الجمعة

1446-06-26

|

2024-12-27

من ثمار الإيمان بالقدر: الاستقامة ومخافة الله ...

مختارات من كتاب " الإيمان بالقدر "

لمؤلفه الشيخ الدكتور علي محمد الصلّابي

الحلقة الثامنة والخمسون

 

المؤمن بالقدر على حذر من الله، قال تعالى: "فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ" (الأعراف : 99) .

فقلوب العباد دائمة التقلب والتغير، والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، والفتن التي توجه سهامها إلى القلوب كثيرة، والمؤمن يحذر دائماً أن يأتيه ما يضله كما يخشى أن يختم له بخاتمة سيئة، وهذا لا يدفعه إلى التكاسل والخمول، بل يدفعه إلى المجاهدة الدائبة للاستقامة والإكثار من الصالحات ومجانبة المعاصي والموبقات، كما يبقى قلب العبد معلقاً بخالقه، يدعوه ويرجوه ويستعينه ويسأله الثبات على الحق، كما يسأله الرشد والسداد (1).

لا يتم توحيد الله إلا لمن أقرَّ أن الله وحده الخالق لكل شئ في الكون، وأن إرادته ماضية في خلقه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فكل المعذبين بالقدر لم يوحدوا ربهم، ولم يعرفوه حق معرفته.

والإيمان بالقدر مفرق طريق بين التوحيد والشرك، فالمؤمن بالقدر يُقرُّ بأن هذا الكون وما فيه صادر عن إله واحد ومعبود واحد، ومن لم يؤمن هذا الإيمان فإنه يجعل من دون الله آلهة وأرباباً (2).

والإيمان بالقدر من أكبر العوامل التي تكون سبباً في استقامة المسلم وخاصة في معاملته للآخرين، فحين يقصر في حقه أحد أو يسئ إليه، أو يرد إحسانه بالإساءة أو ينال من عرضه بغير حق، تجده يعفو ويصفح، لأنه يعلم أن ذلك مقدر، وهذا إنما يحسن إذا كان في حق نفسه، أما في حق الله فلا يجوز العفو ولا التعلل بالقدر، لأن القدر إنما يحتج به في المصائب لا في المعايب (3).

والإيمان بالقدر يجعل الإنسان يمضي في حياته على منهج سواء لا تبطره النعمة، ولا تيئسه المصيبة، فهو يعلم أن كل ما أصابه من نعم وحسنات من الله، لا بذكائه وحسن تدبيره "وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ" (النحل: 53) ، ولا يكون حاله حال قارون الذي بغى على قومه واستطال عليهم بما أعطاه الله من كنوز وأموال.

قال تعالى:"إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي" (القصص: 76 ـ 78) .

ويكون المؤمن بالقدر على الأستقامة في حالة السراء والضراء (4).

---------------------------------------------

مراجع الحلقة الثامنة والخمسون:

(1) القضاء والقدر د. عمر الأشقر ص 111.

(2) المصدر نفسه ص 110.

(3) القضاء والقدر للمحمود ص 457.

(4) القضاء والقدر ، للأشقر ص 110.

 

لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:

كتاب الإيمان بالقدر في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي:

http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/648


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022