صلى الله عليه وسلم، ويجهر به، ويعلِّمُه الناس، وهو بهذا الوجه في حكم المرفوع. ولذا قال الإمام أحمد: أما أنا فأذهب إلى ما رُوِي عن عمر، ولو أنَّ رجلًا استفتح ببعض ما رُوِي كان حسنًا».

وفي الأحاديث الواردة، أدعية أخرى، وللمسلم أن يدعو بأي صيغة وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

3. الاستعاذة:

ويستحبُّ الاستعاذة قبل القراءة في الصلاة في الركعة الأولى دون سائر الركعات، بقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:98].

قال ابن المنذر: جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول قبل البدء في القراءة: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".

وإنما قلنا: إن البدء بالاستعاذة يكون في الركعة الأولى دون سائر، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة بـ«الحمد لله رب العالمين» ولم يسكت. وهذا يدل على أنه لم يكن يستفتح ولا يستعيذ.

وباعتبار أن القراءة في الصلاة قراءة واحدة.

قال ابن القيم: والاكتفاء باستعاذة واحدة أظهر للحديث الصحيح.

ويستحب أن تكون الاستعاذة سرًّا، عند أكثر أهل العلم. قال ابن قدامة: ويُسِرُّ الاستعاذة، ولا يجهر بها، لا أعلم فيه خلافًا.

4. التأمين:

ويُسَنُّ للمنفرد والإمام والمأموم أن يقول بعد قراءة الفاتحة: آمين، لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7]. فقولوا: آمين؛ فإن الملائكة تقول: آمين. وإن الإمام يقول: آمين. فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه". وروي مثله عن أبي هريرة.

والجمهور على أنه يستحبُّ أن يرفع كل من الإمام والمأموم صوته بالتأمين في الأوليين من الصلاة الجهرية، لحديث وائل بن حجر: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ: {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7]. قال: "آمين" ورفع بها صوتَه.

ويستحب للمأموم أن يوافق الإمام في التأمين، فلا يسبقه، ولا يتأخر عنه، وقد ذكرنا حديث: "من وافق تأمينه تأمين الإمام غفر له ما تقدم من ذنبه".

ولفظ «آمين» ليس من الفاتحة، وإنما هو دعاء، معناه: اللهمَّ استجبْ.

5. القراءة بعد الفاتحة:

ويسنُّ للإمام والمنفرد مطلقًا والمأموم في الصلاة السرية: أن يقرأ بعد الفاتحة سورة ولو قصيرة من القرآن، أو آية تعدل أقصر سورة منه، وهي الكوثر، وذلك في ركعتي الصبح، والركعتين الأولين من الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وفي ركعتي الجمعة، وفي ركعات النوافل.

فعن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأم الكتاب وسورتين، وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب، ويُسمعنا الآية، ويطوِّل في الركعة الأولى ما لا يطوِّل في الركعة الثانية، وهكذا في العصر، وهكذا في الصبح.

هديُه صلى الله عليه وسلم في القراءة بعد الفاتحة:

وإذا تتبعنا الأحاديث الواردة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، نجد أنه كان يطوِّل في بعض الأوقات، ويخفف في بعضها، والغالب في صلاته أنه كان يعتدل بين التطويل والتخفيف.

فقد صح عنه أنَّه قرأ في المغرب بطولى الطُولَيْين (الأعراف والمائدة)، وقرأ بالطور، وصحَّ عنه أنه قرأ في صلاة العشاء: التين والزيتون، وصحّ عنه أنه قرأ في صلاة الفجر: إذا زلزلت.

وعن أبي برزة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر ما بين الستين إلى المائة آية.

وصح عنه أنه كان يطيل في الأوليين في الظهر، ويخفِّف في العصر، ويقرأ في المغرب من قصار المفصَّل، وفي العشاء بوسطه، وفي الصبح بطِواله.

وكان يخفف القراءة أحيانًا لعارض سفر، أو سعال، أو مرض، أو بكاء صبي، كما قال أنس بن مالك: جوَّز صلى الله عليه وسلم ذات يوم في الفجر فقيل: يا رسول الله، لم جوَّزت؟ قال: "سمعت بكاء صبي، فظننت أن أمه معنا تصلي، فأردت أن أُفْرِغ له أمَّه". وكان يقول: "إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي، مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه".

ولا بأس بقراءة خواتيم السور، أو أوائلها، أو أواسطها، أو الجمع بين سورتين في ركعة واحدة، أو أن يقرأ سورة واحدة في ركتين، أو يردِّدها في ركعتين.

 

هذه الحلقة مقتبسة من كتاب فقه الصلاة للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله) صص170-163


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022