الخميس

1446-03-16

|

2024-9-19

تأملات في الآية الكريمة {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ}

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 273

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

شوال 1444ه/ أبريل 2023م

 

ثم يعيد السّياق القرآني الكريم اللفظ نفسه الذي آثر سيدنا إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - أن يستفتح به كل دعوة من دعائه.(1)

1-قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي}:

{رَبَّنَا}؛ هذه اللفظة التي تنقل لنا مزيداً، بل فيضاً من مشاعر النبي الكريم في ساعة الدعاء، وهنا كما نلاحظ إضافتها لضمير المتكلم "نا"،مع أنّ ما جاء بعدها ياء المتكلم الدالة على أن الدعاء من سيدنا إبراهيم وحده عليه الصلاة والسلام، فنرى أن في الأولى إقراراً منه - عليه السّلام- بالربوبية الكاملة من الله عزّ وجل لجميع خلقه الذين تكفّل بمعاشهم وجميع أمور حياتهم ومادام الأمر كذلك فإن دعوة واحدة منه عليه السلام هي أدعى بالاستجابة والقبول وهذا ما توجبه لنا يا المتكلم.

وفي قوله {إِنِّي} هذا فضلاً عن ما نقله لنا من إحساسه عليه الصلاة والسلام بالضعف أمام قدرة رب العالمين سبحانه وتعالى.

وفي قوله {أَسْكَنْتُ} تأتي هذه الجملة هنا لتنقل لنا معنى دقيقاً أراده النبي الكريم من ترك زوجه وولده هناك، فهو لم يتركهما عبثاً أو مؤقتاً، بل وضعهما بنية السكن بهذا الوادي.(2)

وفي قوله {مِنْ ذُرِّيَّتِي} في هذه الجملة وجه من أوجه الإعجاز الإنبائي والتاريخي في كتاب الله، وذلك في ورود التعبير {مِنْ ذُرِّيَّتِي}؛ لأن فرعاً واحداً من ذرية إبراهيم هو الذي أسكن عند بيت الله الحرام، وهو فرع سيدنا إسماعيل - عليه السّلام - الذي ختم ببعثة خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم وبارك عليه وعلى أنبياء الله أجمعين، وهو من الحقائق التاريخية الراسخة.(3)

2-قوله تعالى: {بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ}:

هذه صورة أخرى من صور الإعجاز الإنبائي والتاريخي والعلمي في هذا النص الكريم؛ وذلك لأن وادي مكة في ذلك الزمان كان قفراً لا زرع فيه ولا ثمر ولا ماء ولا أثر لبشر، لأن الزرع لا يتحقق إلا في الأماكن الآهلة بالسكان، ولما لم يكن في الحرم المكي كله أي مقيم ساعة أمر الله عبده إبراهيم - عليه السّلام- بوضع زوجه السيدة هاجر عليها رضوان الله ورضيعها إسماعيل عند قواعد البيت الحرام، فقد انتفى وجود إمكانية أي زراعة، ولم تنتف إمكانية وجود بعض النباتات الفطرية من مثل العضاه والسّلَم والسّمر وغيرها؛ لأن لفظة "نبات" كلمة عامة، تشمل كل ما تنبته الأرض بالفطرة أو الزراعة.(4)

لقد كان إسكان بعض ذرية إبراهيم - عليه السّلام - في هذا الوادي غير ذي زرع؛ لغرض تعمير بيت الله العتيق الذي بناه بأمر الله خليل الله أبو الأنبياء، ولذلك قال {عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ}، إذ أضاف البيت إليه سبحانه وتعالى تشريفاً لشأنه ووصفه بالمحرم؛ لأنّه تحرم فيه الدماء، وهو في ذاته حرم آمن يأمن كل من يأوي إليه، وقد بُني في صحراء جرداء؛ ليكون آمناً من طمع الطامعين ورغبة المعتدين، إذ أنهم يرومون خصب الأرض ليشبعوا نهمهم ويرضوا مطامعهم، وليكون الاستغلال الغاشم والاستعمار الظالم، فكان في أرض لا يطمع فيها طامع، ولا يرومها فاتح، وقد كرّر نداء ربه ضراعة،(5) فقال: رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ.

 

مراجع الحلقة الثالثة والسبعون بعد المائتين:

(1) وجوه البيان في دعاء سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، سميرة عدلي محمد رزق، ص234.

(2) المرجع نفسه، ص234.

(3) من آيات الإعجاز الإنبائي والتاريخي، د. زغلول النجار، (1/351).

(4) المرجع نفسه، (1/351).

(5) زهرة التفاسير، الإمام محمد أبو زهرة، (8/4038).

 

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022