الجمعة

1446-04-15

|

2024-10-18

تعاليم عيسى ابن مريم عليه السلام من عند الله تعالى

من كتاب المسيح ابن مريم عليه السلام : الحقيقة الكاملة

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

جمادى الأولى 1442 ه/ يناير 2021

تشمل هذه التعاليم رسالة المسيح، كذلك الإيمان بالوحي، فطبيعيٌّ أن يخبر المسيح أنه يوحى إليه من عند الله وأن التعاليم التي يبلغها لهم ليست من عنده، وإنما يوحى بها إليه من ربه، وذكر الله المسيح في القرآن الكريم في جملة من يوحى إليهم من النبيين.
قال تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا * وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا * رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ (النساء: 163-165).
وهذا السياق القرآني يتحدث عن موكب واحد يتراءى عن طريق التاريخ البشري الموصول، ورسالة واحدة بهدى واحداً للإنذار والتبشير، وموكب واحد يضم هذه الصفوة المختارة من البشر: نوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وداود وموسى وغيرهم ممن قصَّهم الله على نبيه صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم، وممن لم يقصَّ عليه، موكب من شتى الأقوام والأجناس، وشتى البقاع والأرضين في شتى الآونة والأزمان، لا يفرقهم نسب ولا جنس ولا أرض ولا وطن، ولا زمن ولا بيئة، كلهم آت من ذلك المصدر الكريم، وكلهم يحمل ذلك النور الهادي، وكلهم يؤدي الإنذار والتبشير، وكلهم يحاول أن يأخذ بزمام القافلة إلى ذلك النور، سواء منهم من جاء لعشيرة ومن جاء لقوم ومن جاء لمدينة ومن جاء لقطر، ثم من جاء للناس أجمعين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين.
كلهم تلقّى الوحي من الله فما جاء بشيء من عنده، أولئك الرسل -من قصّ الله على رسوله منهم ومن لم يقص-اقتضت عدالة الله ورحمته أن يبعث بهم إلى عباده يبشرونهم بما أعدَّه الله للمؤمنين الطائعين من نعيمٍ ورضوان، وينذرونهم ما أعدَّه الله للكافرين العصاة من جحيمٍ وغضب كل ذلك (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) ولله الحجة البالغة في الأنفس والآفاق; وقد أعطى الله البشر من العقل ما يتدبرون به دلائل الإيمان في الأنفس والآفاق. ولكنه -سبحانه وتعالى-رحمة منه بعباده، وتقديرا لغلبة الشهوات على تلك الأداة العظيمة التي أعطاها لهم -أداة العقل -اقتضت رحمته وحكمته أن يرسل إليهم الرسل مبشرين ومنذرين يذكرونهم ويبصرونهم; ويحاولون استنقاذ فطرتهم وتحرير عقولهم من ركام الشهوات، التي تحجب عنها أو تحجبها عن دلائل الهدى وموحيات الإيمان في الأنفس والآفاق، (وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) عزيزاً: قادراً على أخذ العباد بما كسبوا، حكيماً: يدبرّ الأمر كله بالحكمة، ويضع كل أمر في نصابه.
ونقف أمام عظمة العدل الذي يرتِّب للناس حجة على الله سبحانه لو لم يرسل إليهم الرسل مبشرين ومنذرين، هذا ما احتشد كتاب الكون المفتوح، وكتاب النفس المكنون بالآيات والشواهد على الخالق ووحدانيته وتدبيره وتقديره وقدرته وعلمه.
ومع امتلاء الفطرة بالأشواق والهواتف إلى الاتصال ببارئها والإذعان له، والتناسق والتجاوب والتجاذب بينها وبين دلائل وجود الخالق في الكون والنفس، ومع هبة العقل الذي يملك أن يحصي الشواهد ويستنبط النتائج، ولكن الله سبحانه بما يعلم من عوامل الضعف التي تطرأ على هذه القوى كلها، فتعطّلها، أو تفسدها، أو تطمسها، أو تُدخل في حكمها الخطأ والشطط، قد أعفى الناس من حجية الكون وحجية الفطرة، وحجية العقل ما لم يرسل إليهم الرسل، ليستنقذوا هذه الأجهزة كلها مما قد يرين عليها، وليضبطوا بموازين الحق الإلهي الممثَّل في الرسالة، هذه الأجهزة فتصحُّ أحكامها حين تستقيم على ضوابط المنهج الإلهي. وعندئذٍ فقط يلزمها الإقرار والطاعة والاتباع، أو تسقط حجيَّتها وتستحق العقاب.
وخطأ وضلال -إن لم يكن هو الخداع والتضليل-كل زعم يقول: إن العقول الكبيرة كانت حرية أن تبلِّغ بدون الرسالة ما بلَّغته بالرسالة، فالعقل ينضبط مع الرسالة بمنهج النظر الصحيح، وآية أن ما يتمُّ بالرسالة -عن طريق العقل نفسه-لا يمكن أن يتمَّ بغيرها، فلا يغني العقل البشري عنها.
إن تاريخ البشرية لم يسجل أن عقلاً واحداً من العقول الكبيرة النادرة اهتدى إلى مثل ما اهتدت إليه العقول العادية والمتوسطة بالرسالة.
- لا في تصور اعتقادي.
- ولا في خلق نفسي.
- ولا في نظام حياة.
- ولا في تشريع واحد لهذا النظام.
إن عقول أفلاطون وأرسطو من العقول الكبيرة قطعاً، بل إنهم ليقولون: إن عقل أرسطو هو أكبر عقلٍ عرفته البشرية -بعيداً عن رسالة الله وهداه -فإذا نحن راجعنا تصوُّرَه لإلهه -كما وصفه -رأينا المسافة التي تفصله عن تصور المسلم العادي لإلهه مهتدياً بهدي الرسالة.
فسبحان الله الذي قال في كتابه الكريم: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا).


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022